بعد الضربة الأميركية على قواعد النظام السوري، والتي جاءت ضمن سياقات سياسية وعسكرية محددة، يتحدث البعض عن الأوضاع في سورية التي سوف تتغير كثيرًا بعد الضربة الأميركية، سواء بالنسبة لوضع النظام أو الإيرانيين أو حتى الروس. وهناك من يذهب إلى أن الرسائل السياسية من هذه الضربة كانت الأهم، وخاصة الرسالة الموجهة للروس، والإيرانيين، ومن منطلق أنه لم يعد مسموحًا لروسيا اللعب في الساحة السورية، لوحدها وضمن مسارات مصالحها لوحدها، حول منتجات الضربة العسكرية سياسيًا. جيرون سألت بعض قادة الرأي من سياسيين وباحثين هل ستكون سورية بعد الضربة العسكرية كما كانت قبلها؟ وكيف ستترك الأثر وضمن أية معطيات؟ وهل يمكن أن تكون لصالح الشعب السوري؟ أم سواه؟
سهير الأتاسي عضو الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة قالت لجيرون ” المشهد السوري بات هو المشهد الأشد تعقيدًا وربما ضبابية، حتى بالنسبة للدول الفاعلة فيه. ولا أعتقد أنه بإمكاننا الحديث عن تغيّر جذري في المعطيات بعد ضربة مازال بإمكاننا تقييمها بوصفها محدودة وجزئية وسطحية، لم تؤثر على نظام الأسد وحلفائه بالعمق. أبعادها السياسية ليست واضحة بعد، سوى إن أميركا تقول عبر الضربة أنه بإمكانها قلب الطاولة عندما تريد، كما بإمكانها تحجيم روسيا التي كانت لها اليد الطولى في الملف السوري بكافة أبعاده.” وأضافت الأتاسي “ميدانيًا عبر اتفاقيات خفض تصعيد تتحول اليوم إلى إتفاقيات تسليم وتهجير، وسياسيًا عبر مسار جنيف الذي أصبح بنكهة روسية. مآلات ما جرى ومدى تحجيم روسيا وإضعاف موقفها التفاوضي في مواجهة الولايات المتحدة، بحاجة للمزيد من الوقت، ولكن أعتقد أن المفاوضات كما المقايضات حامية الوطيس، ولا أعتقد أن مصير نظام الأسد أو تحقيق مصلحة السوريين في الخلاص من مجرم حرب، من النقاط الجوهرية في المقايضات الجارية، والتي قد تشهد ضربات جديدة لدعم الموقف الأميركي فيها.” ثم قالت ” لذلك على السوريين استثمار ما جرى ويجري دون التعويل بشكل حقيقي عليه. فمازال بإمكان السوريين التقاط أنفاسهم والإصرار على استعادة المسار الحقيقي للثورة، كما يمكنهم رفض المسار الروسي لجنيف، والتشبث بالقرار ٢١١٨ الذي تخلوا عن الحديث عنه لصالح القرار ٢٢٥٤ والذي سجل تراجعًا كبيرًا عما سبقه من قرارات”.
أما الكاتب الفلسطيني أيمن أبو هاشم والمنسق العام لتجمع مصير فقال لجيرون” الضربة كما يتضح من حجمها وتأثيراتها الميدانية المحدودة إنها لا تهدف إلى تغيير النظام وإنما تغيير قواعد اللعبة السياسية التي كانت روسيا صاحبة النفوذ الأكبر فيها. وهي بمثابة رسالة من أميركا وحلفائها، إنهم لن يقبلون بشرعنة الوجود الايراني في سورية، وهذا سبب اقتران الضربة بالتصريحات حول ضرورة العودة إلى مسار جنيف، بما يعني بدء مرحلة جديدة من المساومات السياسية سيكون التناقض فيها بين روسيا وإيران أكثر وضوحًا من قبل، وهذا بالتأكيد ان حصل سيكون له تأثير ايجابي لصالح الشعب السوري الذي بات الاستيطان الايراني هو الخطر الأكبر على الهوية السورية” لكنه أكد أيضًا “علينا أن لا نستغرب أن مثل هذه الضربة وغيرها (طالما أن تغيير النظام ليس من أولوياتها)، تصب في سياق تكريس مناطق النفوذ في سورية، ومن الوهم أن نراهن على أميركا وحلفائها في إنقاذ الشعب السوري، فهم عمليًا شركاء روسيا في إبقاء نظام الأسد رغم كل فظائعه وجرائمه، وخلافاتهم على محاصصة الكعكة السورية بينهم وليس على انصاف حقوق السوريين: الضربة لها أهداف داخلية أيضًا بالنسبة لرؤساء الدول المتحالفة وتحديدًا للرئيس ترامب الذي يواجه مشكلات داخلية كبيرة يريد الهروب منها نحو عمل خارجي تحت شعارات أخلاقية كضرب نظام الأسد لاستخدامه الكيماوي في سورية”.
