شهد يوم أمس الأربعاء 25 نيسان/ ابريل 2018 انسحابات ملفتة من عضوية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، كانت أبرزها سهير الأتاسي، جورج صبره، بدر جاموس، وآخرين، وقد لاقى ذلك اهتمامًا بالغًا، خاصة وأنه يأتي ضمن ظروف حساسة تمر فيها القضية السورية عامة، وقد ذهب البعض إلى تفسيرات كثيرة وراء الأسباب الحقيقية والعميقة التي دعت هذه المجموعة الهامة من قيادات المعارضة السورية، لإعلان استقالتها وانسحابها، المشار إليهما. جيرون من جهتها استطلعت بعض الآراء لسياسيين وباحثين والبعض ممن قدم الاستقالة أو أعلن عن الانسحاب، وسألتهم عن لماذا الآن؟ وما الذي تغير؟ وهل من بدائل جاهزة؟ وما حقيقة هذا الأمر بالفعل؟ ما الأسباب العميقة؟
سهير الأتاسي العضو الأبرز في الائتلاف، وأول المنسحبين، تحدثت لجيرون عن هذا الأمر قائلة ” لماذا الآن؟ لأن تيار الواقعية السياسية المسيطر على المشهد السياسي السوري الرسمي للمعارضة يزداد انتشارًا، حتى بات بعضهم ينادي بضرورة إدارة الهزيمة، وبات يعطي الشرعية للقفز فوق الانتقال السياسي، ويتحدث عن إزاحة الأسد، عن طريق الدستور والانتخابات.” وأضافت ” لم يعد عندها البقاء ممكنًا في أجسام رسمية تنخرط بمسار أصبح الحل السياسي فيه مشوّهًا، متجاوزًا لقرارات الشرعية الدولية مختزلاً إياها بما يتواءم مع الرؤية الروسية للحل. الأمر الذي يضع جميع السوريين أصحاب مشاريع الثورة، وليس السلطة وتقاسمها، أمام استحقاق ضرورة استعادة مسار الثورة وجذرية أهدافها، والتأسيس لكتلة حرجة توقف انحدار المسار الذي يتعايش مع وهم تحقيق الممكن، فيضلّل بذلك الثورة وأهلها حفاظًا على بقائه في المساحة الرسمية المتعارف عليها دوليًا “. ثم قالت الأتاسي ” مازال بإمكاننا إحالة كل ما يحصل اليوم إلى فرصة لاستعادة القرار الوطني المستقل للثورة. فليس لدينا ترف اليأس ولا الإحباط”.
الباحث السوري منير الخطيب اعتبر أنه ” لا تعني الاستقالات التي حدثت أو التي ستحدث مستقبلًا شيئًا، لأن الأزمة تكمن في السياق التاريخي والسياسي الذي حكم تشكيل الائتلاف من جهة، وفي طبيعة وثقل التدخلات الدولية والإقليمية في الجيبوليتك السوري من جهة أخرى، وفي تغير بنية القوى الاجتماعية، التي تصدرت المشهد، خلال سبع سنوات من جهة ثالثة.” وأضاف الخطيب ” تتأتى أزمة الائتلاف من حزمة من الظواهر أهمها: أولًا، ربط مصيره بواقعة نشوء القوى المسلحة على الأرض، وبالتالي تحول إلى (جبهة وطنية تقدمية) عند هذه القوى والفصائل المسلحة، وهي قوى ما دون وطنية كونها تفتقد إلى عنصر العمومية. ثانيًا، ربط سياساته ومواقفه بالدول الإقليمية، حيث ثُبت أن هذه الدول لا تعنيها المصلحة الوطنية السورية، بقدر ما تعنيها مصالحها الخاصة، فتحول أعضاء الائتلاف إلى ممثلين لمصالح الدول الإقليمية، وليس للمصلحة الوطنية السورية. ثالثًا، تشكيل الائتلاف حدث مفصولًا وغير مرتبط بالثورة السورية العظيمة، ليس من حيث تبعيته للدول الإقليمية فحسب، بل لارتباطه بقوى سياسية بائدة وسابقة على الثورة السلمية، بل إن الثورة قامت بالتضاد مع منظوماتها