خالد الخطيب
لم يكن ظهور زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبي محمد الجولاني في السباع من كانون الثاني/يناير الحالي، في أثناء فعالية افتتاح طريق حلب – باب الهوى، إلى جانب رئيس حكومته “الإنقاذ”، علي كده، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العاملة في الحكومة، حدثاً عادياً يمكن مقارنته بحوادث سابقة ظهر فيها الزعيم وبشكل متكرر خلال العامين الماضيين، وكانت إطلالات “الجولاني” حينها تركز على توجيه رسائل مقتضبة للداخل والخارج في الوقت الذي كانت فيه هيئته تحرير الشام تجهد في تسريع تحولاتها البراغماتية، والتي بدت بسقف تغييرات مرتفع جداً لطالما “أبهر” الجهاديين المناهضين لها وصدمهم في آن معاً.
عهد جديد
ظهور الزعيم “الجولاني” في احتفالية افتتاح الطريق، الإنجاز المفترض والذي جرى تضخيمه بشكل مقصود ومبالغ فيه، شكّل على ما يبدو بداية عهد جديد في مشروع تحرير الشام، والذي لمح له “الجولاني” في وقت سابق في أواخر عام 2021 أمام “مجلس الشورى العام”.
وهو عهد عنوانه الكبير الاقتصاد، وتفاصيله، محاربة البطالة وخلق المزيد من فرص العمل والتنمية بمختلف قطاعاتها، ودعم الاستقرار والوصول بإدلب إلى حالة من الازدهار المزعوم لتصبح معها بقعة جغرافية جاذبة للسوريين لا طاردة لهم. مفردات وتفاصيل العهد الجديد جهد “الجولاني” في ترديدها خلال كلمته في ظهوره الأخير.
وهي المحاور ذاتها التي ركز عليها “الجولاني” في كلمته أمام الشورى العام نهاية العام الماضي، والتي أصبحت على ما يبدو برنامجاً، وخطة عمل الإنقاذ في نسختها الجديدة، والخامسة على التوالي منذ تأسيسها في عام 2017، فالنسخة الجديدة برئاسة كدة وبتشكيلة وزارية منقحة عقدت أولى جلساتها في 10 من كانون الثاني/يناير، أي بعد ثلاثة أيام فقط من ظهور الزعيم واحتفالية الطريق.
قال “الجولاني” في كلمته التي ألقاها خلال احتفالية الطريق: “تعرضت الثورة السورية في بدايتها لانفصام عن عجلة التطور وبفضل الكوادر في المحرر والحفاظ عليهم استدركنا ذلك وعادت عجلة التطور للدوران”.
وأضاف: “يجب القضاء على الجهل والفقر وهذه المشاريع ستوفر يداً عاملة وستوفر للعمال نيل قوتهم بعرق جبينهم، ففي إدلب وخلال مدة قصيرة جدا لا تتجاوز السنتين، استطعنا بناء اللبنات الأولى في التقدم والتطور بثروات قليلة وإمكانات ضئيلة”.
تابع “يجب التركيز على دعم القطاعات الزراعية والتجارية وغيرها حتى نكمل النهضة الاقتصادية الحالية ونعتمد على الإنتاج الداخلي، فمن خلال استغلال الموارد استطعنا إنجاز هذا الطريق الذي جاء نتيجة عمل تشاركي بين المرابطين والفئة الشعبية والجهات المعنية، وهذا المشروع بداية لمشاريع عديدة ستنجز خلال الفترة القادمة”.
الإنقاذ تتسلم خطة العهد الجديد
تصريحات رئيس حكومة الإنقاذ خلال احتفالية الطريق ركزت على دعم توجهات الزعيم “الجولاني” باعتباره ممثلاً، زعيماً للمشروع “الدولة النموذج” التي ستأخذ على عاتقها استعادة كامل الأراضي السورية من قبضة النظام وحلفائه.
وقال علي كدة: “أتوجه لقيادة المناطق المحررة، والتي سعت دأبها للنهوض بها، بإقامة مشاريع استراتيجية والانتقال بها إلى مستوى المجتمعات المتقدمة”.
