واثقةُ الخطى! تمضي في دأب متجدد في حياة القهر وبلد اللجوء ، تطرق أبواب العمل بقوة الرجل وبرهبة الأنثى التي رمت غطاء النسيان على ماضي دلالها ؛ أيام أمنِ بلادها ، وما عادت تخشى إلّا جوع صغارها وبكاء رضيعها ، وصرخات الزوج الذي بترت أطرافه جراء قصف البراميل في إحدى المدن السورية ، هي أم محمد المرأة السورية تروي قصتها دون وجلٍ ولا خجل ٍ ! قالت : أخرج من بيتي وقت الضحى إلى أحد المعاهد التدريبية المهنية ، ليكون عملي فيه عاملة تنظيف لساعات ليست بطويلة ( ولفت انتباهي أثناء حديثها أنها تحمد الله على أنّ عملها قصير المدة ، لترجع ما بعد الظهر قبيل العصر إلى بيتها ) تكمل أم محمد قائلة : كنت قبل الثورة السورية سيدة عزيزة في بيتي ، تلبى الرغبات وتقضى الحوائج بنفوس رضية ملئت بالمحبة وحسن المعاملة لي ولأولادي ، فكانت حياتي ميالة إلى الترف ، وفي وقت من الأوقات ما عدت أميز بين الحقوق والواجبات ، نعم هذا كله في بلدي وليس في بلد اللجوء ! تضحك أم محمد للحظات ؛ وتتابع حديثها أنّ الثورة السورية جاءت ولقنتها درساً بالكرباج السوري ؛ حيث شيطنت من حولها ؛ فأصبحوا جاثمين على الأرض من شدة الضعف وقلة الحيلة ؛ حتى استولى عليهم السخط المتفاوت بين الحين والآخر ، فرددوا بنظراتهم ” هيا يا أم محمد قومي قومة سامية لتؤدي الواجب وتوفي ما برقبتك لنا ، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان ” تنهدت قليلاً ؛ وتبسمت وسمعت ما أكملت ؛ أنّ الثورة السورية خلقت موازين ومعطيات جديدة ناقضت ما كانت عليه غالبية المجتمع السوري من المحافظة والعُرف والتقليد ، فهنا المرأة تعمل وتعين أهل بيتها ، وتخالط من غير جنسها _كالمدير والموظف والعامل _ ويبقى السؤال مطروحاً: ما هو الدرس المستفاد من غربة خارجة عن المألوف والمعتاد ؟ إنّ دوام الحال من المحال ودورة الحياة في تسارع لتلحق بثورة المعلومات والاتصالات، ولا بد من إعادة النظر فيما كان وبما كان؛ فمفهوم العرف والتقليد هو معيار التقييم وليس التشدد وتقديس ما لا يصح تقديسه؛ فمعيار التقييم هو الاحترام ولكل أمرٍ حاله وأحواله؛ فما أتقبله أنا لا يتقبله غيري. هي حكاية امرأة من ” حكايات الثورة السورية ” التي صنعت بطلات حقيقيات ناضلنّ لأجل الحياة الكريمة العفيفة، فصمدنّ رغم الآلام والشتات في مكان لا يوجد فيه إلا الغربة والاشتياق لأيام كان ياما كان، ولكن حالفهنّ الحظ بأنّ حفظنّ في عقولهنّ المعارف على مرّ التجارب المختلفة، ستحكى للأجيال القادمة أنّ جداتكنّ لسنّ فقط صانعات الرجال؛ بل صانعات الوعي بصبرهنّ ونضالهنّ في البيت والعمل.
حسان عزت القانطون.. اليائسون.. العمل الشمس كان مستعبدا وكان اسمه وردا ( بلا شوك) وصار حرا وظل اسمه وردا ولكن...
Read more