محمد نور حمدان أستاذ جامعي سوري أكد لجيرون ” الضربة الأميركية هي بمثابة استثمار من أميركا للأوضاع في سورية، ومحاولة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب وخاصة بعد وصول النظام إلى الغوطة، والعملية هي عملية تحصيل مصالح بين الدول الكبرى على أرض سورية، بعد أن فقد النظام أي تأثير وأصبح مجرد أداة” وأضاف حمدان ” التفاهمات الدولية لن تبقى على حالها بل يوجد تغيرات، وما يمكن التعويل عليه هو اختلاف المصالح بين الدول وبالتالي يمكن أن يكون هناك تغيير للنظام ضمن صفقات بين هذه الدول والاختلافات والتدافع بين الدول، بالتأكيد لن يكون بمصلحة النظام المجرم الذي لم يعد يملك أي قدرة على التأثير”.
الكاتب السوري المعارض مازن عدي قال لجيرون ” الضربة التي حصلت محدودة، سبقها مفاوضات مع الروس ولازالت المفاوضات مستمرة، لتلبية جملة من الشروط والمطالب بعد أن أخلّ الروس بتعهداتهم، والضربة قد تستأنف، ولن تنتهي قبل تحقيق نتائج ملموسة يمكن توظيفها سياسيًا، وغرضها توجيه رسالة ردع إلى العالم بخصوص من يستخدم السلاح الكيماوي. ” وأكد عدي أن “إعادة التوازن لأدوار الأطراف المختلفة في سورية وعدم السماح للاستفراد الروسي، وتحجيم دوره الدولي، ووضع روسيا في حجمها الحقيقي كدولة إقليمية كبرى وليس ندًا لأميركا، ومن المبكر أن يكون هناك انعطاف في الوضع السوري. لكنها محطة مهمة في مساره المعقد، حيث لاتزال عقدة تحجيم الدور الإيراني في سورية وتنازع النفوذ عقبة كبيرة أمام أي حل سياسي مقترح. ولا يمكن أن تذلل ببساطة أمام التشابك والتنازع الحاصل على مستوى الإقليم.”. ثم انتهى إلى القول” آخر ما تفكر به الأطراف الدولية والإقليمية المتنازعة مصلحة الشعب السوري ويهمها بالدرجة الأولى مصالحها المباشرة والاستراتيجية، وقد يعطي إدخال شيء من التوازن في معادلات الوضع السوري؛ من تقليص للنفوذ الإيراني والحد من التغول الروسي، فرصةً لحلٍ سياسي يضع حداً للكارثة المستمرة الواقعة على الشعب السوري ولا يسد الطريق أمام مطالبه التي ضحى من أجلها الكثير والكثير. وهذا يفسر جانب من الترقب والرغبة لدى أوساط من الشعب السوري في معاقبة النظام المجرم المدعوم من شريكيه الإيراني والروسي”.
أما رضوان الأطرش رئيس الهيئة السياسية السابق في ادلب فقال لجيرون ” في اللحظة التي كان فيها طيران التحالف الثلاثي يقصف أهدافًا محددة للنظام، كان طيران النظام يقصف المدنيين في ريف ادلب الجنوبي وحماة الشمالي، والكل يعلم أن رأس الإجرام والإرهاب يكمن في القصر الذي منه صدرت التعليمات باستهداف دوما، ومن قبلها خان شيخون بالغاز القاتل ولو أن العالم جادًا في القضاء على رأس النظام، لفعل ذلك من أيام الثورة الأولى التي طالب فيها الشعب بتغيير النظام ” ثم قال ” الحقيقة فقد الشعب مصداقيته بالمجتمع الدولي وبات ينظر لهذه الضربات على أنها تخدم مصالح الدول، التي جعلت من سورية ساحة لتصفية حساباتها وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا ، والأمر الآخر عندما يتم استهداف أماكن يعتقد بأنها تحوي مستودعات الأسلحة الكيماوية فقط وتترك باقي الأهداف التي من خلالها يقتل الشعب أيضًا هي إشارة واضحة إلى تغاضي المجتمع الدولي عن ذلك . الأهداف التي تخدم الشعب السوري في المقام الاول هي الإطاحة برأس النظام والتأسيس لعهد سياسي جديد في سورية المستقبل”.
المصدر: جيرون