وتابع كدة: “برغم استمرار العدوان الروسي الهمجي وقصفه العشوائي لتقويض مشروعنا، سنبقى مستمرين في طريقنا التنموي والنهضوي، فتدشين الطريق، هو إحدى ثمرات الجهد الجماعي المتمثل بالعمل التشاركي بين القيادة والحكومة والمجتمع المدني بمستوياته كافة”. وهنا كدة يحرص على التلميح إلى أن المواجهة مع نظام الأسد وحلفائه روسيا وإيران لم تعد تلك المواجهة التقليدية.
وبحسب كدة، “العدو يراقب عن قرب واقع التنمية المتصاعد في إدلب، وجهود تحرير الشام وحكومتها في دعم استقرار المنطقة باتت تقلق النظام وداعميه”، وعليه صنفت كلمة كدة وتفسيرات أنصار تحرير الشام وحكومتها التصعيد الروسي الأخير على مناطق إدلب، على أنها تصعيد انتقامي تخريبي يسعى إلى إفشال مساعي التنمية ودعم الاستقرار.
وفي حفل تكرم الخريجين الأوائل من أصل 1911 خريجاً في جميع الكليات والأقسام بجامعة إدلب للعام الدراسي 2020/2021، عاود كدة التأكيد على خطة عمل العهد الجديد التي رسمها “الجولاني”.
وقال في كلمة له خلال الحفل الذي أقيم بعد أربعة أيام تقريباً من احتفالية الطريق: “نسعى لجعل الجامعات مصنعا للرجال ينتج الكوادر المؤهلة ذات الخبرة وينتج العقول المبدعة والأيدي الماهرة من أجل استمرار العملية التنموية ونحن في الحكومة لن ندَّخر جهداً في إحداث المشاريع الاقتصادية والصناعية والزراعية، كي نخلق فرصاً للعمل نستوعب بها طاقاتكم ونستفيد منها ونستثمرها”.
وأضاف كدة: “سنجعل أولوية التوظيف في مؤسساتنا لخريجي جامعة إدلب والمتفوقين منهم أولاً، وإذا كانت إدلب مغناطيس الثورة التي جذبت الأحرار الشرفاء أمثالكم، فإنها بالوقت ذاته منطلق للرجوع إلى كامل بلدنا المغتصب واستعادته، فنحن نبني في إدلب وعيوننا ترنو إلى دمشق وقلوبنا تهفو إلى كل بقاع بلدنا سوريا، وبكم نتقدم ونتطور، وبكم نتابع مشروعنا الثوري التنموي النهضوي”.
العهد الجديد والعيون على دمشق والجيران
كلمة كدة التي وجهها للطلاب الخريجين تشبه إلى حد كبير ما جاء في كلمة “الجولاني” في احتفالية الطريق عندما قال في ختامها “لا يملأ عيوننا أن نعبد طريقا أو نبني صرحا مهما عظيما، بل يملأ عيوننا تحرير دمشق وحلب، وكل لبنة تبنى هي في الطريق التحريري، وعدونا يغيظه بناء المناطق المحررة بشكل قوي، ونأمل بعودة المهجرين إلى ديارهم معززين مكرمين”.
تطابق حديث كدة خلال احتفالية الطريق مع ما قاله الجولاني” في المناسبة ذاتها، عندما قال كدة: “نؤكد على ضرورة نقل هذه التجربة إلى مناطق أخرى”، في حين قال “الجولاني”: “يوجد لدينا في الثورة اليوم نموذجان ونتألم لما نسمعه عن النموذج الثاني في الشمال وسببه الفرقة الموجودة ونحن جاهزون لأي مساعدة تسهم في التنمية الاقتصادية بالشكل الصحيح”، والمقصود بكلام الرجلين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري في مناطق (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام).
مصادر عسكرية معارضة متطابقة قالت لموقع تلفزيون سوريا: “وفق أدبيات العهد الجديد لمشروع تحرير الشام، فإن مسألة التمدد نحو مناطق الفصائل بأي طريقة كانت، وهو ما بات حقاً مكتسباً طالما أنها الأجدر بالقيادة والإدارة، فالتمدد المفترض يحقق لها الاتصال جغرافياً بقوتي السيطرة اللتين تتقاسمان معها الجغرافية السورية، قسد والنظام، وبالتالي التمدد وتحقيق هذه الهدف الجزئي سيكون إجراء ضرورياً ولا بد منه للانتقال إلى الجزء الأهم من الطموح الكبير، وهو استعادة كامل التراب السوري، هذا وفق الأدبيات المستجدة للعهد الجديد”.
