واشنطن ولندن تسحبان عائلات دبلوماسييهما في كييف وفرنسا تنصح رعاياها بتجنّب السفر إلى أوكرانيا والاتحاد الأوروبي لا يرى داعياً “للتهويل”.
فقد أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في بيان الاثنين، 24 يناير (كانون الثاني)، أن دوله تستعد لوضع قوات احتياطية في حالة تأهّب وأنها أرسلت سفناً ومقاتلات لتعزيز دفاعاتها في أوروبا الشرقية ضد الأنشطة العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، في خطوة اعتبرها الكرملين تصعيداً للتوتر.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في بيان، “سيواصل حلف شمال الأطلسي اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية كل الأعضاء والدفاع عنهم، لاسيما من خلال تقوية دول التحالف الشرقية. وسنرد دائماً على أي تدهور في بيئتنا الأمنية، بما في ذلك عبر تعزيز دفاعنا الجماعي”.
وأشار الحلف إلى قرارات اتخذتها الدنمارك في الأيام الأخيرة بإرسال فرقاطة وطائرات حربية إلى دول البلطيق، ودعم إسبانيا لانتشارها البحري وتحضير هولندا “لسفن ووحدات برية في حالة تأهب” لقوة الرد السريع.
وركّز البيان أيضاً على عرض حديث من فرنسا لإرسال قوات إلى رومانيا، لافتاً إلى أن “الولايات المتحدة أوضحت أيضاً أنها تدرس زيادة وجودها العسكري”.
“تصعيد التوتر”
ومع حشد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وصل التوتر بين موسكو والغرب إلى أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، وهناك مخاوف فعلية من اندلاع صراع واسع النطاق في أوروبا الشرقية. وتنفي موسكو الاتهامات الموجّهة إليها، فيما يطالب أعضاء حلف شمال الأطلسي بتعزيزات.
وكتب وزير خارجية لاتفيا إدغار رينكيفيش، على “تويتر”، “لقد وصلنا إلى المرحلة التي يحتاج فيها التعزيز العسكري الروسي والبيلاروسي المستمر في أوروبا إلى المعالجة من خلال الإجراءات المضادة المناسبة لحلف شمال الأطلسي”. وأضاف، “حان وقت زيادة وجود قوات الحلفاء في الجناح الشرقي للتحالف كإجراءات دفاع وردع”.
كما قال وزير خارجية الدنمارك الاثنين، قبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، إن هذا الأخير مستعد لفرض عقوبات اقتصادية “غير مسبوقة” إذا هاجمت روسيا أوكرانيا. وأضاف يبي كوفود، “يتعين على روسيا أن تعلم ويتعين على (الرئيس فلاديمير) بوتين أن يعلم أن ثمن الأعمال الاستفزازية واستخدام القوات المسلحة في تغيير الحدود في أوروبا سيكون غالياً جداً… نحن مستعدون لفرض عقوبات في غاية الصرامة وأكثر صرامة من التي فرضت في 2014″، عندما اجتاحت قوات موسكو جزيرة القرم الأوكرانية.
وفي ضوء إعلان الناتو تعزيز قواته في شرق أوروبا، أفاد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بأن واشنطن وحلف الأطلسي يصعدان التوتر عبر “هستيريا الإعلانات” و”الخطوات الملموسة”، مشيراً إلى أن خطر شن قوات أوكرانية هجوماً ضد الانفصاليين الموالين لروسيا “مرتفع للغاية”.
وتطالب روسيا بالتزامات خطية بعدم ضم أوكرانيا وجورجيا لحلف شمال الأطلسي، وبسحب قوات وأسلحة الحلف من دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه بعد عام 1997، ولا سيما من رومانيا وبلغاريا.
ويرفض الغربيون مطالب روسيا، لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وافق على تقديم “أفكار” خطّية إلى موسكو، من غير أن يوضح إن كانت هذه النقاط ستشكّل رداً بنداً ببند على المطالب الروسية المفصلة.
واشنطن ولندن تسحبان عائلات دبلوماسييهما
في غضون ذلك، ينتظر الاتحاد الأوروبي الاثنين تفسيراً من وزير الخارجية الأميركي يُفيد بفحوى محادثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بشأن احتمال غزو روسي لأوكرانيا، فيما اعتبر الاتحاد ألا حاجة بواشنطن “للتهويل” وسحب عائلات دبلوماسييها من كييف، التي انتقدت قرار واشنطن.
وعلى الخطى الأميركية، أعلنت الخارجية البريطانية الاثنين، أنها ستسحب هي أيضاً بعض موظفيها وعائلاتهم من سفارتها في أوكرانيا رداً على “التهديد الروسي المتصاعد”.
فرنسا بدورها نصحت رعاياها الاثنين بتأجيل السفر غير الضروري إلى أوكرانيا “بقدر الإمكان”.