الإيديولوجية المغلقة. وبالتالي عجز الائتلاف عن أن يكون ممثلًا لقوى الثورة السلمية والديمقراطية، وأنا أعتقد أنه انتهى دوره السياسي منذ وقت طويل. لذا لا تعني الاستقالات شيئًا.” أما عن البدائل فقال ” أنا أعتقد أنها لم تتشكل بعد، ولا يمكنها التشكل قبل وقف الحرب، والانتقال من مناخ الحرب إلى مناخ السياسة، والقوى المستقبلية التي من المرجح أن تتكون بعد الانتقال إلى فضاءات سياسية عامة، بالضرورة عليها أن تأخذ جملة من المحددات: أولًا، أن تعيد الصلة بروح الثورة السورية السلمية الديمقراطية، بعد الانقلاب على هذه الروح بواسطة القوى الفصائلية المسلحة، ثانيًا أن تمتلك عنصر العمومية، وعنصر العمومية تعبر عنه الوطنية السورية، بوصفها فضاءً عاماً أوسع من الإسلام السياسي والعروبة السياسوية، الوطنية السوري تحتوي العرب والكرد والمسلمين والمسيحيين والسنة والعلويين، فهي المبدأ والمنطلق لبناء العقد الاجتماعي أساس الدولة الوطنية. ثالثًا، القوى المستقبلة البديلة التي لم تتشكل بعد، من الواجب عليها أن تقطع مع المبادئ الإبستمية للثقافة التسلطية، التي عبرت عنها السلطة والمعارضات المختلفة معًا. رابعًا، أن تعيد بناء المهام التاريخية المطروحة، فليس من أهداف للسوريين بعد هذه الكارثة التاريخية إلا إعادة بناء حيواتهم وفقًا للشروط الإنسانية المطلقة، التي تتعارض مع أنماط الحياة التقليدية والمحلوية التي لم تنتج غير الحروب والتدمير الذاتي”.
أما الباحث السوري والمعارض حسن النيفي فقال ” ما أراه صوابًا أن مجمل المبررات التي تضمنتها استقالات بعض الأشخاص من عضوية الائتلاف يوم أمس (25 – 4 – 2018 ) هي غير مقنعة لأكثر الناس سذاجة، فلو كانت المسألة تتعلق بالشأن السياسي العام والإحساس بالمسؤولية تجاه القضية السورية لكان يتوجب على هؤلاء أن يستقيلوا منذ سقوط حلب الشرقية في مطلع العام 2017 ، وانخراط المعارضة في مسار أستانا الذي كرّس نهج التهجير القسري واجتثاث المواطنين السوريين من بلداتهم ومدنهم، وكذلك منذ أن تم التخلي عن مجمل القرارات الدولية من قبل هيئة التفاوض والاكتفاء بالمصارعة على مقاعد محدودة في اللجنة الدستورية .” لكنه قال كذلك ” ما هو مؤكد أن السبب الحقيقي وراء هذه الاستقالات هو شعور الائتلافيين جميعهم بالموت السريري الذي بدأت علائمه تظهر بالتدريج، ولم يتبق أمامهم سوى القفز من هذا المركب قبل أن يغرق، علّهم يحظون (من خلال هذه العملية) بتقدير الشارع السوري، الذي لا أتوقع أن يكون مضللًا لهذه الدرجة. كان على جميع أشخاص الائتلاف المستقيلين (لو صدقوا النية) أن يقفوا معتذرين أمام الشعب السوري، ويضعوا أنفسهم تحت المساءلة الأخلاقية على الأقل، أما خروجهم بعد ست سنوات من حالة التخريب داخل كيان الائتلاف، مدّعين بعدم قبولهم بانحراف المسار السياسي للائتلاف، فهذه ليست صحوة أخلاقية بل قفزة هوائية. وجود كيان سياسي يجسد تطلعات السوريين ويمثل ثورتهم هو من المستحقات التي بات لها الأولوية، وهذا لن يتحقق سوى من خلال مؤتمر وطني جامع تسبقه حوارات معمقة وهادئة، يمكن أن يفضي إلى ولادة جسم سياسي وطني”.
