أمل رنتيسي
شكلت سوريا جزءًا من محور “المقاومة والممانعة” وفق ما صدّرته عن نفسها خلال العقدين الماضيين، وهو المحور الذي يقول إنه يتصدى لإسرائيل ويحاربها.
ولا ينفك النظام السوري عن تعزيز هذه الرواية بشأن القضية الفلسطينية منذ استلام حافظ الأسد السلطة في سوريا منذ عام 1971، إلّا أن المقابلة الأخيرة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 9 من حزيران الحالي مع قناة “روسيا اليوم” حملت تغيّرًا في أسلوب تعاطي النظام السوري مع القضية.
الأسد الذي كان يتغنى بالمقاومة الفلسطينية التي يدعمها ويصفها بأنها بالنسبة لسوريا بـ”القضية المركزية”، يقدم الآن مبررات للدول المُطبعة مع إسرائيل بأن اتفاقية “أوسلو” في تسعينيات القرن الماضي، شهدت تقديم تنازلات من صاحب القضية لإسرائيل، ما يبرر لأي دولة في العالم “التطبيع أو السلام مع إسرائيل لأن صاحب القضية تنازل عنها”، في اعتراف ضمني أن الفلسطينيين سلموا أراضيهم لإسرائيل عبر الاتفاقية.
لم يجد الأسد مشكلة في “التطبيع” نفسه كخطوة سياسية لتشكيل السلام مع إسرائيل، بل وجد أن المشكلة هي أن هذه الدول “تطبع وتقدم تنازلات لإسرائيل مقابل لا شيء”، حسب رأيه.
وفي سياق المسألة السورية، هنالك قضية الجولان المحتل التي أثارها الأسد بقوله، “بالنسبة لسوريا لن تغير موقفها طالما أن هناك أرضًا محتلة هي الجولان، عندما تعود الجولان لكلّ حادث حديث ويأتي في إطار ليس التطبيع وإنما العلاقات العادية بين أية دولتين علاقات عادية لا تعني حرارة ولا برود تعني ما يريده الشعب، وكيف يحدد الشعب”.
الأسد لم يسبق أن أشار إلى إسرائيل كـ”دولة” بل من المتعارف عليه استخدام النظام السوري لمصطلحات مثل “الاحتلال الإسرائيلي” أو “الكيان الصهيوني” أو “الاستيطان الإسرائيلي”.
“أبواق” يقابلها اتفاقيات من تحت الطاولة
وحول التغير في مصطلحات بشار الأسد في التعاطي مع مسألة إسرائيل، يرى الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، في حديث إلى عنب بلدي، أنه ليس هناك من جديد في موقف النظام السوري من إسرائيل، فمنذ أيام الأسد الأب اتبع النظام مسارين متناقضين تمامًا، وهما أبواق الإعلام السوري التي لا تكل ولا تمل من ترداد الشعارات الفارغة المعادية لـ”العدو الصهيوني” و”الإمبريالية الأمريكية” من جهة.
ومن جهة أخرى كان النظام يسارع لاقتناص أي “فرصة” تلوح بها إسرائيل وأمريكا لعقد صفقة “سلام” والانخراط في مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي بعد تمهيدات من تحت الطاولة، مع التأكيد بأن عدم التوصل إلى تفاهم مع الإسرائيليين كان نتيجة تعنتهم ومحاولة فرض شروط يصعب على النظام تقبّلها، وفق عباس محمد.
أما محاولات بشار الأسد للتلاعب بالألفاظ باستخدام تعبير “علاقات عادية” بدلًا من مصطلح “التطبيع” فهي غير مُقنعة سواء من الناحية اللغوية البحتة أو من حيث المدلول السياسي والدبلوماسي، فالمغزى واحد.
وأضاف الأكاديمي عباس محمد أن آخر محاولة للتوصل إلى اتفاقية سلام فشلت لإصرار إسرائيل على مبدأ “خطوة تطبيع مقابل خطوة انسحاب من الجولان”، وبالطبع لم تكن إسرائيل تنوي الانسحاب من كامل أراضي الجولان المحتل، وهذا الموقف الإسرائيلي كان يقابله إصرار الأسد الأب، حافظ الأسد، على الانسحاب أولًا ثم التطبيع ثانيًا، أي أنه لم يكن ضد التطبيع إذا كان يكفل له الحفاظ على ما يعتبره الحد الأدنى من ماء وجهه.
أوراق التفاوض.. هل إيران في الواجهة؟
يمثل الوجود الإيراني في سوريا تهديدًا لأمن إسرائيل التي تشن ضربات جوية مستمرة على مواقع إيرانية في سوريا، التي كان آخرها فجر 10 من حزيران الحالي، حين استهدفت مطار دمشق الدولي، بعد ساعات على عرض مقابلة الأسد.