وسيُناقش وزير الخارجية الأميركي الاثنين في مداخلة عبر الفيديو، مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل، “المحادثات الصريحة” التي عقدها الجمعة مع نظيره الروسي.
وأعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الاثنين، أن التكتل لن يطلب سحب عائلات دبلوماسييه من أوكرانيا كما فعلت الواشنطن ولندن، مضيفاً ألا حاجة “للتهويل” فيما المحادثات مع روسيا لا تزال جارية.
وقال بوريل لدى وصوله إلى لدى وصوله إلى اللقاء المرتقب في بروكسل، “لا أرى سبباً للتهويل طالما أن المحادثات جارية، إلّا إذا زوّدتنا الولايات المتحدة بمعلومات تُبرّر قرار مغادرة أوكرانيا”. وأضاف، “بلينكن سيفسّر لنا” هذا القرار.
وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن، قال من جهته إنه “يجب ألا نضع أنفسنا في منطق الحرب. يجب تجنّب الحرب”.
أما الناطق باسم الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولنكو، فقال في بيان، “نعتبر أن خطوة من هذا النوع من قبل الجانب الأميركي سابقة لأوانها وتعكس حذراً مبالغاً فيه”
الموقف الأميركي والبريطاني
الموقف الأوروبي جاء بعدما قالت الولايات المتحدة، الأحد، إنها أمرت بمغادرة أفراد عائلات موظفيها من سفارتها في أوكرانيا وقالت، إنه يجب على جميع المواطنين التفكير في المغادرة بسبب خطر قيام روسيا بعمل عسكري.
وأضافت في بيان، “في 23 يناير 2022 أجازت وزارة الخارجية بالمغادرة الطوعية للموظفين الأميركيين المعينين مباشرة وأمرت بمغادرة أفراد الأسر من سفارة كييف بسبب استمرار التهديد بعمل عسكري روسي”.
وأضافت الخارجية الأميركية في بيانها أن الموظفين المحليين والموظفين غير الأساسيين يمكنهم مغادرة السفارة إذا رغبوا في ذلك. وقالت، إن على المواطنين الأميركيين المقيمين في أوكرانيا “التفكير الآن” في مغادرة البلاد عبر الرحلات الجوية التجارية أو وسائل النقل الأخرى.
وجاء في البيان أن “الوضع الأمني، خصوصاً على طول الحدود الأوكرانية، في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا وفي دونيتسك التي تسيطر عليها روسيا، لا يمكن التنبؤ به، ويمكن أن يتدهور في أي وقت”.
وحذرت وزارة الخارجية من أن “الرعايا الأميركيين في أوكرانيا يجب أن يُدركوا أن أي عملية عسكرية روسية، في أي مكان في أوكرانيا، ستؤثر على نحو خطير في قدرة سفارة الولايات المتحدة على تقديم خدمات قنصلية، بما في ذلك مساعدة المواطنين الأميركيين الذين يُغادرون أوكرانيا”.
ودعت الوزارة الجالية الأميركية في أوكرانيا إلى الاطلاع على “ما تستطيع حكومة الولايات المتحدة فِعله وما لا تستطيع فعله لمساعدتكم أثناء (حصول) أزمة في الخارج”. كما نصحت المواطنين بعدم السفر إلى أوكرانيا بسبب احتمال حصول هجوم روسي. وانضمت بريطانيا الى القرار الأميركي، فأعلنت الخارجية البريطانية الاثنين أنها ستسحب بعض موظفيها وأقاربهم من سفارتها في أوكرانيا ردا على “التهديد الروسي المتصاعد” في اجتياح كييف.
ولفتت إلى أن السفارة بحد ذاتها ستبقى مفتوحة من أجل “الأعمال الأساسية”.
“الطائر الثاني في كييف”
والاثنين، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها تعد حزمة مساعدات طارئة لأوكرانيا تبلغ قيمتها 1.2 مليار يورو (1.36 مليار دولار). وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين في كلمة قصيرة في بروكسل، إنها “حزمة مساعدات طارئة” جديدة لا يزال يتعين أن يصادق عليها البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء.
وفي وقت سابق الأحد، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، إن بلاده تلقت شحنة أسلحة ثانية من الولايات المتحدة في إطار مساعدة دفاعية بقيمة إجمالية 200 مليون دولار.
وقالت واشنطن، إنها ستواصل دعم أوكرانيا وسط مخاوف في كييف وبين دول غربية بخصوص حشد عشرات ألوف الجنود الروس على الحدود الأوكرانية.
وتنفي روسيا اعتزامها شن هجوم عسكري على جارتها.
وكتب ريزنيكوف على “تويتر” “الطائر الثاني في كييف! أكثر من 80 طناً من الأسلحة لتعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا من أصدقائنا في الولايات المتحدة! وهذه ليست نهاية المطاف”.