وفي هذا الاتجاه جاء رد الجهادي العراقي وعضو مجلس الشورى في تحرير الشام أبو ماريا القحطاني على بعض الجهاديين المنتقدين لتحرير الشام ومحاولاته تدخلها في قضية فصيل فرقة سليمان شاه التي يتزعمها محمد الجاسم “أبو عمشة” في ناحية الشيخ حديد بريف عفرين.
وقال القحطاني في منشور على قناته في تلغرام: “نحن قدر الله فيكم والقادم ستكون الهيئة بكل مكان وقتها لا نسمع خطباً رنانة منكم كون المناطق ستكون منطقة واحدة وقتها سيتم تبليغكم بذلك وستباركون ذلك أنتم ومن معكم كون الأمر يأتيكم من أصحاب القرار”، وهنا يلمح القحطاني إلى دور تركي مفترض قد يدعم مساعي تحرير الشام.
العهد الجديد.. محاولة أخرى يائسة؟
قال الباحث في الشأن السوري محمد السكري لموقع تلفزيون سوريا إن ” افتتاح أوتوستراد شمالي إدلب وصولاً لمعبر باب الهوى، جاء بعد مساعٍ قامت بها تركيا وليست هيئة تحرير الشام، فأنقرة هي من حرصت على تعبيد هذا الطريق وافتتاحه مستغلة الضبابية الدولية حول القرار الأممي 2585 والمساعدات الإنسانية حول فترته الثانية، ومعتمدًة على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي تحدث به عن عقبات تواجه خطوط التماس ما يعني عدم التنازل عن إيصال المساعدات عبر الحدود وربما من الأسباب الرئيسيّة ناهيك عن العوائق الأمنية ووعورة الطريق في كل من ريفي إدلب وحلب، وهذا استغلته أنقرة عبر قوى محلية لتشجيع المجتمع الدولي على إبقاء المساعدات عبر الحدود ويمكن قراءة ذلك بتزامن الافتتاح مع نهاية الفترة الأولى مِن القرار الأممي”.
يضيف السكري: “في المقابل، حاولت تحرير الشام استغلال افتتاح الطريق لتعزيز خطابها الدعائي الذي يتعلق بتحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي بالتالي اعتبار الخطوة إنجازاً جديداً يُحسب لها. مع أنّ حقيقة الأمر تقول عكس ذلك، ومع ذلك، يصعب على الهيئة أن تستعيد ثقة الحاضنة الشعبية لأسباب لا تتعلق بالاقتصادية والتنموية بقدر سياسات الإقصاء وتطبيق نموذج دولة الخوف الذي كان يتبعه النظام السوري وعدم قدرتها على تبديل سياساتها الأمنية السلطوية لأن ذلك يعني ظهور قوى أخرى تؤمن أكثر بمشروع المواطنة السورية على حساب مشروع سلطوي أيديولوجي يقوم على إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الإقليمية لتحقيق مكاسب قيادية”.
سيركز التقرير في جزئه الثاني حول الموضوع ذاته، احتفالية الطريق، وبداية العهد الجديد المفترض، الذي دشنه زعيم تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، على الانتقال من حالة التنظيم في خطابه الإعلامي إلى حالة الدولة، والمجاهرة بالإنجازات وتضخيمها، والاحتفاء بها بطرق احتفالية تركز على استقطاب الشارع المعارض باعتباره هدفاً بارزاً للخطاب المستجد بداية العهد الجديد الذي بشر به “الجولاني”.
وهي محاولة في الوقت ذاته لتوسعة الحاضنة الشعبية، وامتصاص غضبها بسبب الغلاء وأزمة المعيشة والقبضة الأمنية المتصاعدة، عبر شعارات كبيرة ورنانة، الزحف نحو دمشق بالبناء والتنمية وخلق مشروع دولة منافس يسحب البساط من تحت القوى التي تتقاسم جغرافية البلاد، وتنافس مشروع “الزعيم”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا