لن نهدأ، كما لن نألو جهدًا، ولن نستكين أبدًا، قبل أن يخرج كل المعتقلين السوريين من سجون الطاغية الطاغوتي بشار الأسد ونظامه العصبوي الطائفي الفاشيستي، كما لن نقبل بعد اليوم أن تبقى مسألة المعتقلين مجرد ملف من الملفات السورية، التي يلامسها مندوب الأمم المتحدة (غير بيدرسون)، دون أن يدخل في كنهها وماهيتها وضرورتها للسوريين كل السوريين، على امتداد الوطن السوري، وفي بلاد التهجير القسري.
بل أضحت قضية من أهم القضايا التي لا يمكن أن تغّمض عين للشعب السوري بدون الاشتغال عليها، جديًا وليس شكلانيًا، كما حاول نظام الاستبداد الأسدي أن يفعل عبر المرسوم 7 الذي أسماه عفوًا، في وقت لم يتجاوز فيه عدد الذين خرجوا من المعتقلات بناءً عليه، الـ450 فردًا معظمهم من المعتقلين حديثًا، أو الذين لا علاقة لهم بالثورة السورية، فهم من أصحاب التوقيفات الجنائية، خارج إطار الثورة.
لقد كان هذا النظام القمعي وعبر مسيرته الطويلة في خطف الوطن السوري، يتبع سياسة القمع والترهيب وكم الأفواه، وزج كل من لا يُوافقه في سياسته الأمنية القامعة، في سجون ومعتقلات فروعه الأمنية التي فاق عددها الأربعين في دمشق لوحدها، ولقد كان كل مواطن سوري معرضًا للاعتقال، أو ملاحقًا، أو من الذين دخلوا المعتقلات يومًا ما، سواء أيام المقبور حافظ الأسد أو ابنه الوريث غير الشرعي بشار الأسد، وكانت التهم جاهزة وعلى طول المدى، ومقوننة في بعض الأحيان، وهي التي تقول بالنيل من (هيبة الدولة)، و(توهن عزيمة الأمة) وما شابهها من تهم ما أنزل الله بها من سلطان.
خلال الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة اشتدت القبضة الأمنية المنفلتة من كل عقال، وراح نظام الطائفة المُتغول فوق رؤوس البلاد والعباد، يزج بكل المتظاهرين أو الذين تفوهوا بكلمة واحدة تأييدًا لأهلهم ومجتمعهم الذي خرج أواسط آذار/ مارس 2011 ليعبر عن ثورته ضد العسف والقهر الأسدي، ولم تكن تهمة الإرهاب التي وسم بها كل المعتقلين صحيحة، بأي حال من الأحوال، فليس هناك من يعلو على إرهاب الدولة الأسدية من إرهاب، إنه أعلى إرهابًا من كل أنواع الإرهاب التي عرفناها أو لم نعرفها بعد.
وسجون ومعتقلات الأسد مازالت تغص بمئات آلاف المعتقلين الذين واجهوا النظام بالكلمة الحرة، والمظاهرات السلمية، أو من تم القبض عليهم بالشبهات والاتهامات الباطلة. ولن ننسى أبدًا معتقلينا الميامين من السوريين ذوي السمعة الحسنة الذين كانوا أبعد ما يكونون عن كل اتهامات حمل السلاح أو الإرهاب كما يدعي النظام القمعي. ونذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر: المهندس سامر الأحمر، المهندس صبحي خبية، صبحي قزموز وابنه، عبد الرزاق سعدو وأخيه عمار، الدكتور عبد القادر الحمادة، المحامي رجاء الناصر، الدكتور عبد العزيز الخير، المهندس عربي القادري، محمد معتوق، المهندس توفيق انجيله، لؤي حمودة وأبناء عمومته ناصر ومنصور ونادر ومحمد، والكثير الكثير ممن لا يتسع الورق لذكرهم، وهم من السوريين الذين لم يحملوا السلاحَ يومًا، ولا يؤمنون بحمله أو استخدامه.
وتبقى المشكلة الأهم في قضية المعتقلين، وهي أن كل أطياف المعارضة السورية من مسلحة أو سياسية لم تمّسك بقضية المعتقلين ولم تولها الأهمية اللازمة لا في الائتلاف ومؤسساته، ولا في هيئة التنسيق وتوابعها، ولا في كل المنصات الأخرى، ولم تقف يومًا في إحدى مؤتمرات (رحلة الصيف والشتاء) لتقول كلمتها في مسألة المعتقلين أو أن تنسحب إن لم يتم تلبية طلبها، وهذا حال اجتماعات اللجنة الدستورية المكوكية والفارغة، وكذلك اجتماعات أستانا الأكثر بؤسًا، بل لعل كل هذه المعارضة لم تتملك إلى اليوم توثيقًا حقيقيًا وجديًا لأسماء المعتقلين السوريين، وهم من مسؤولياتها كما يفترض، كل ذلك ساهم ويساهم في المزيد من إهدار الوقت والعبث، والانزياح عن قضية كانت ومازالت من أهم القضايا التي تؤرق حيوات السوريين وتقضُ مضاجعهم، وما شاهدناه مؤخرًا في ساحات دمشق وتحت الجسور بانتظار احتمالية خروج المعتقلين يؤشر إلى حجم الكارثة، ويبين مدى شمولها شريحة كبيرة من السوريين على امتداد الجغرافيا السورية.
ولعل مسألة الضحالة وقلة الحيلة لدى المعارضة السورية في عدم قدرتها ولا اهتمامها على التعاطي واستغلال (الفضيحة العالمية الكبرى للنظام السوري) بعد انكشاف إحدى مجازره في «حي التضامن»، يدلل إلى هُلامية هذه المعارضة، وقلة حيلتها في الاعتماد على الكثير مما يشبه هذه المجزرة التي أيقظت العالم قاطبة، على مستوى من العنف والفجور والإرهاب الذي كان النظام السوري وما يزال يتعامل به مع السوريين، أمام (عالمٍ متحضر) يفّترض به أن يتحرك نصرة لحقوق الإنسان المستباحة على قارعة الطريق في سورية بدعم روسي وإيراني واضح وعلني.
ورُب قائل يقول إذا كانت المعارضة السورية هذه هي أحوالها فكيف نحمل العالم الإقليمي والدولي المسؤولية في ذلك، ونطالبه برفع الصوت، إن كان قادة المعارضة ما برحوا منشغلين بتوزيع الطرابيش، والمماحكات الداخلية، بحثًا عن المحاصصات والمكاسب. وهو قولٌ محق ويلاقح الواقع المعاش في واقعنا المعارض، إلا أن المطالبة بأن تكون قضية المعتقلين هي المسألة الأولى لدى المعارضة السورية، وكذلك ما يُسمْون أنفسهم بأصدقاء الشعب السوري، هي مسألة تدخل في تصنيف أضعف الايمان، ولعل الكثير من المسائل التي تمت متابعتها والإلحاح عليها قد آتت أُكلها في كثير من الملفات الأخرى، ومنها المُحاكمات التي تجري لرجالات أمن ومخابرات سورية في أوروبا هذه الأيام وفي أيامٍ خلت.
وتبقى مقولة (لا يضيعُ حقٌ وراءهُ مُطالب) مقولة صحيحة، وقد تؤتي أُكلها ولو بعد حين.
المصدر: موقع (الحرية أولًا).