ووصلت إلى العاصمة الأوكرانية، السبت، شحنة تقدر بنحو 90 طناً من “مساعدة أمنية فتاكة” بينها ذخيرة، من حزمة وافقت عليها الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول).
وزيرة خارجية بريطانيا قد تزور موسكو
في سياق متصل، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، الأحد، إن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس قد تزور موسكو في ظل تصاعد التوتر بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.
ونقلت وكالة أنباء تاس عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها “تلقينا استفساراً كهذا من الجانب البريطاني، وجاري النظر في إمكانية حدوث مثل هذه الزيارة”.
ولم تعلن المتحدثة إطاراً زمنياً للزيارة. وقال مصدر دبلوماسي، إن هذه التصريحات تأتي في أعقاب إعلان وكالة الإعلام الروسية، السبت، أن من المتوقع أن تزور تراس موسكو في فبراير (شباط) لإجراء محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف.
وفي وقت سابق الأحد، قال نائب رئيس الوزراء البريطاني، إن روسيا ستتعرض لعقوبات اقتصادية صارمة إذا أقدمت على تنصيب نظام تابع لها في أوكرانيا. وجاء ذلك بعد أن اتهمت لندن الكرملين بالسعي لتنصيب زعيم موال لروسيا هناك.
وقالت بريطانيا أيضاً في وقت متأخر السبت، إن بعض الضباط في المخابرات الروسية على اتصال بعدد من الساسة الأوكرانيين السابقين في إطار خطط للقيام بغزو.
ورفضت وزارة الخارجية الروسية هذه التصريحات ووصفتها بأنها “معلومات مضللة” واتهمت بريطانيا وحلف شمال الأطلسي بأنهما “يصعدان التوتر” بشأن أوكرانيا.
وقالت الوزارة على حسابها على “فيسبوك”: “نحث وزارة الخارجية (البريطانية) على وقف هذه الأنشطة الاستفزازية والكف عن نشر مثل هذا الهراء”.
وتأتي الاتهامات البريطانية بعد يوم واحد من إخفاق كبار الدبلوماسيين الأميركيين والروس في تحقيق تقدم كبير في محادثات استهدفت حل الأزمة بشأن أوكرانيا على الرغم من اتفاقهم على مواصلة المحادثات.
وقال دومينيك راب، نائب رئيس الوزراء البريطاني، لشبكة “سكاي نيوز”، “ستكون هناك عواقب وخيمة جداً لو اتخذت روسيا هذه الخطوة وحاولت الغزو أو تنصيب نظام موال لها”.
وجاءت الاتهامات البريطانية أولاً في بيان لوزارة الخارجية في وقت يشهد توتراً متزايداً بين روسيا والغرب بشأن حشد روسيا قواتها بالقرب من حدودها مع أوكرانيا.
وقالت الخارجية البريطانية، إن لديها معلومات بأن الحكومة الروسية تدرس النائب الأوكراني السابق يفين موراييف كمرشح محتمل لرئاسة قيادة موالية لروسيا.
“نظرية المؤامرة”
ولم يهتم موراييف بفكرة أن روسيا تريد تنصيبه زعيماً لأوكرانيا.
وقال لـ”رويترز” في مقابلة عبر الفيديو “قرأت هذا الصباح في جميع المنشورات الإخبارية نظرية المؤامرة هذه، هذا أمر غير حقيقي ولا أساس له على الإطلاق”، مضيفاً أنه يبحث اتخاذ إجراء قانوني.
ونفى موراييف إجراءه أي اتصال مع ضباط بالمخابرات الروسية ورفض فكرة أن يكون متحالفاً مع الكرملين باعتبارها فكرة “غبية”، مشيراً إلى أنه كان هدفاً لعقوبات روسية عام 2018.
ورغم أنه يقول، إنه يريد أن تكون أوكرانيا مستقلة عن روسيا وكذلك الغرب، فإن موراييف شجع بعض الآراء التي تتماشى مع روايات الكرملين عن أوكرانيا.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إميلي هورن في بيان “هذا النوع من المؤامرات مقلق للغاية. للشعب الأوكراني الحق السيادي في تقرير مستقبله، ونحن نقف مع شركائنا المنتخبين ديمقراطياً في أوكرانيا”.
وقالت بريطانيا، التي زودت أوكرانيا، الأسبوع الماضي، بألفي صاروخ وبفريق من المدربين العسكريين، إن لديها معلومات تفيد بأن أجهزة المخابرات الروسية تحتفظ بصلات مع “العديد” من السياسيين الأوكرانيين السابقين، بما في ذلك شخصيات بارزة لها صلات بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش.
وفر يانوكوفيتش إلى روسيا في 2014 بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه وحكم عليه غيابياً بالسجن 13 عاماً بتهمة الخيانة في 2019.
المصدر: وكالات/اندبدنت عربية