الأسد متسمك بإيران إذ يعتبر أن “الموضوع غير قابل للنقاش مع أي دولة، ولا يُناقَش أصلًا”، حسب ما قاله في المقابلة.
وحول إمكانية استخدام ورقة إيران لفرضية التفاوض بين النظام السوري وإسرائيل، قال الأكاديمي فيصل عباس محمد إنه لا شك أن إسرائيل يهمها أن تنهي الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ولكن من المشكوك فيه أن تعطي النظام السوري تنازلًا وازنًا في مقابل إنهاء النفوذ الإيراني، خصوصًا أن النظام في حالة من الضعف تجاه القوى الإقليمية، بما فيها إسرائيل، لا تسمح له بفرض شروطه للتوصل إلى صفقة مع إسرائيل.
ومن المشكوك فيه أيضًا قدرة النظام على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، هذا النفوذ الذي تعمق كثيرًا في السنوات الأخيرة وتكرّس في الأجهزة الأمنية وفي الجيش وحتى على صعيد الديموغرافيا، وفق عباس محمد.
ضمن الظروف الراهنة، ستبقى الاتصالات بين النظام السوري وإسرائيل خلف الكواليس، وفي أفضل الأحوال لن تفضي إلى أكثر من تفاهمات جزئية لن ترقى إلى اتفاقية أو تطبيع، فما يصرح به الأسد حاليًا عن إمكانية إقامة “علاقات عادية” مع إسرائيل يمكن فهمه في سياق إرضاء الإمارات (التي تعمّق تطبيعها مع إسرائيل) والسعودية التي تمارس التطبيع دون أن تعلنه، ولو أن هذا سيتغير بعد أن يغادر الملك سلمان المشهد ويعتلي محمد بن سلمان العرش، حسب ما يراه الأكاديمي عباس محمد.
تقارب سابق بين سوريا وإسرائيل
كان لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، مبادرة إقليمية، لإعادة، بشار الأسد، إلى جامعة الدول العربية، وفق تقرير لصحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية التي قالت في 2 من نيسان الماضي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، نفتالي بينيت، أوقف مبادرة إقليمية روّج لها نتنياهو بدأت منذ 2019 بتمرير مبادرة المبنية على فكرة المصالحة الدولية مع انتصار الأسد، مقابل اتفاق القوى معه على انسحاب القوات الإيرانية من سوريا.
وتقضي الخطة بإصدار الأسد دعوة إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011، بدعوى أنها لم تعد مطلوبة هناك، وعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وتفعيل دول الخليج العربي، وفي مقدمتها الإمارات، استثماراتها في الاقتصاد السوري كي تحل محل إيران في هذه المسألة.
كما نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في نيسان الماضي، ملخصًا لكتاب يتحدث عن جهود إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أجرت محاولة سرية للتوسط بين إسرائيل وسوريا، وقُطعت هذه الوساطة بسبب الحرب في سوريا عام 2011.
ووفقًا للوسيط الأمريكي فريدريك سي هوف، الذي أصدر كتاب بعنوان “الوصول إلى المرتفعات: القصة الداخلية لمحاولة سرية للتوصل إلى سلام سوري إسرائيلي” فإن العملية كانت على مسار واعد، إذ أظهر الأسد ونتنياهو استعدادًا مفاجئًا للانخراط في مفاوضات جادة على اتفاق سلام إسرائيلي- سوري.
وكانت جهود الوساطة هي سادس محاولة لتسوية الخلاف بين إسرائيل وسوريا بين عامي 1992 و2011، إذ كانت العلاقات معقدة بين الطرفين، مع استمرار المحاولات لتسوية النزاع والتوصل إلى اتفاق سلام جنبًا إلى جنب مع الكفاح المسلح الذي يجري في الغالب بالوكالة، لدعم النظام السوري كلًا من “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في قطاع غزة، حسب ملخص الكتاب.
وفي أيلول من عام 2020، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية تقريرًا قالت فيه إن النظام السوري ربما يطبّع علاقاته بإسرائيل، أسوة بالبحرين والإمارات العربية المتحدة.
ولم يستند التقرير حينها إلى معلومات أو وثائق أو مصادر علنية أو خاصة تشير إلى وجود أي نوع من أنواع الاتصال بين النظام السوري وإسرائيل، لكنه في المقابل أثار جدلًا واسعًا ونشرته عدة وسائل إعلام إسرائيلية، بما فيها محطة “i24” التلفزيونية، تبعته عدة تقارير من صحف إسرائيلية تشير إلى إمكانية عقد اتفاق بين النظام وتل أبيب.
المصدر: عنب بلدي