الباحث منير شحود أكد انه ” لفهم الاستقالات شبه الجماعية لأعضاء مهمين في الائتلاف الوطني السوري يجب العودة إلى البدايات والأصول؛ إلى تشكيل المجلس الوطني السوري في تركيا برعاية تركية- قطرية، وليس الائتلاف سوى ذلك الوريث الذي حاول تجميل صورة المجلس الوطني شديد الارتهان. ولم يختلف المجلس والائتلاف عن التجارب السابقة- شبه الفاشلة للمعارضة السورية قبل الثورة، ما عُرف بإعلان دمشق 2005 وتطويره لاحقاً في عام 2007إلى المجلس الوطني لإعلان دمشق، وقد شكلته بالأساس نفس الأحزاب والتجمعات التي ساهمت بتشكيل المجلس الوطني، مع ثقل واضح وأساسي للإسلاميين في المجلس الأخير.
كان تشكيل كل من المجلس والائتلاف أشبه بعملية نسخ- لصق لما يعتقد أنهم ممثلين للشعب السوري من أحزاب وأشخاص في غياب أي تمثيل حقيقي، سيما وأن توصيف المجلس والائتلاف بأنهما يمثلان الثورة والمعارضة، جعلاهما، بدراية أو بدونها، طرفاً في حرب أهلية تبنى العالم توصيفها منذ 2002، شئنا أم أبينا، واعتبرها حرباً بين طرفين هما النظام والمعارضة. ورغم الاعتراف الدولي الشكلي بالمجلس والائتلاف، فلم يؤخذا على محمل الجد، إلا كأداتين يمكن استخدامها وقولبتها بين حين وآخر حسب قوة نفوذ هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، وكان تشكيل الائتلاف ذاته دلالة على تزايد النفوذ السعودي مقابل النفوذ التركي- القطري المؤسس. بالعودة إلى الاستقالات الأخيرة، نجد أن المبررات التي ساقها بعض الأعضاء المستقيلين، مثل أن “المسار السياسي الحالي متطابق مع المسار الروسي الذي يعمل على إعادة تأهيل الأسد” فيها بعض المزاودة، والسبب الأكثر قرباً من الواقع هو إقصاء هذه العناصر الفاعلة في الائتلاف وشعورهم بضحالة الدور واضمحلاله، بعد أن انتقل الائتلاف إلى مستوى آخر هو الهيئة العليا للمفاوضات، مثلما تكشف هذه الاستقالات عن غياب المواقف المؤسساتية وهيمنة الشللية ولا ديمقراطية اتخاذ القرار. ما كان يجب انتظار كل هذه السنوات، منذ 2012، لو كان المستقيلون يدركون جسامة الخطأ الذي حمل هذه المعارضة إلى واجهة الحدث، وحمل جنين انهيارها أيضاً، لا بل وضرورته، بعد أن فشلت في تكوين بديل سياسي يعتد به أمام الداخل والخارج. وليست الاستقالات الأخيرة للأعضاء في الائتلاف سوى بداية انهيار هذه الهيئات المصطنعة بقرار إقليمي دولي أو تلاشيها ببساطة، عسى أن يخرج، أخيراً، بديل وطني يختلف جذرياً وبنيوياً عن التجارب السابقة، ويضع مصلحة السوريين، كل السوريين، في مركز سياساته.
أما جورج صبره وهو أحد المنسحبين من الائتلاف فقال لجيرون ” الانسحابات من الائتلاف تجري منذ أكثر من عام على شكل نزيف يتعرض له نتيجة عدم القدرة على قيامه بتمثيل الثورة وانعدام القدرة على الإصلاح “.
المصدر: جيرون