عبد الله البشير
يُواصل متطوعو الدفاع المدني السوري تنظيم جلسات تعريفية بخدمة “الراصد” في مناطق شمال سورية، حول كيفية الاشتراك بالخدمة، مستهدفين الكوادر الطبية والعاملين في المنشآت العامة، بهدف التحذير من الغارات الجوية عن طريق هذه الخدمة التي تعتبر إنذاراً مبكراً قد يمنح المدنيين الوقت الكافي لحماية أنفسهم وعائلاتهم.
والخدمة تركّز على الوقت الفاصل قبيل وقوع الغارة الجوية على المنطقة، والذي يقدر بنحو 15.9 دقيقة.
ويوضح منسق المشروع في الدفاع المدني محمد دياب تفاصيلها، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، لافتاً إلى أن “الراصد لحظات ثمينة قد تنجي من الموت، إذ تهدد الهجمات الجوية التي يشنها النظام السوري وروسيا حياة السوريين بشكل يومي، وترافقهم منذ أكثر من عشر سنوات، ودفعت هذه الهجمات الممنهجة الدفاع المدني السوري للعمل مع شركة “هلا سيستم” لتطوير نظام هدفه البحث عن طريقة لتفادي هذه الهجمات، والتقليل من عدد الأرواح التي تخطفها. وهناك لحظات فقط تفصل ما بين الموت والحياة، وهذه اللحظات قد تنجي من موت محقق. كما تركّزت الجهود لاستغلال هذا الوقت القصير الذي يصبح ثميناً جداً، وقد تكفي دقيقة واحدة لإنقاذ أرواح العشرات. لكن صعوبة الوصول لجميع السكان في الوقت المناسب وإبلاغهم كانت هي المعضلة الأساسية، وهو ما جرى العمل عليه عبر خدمة الراصد”.
و”الراصد” كما يشير دياب، هو نظام تحذير مبكّر يقوم بإرسال تحذيرات متعلّقة بحركة الطيران الحربي في سورية قبل وقوع الغارات، بهدف إنذار المدنيين، وتخفيف أعداد ضحايا القصف الجوي.
وانطلقت خدمة “الراصد” في أغسطس/آب عام 2016 لتبدأ بتغطية محافظة إدلب، ثم توسعت لتغطي مختلف المناطق السورية التي كانت تعمل فيها الفرق، وتغطي حالياً محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريفي حماه الشمالي واللاذقية الشمالي. وتقوم الخدمة على إبلاغ المدنيين بحركة الطائرات الحربية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التالية: تليغرام، فيسبوك، تويتر، وعبر صافرات الإنذار الموزعة ضمن المناطق.
ويقوم النظام الآلي بتفعيل الصافرات عن بُعد لتنبيه المدنيين من اقتراب طائرة من المنطقة التي من الممكن أن تكون الطائرة متجهة إليها، وكذلك تقوم الخدمة (عبر التحذير الضوئي) بتنبيه المدنيين والكوادر الطبية والتعليمية بشكل خاص من اقتراب طائرة من المنطقة، أو عند توقع الاستهداف المباشر للمنطقة، وتنبيه الكوادر الطبية من أجل تجهيز المنشآت الطبية لاستقبال إصابات من قصف الطيران إذا كان الاستهداف بالقرب من المنشأة الطبية.
ولدى سؤاله عن كيفية عمل النظام، يقول دياب: “يقوم نظام الراصد باستقبال مشاهدات الطيران الحربي من مراصد مدنية موثوقة وتحليلها للتنبؤ بالأماكن التي قد تُستهدف، وحساب الوقت المقدر لوصول الطيران إليها، ثم ينشر التحذيرات بالوسائل المتاحة في أسرع وقت ممكن. ويقوم فريق متخصص بالتحقق من صحة التحذيرات التي تنشر على مدار الساعة. ويبلغ متوسط وقت التحذير قبل وقوع الغارة 15.9 دقيقة، وهو زمن قياسي يساعد بشكل كبير على تفادي المدنيين الغارات وإخلاء المناطق التي يتوقع استهدافها”.
وآلية نشر التحذيرات تكون، وفق ما تحدث دياب، من خلال تعميم التحذيرات حالياً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وصفارات الإنذار الموزعة من قبل الدفاع المدني السوري في المناطق المأهولة شمال غربي سورية، أو أجهزة التحذير الضوئي الموزعة في المنشآت الصحية والتعليمية.
أما آلية التحذير الضوئي، وفق دياب، فتعتمد على بنية خدمة الراصد لبث التحذيرات عن طريق أجهزة إضاءة بألوان مختلفة تعكس أنواع تحذيرات مختلفة، وجرى تصميم نظام التحذير الضوئي لتحذير المدنيين داخل المباني في مختلف القطاعات، ومباشرة تركيب أجهزة التحذير الضوئي عام 2019 في المرافق العاملة بالقطاع الصحي (مستشفيات ومستوصفات ومراكز صحية وعيادات)، وزُوّد 117 مرفقاً صحياً بنظام التحذير الضوئي، وجرى تركيب أجهزة التحذير الضوئي في 100 مدرسة، و9 مراكز حماية، وفي 105 من مراكز الدفاع المدني السوري.
ويلفت دياب إلى أن “الدفاع المدني السوري بدأ يتشارك مع منظمة حراس الطفولة وجهات عدة لتركيب أجهزة الإنذار الضوئي في نحو 100 مدرسة في شمال غرب سورية. ويأتي التركيز على المدارس كونها هدفاً دائماً للغارات الجوية للنظام وروسيا. وهذه الهجمات تشكل تهديداً حقيقياً لسلامة الطلاب والكوادر التعليمية”.
ويقول دياب: “على الرغم من أهمية خدمة الراصد ودورها الكبير في إنقاذ أرواح المدنيين عبر منحهم بضع لحظات للهروب من الغارات الجوية، لكن تبقى مراوغة للموت، ولا تمنع الغارات الجوية التي تستهدف الأسواق والأماكن المكتظة بغارات متتالية، ولا يمكن مواجهة القتل والآلة العسكرية الروسية الداعمة للنظام في حربها على السوريين، والتي حصدت أرواح عشرات آلاف المدنيين بعدما باتوا هدفاً له. وتبقى هذه الحلول مؤقتة وتحاول التعامل مع الوقائع على الأرض، على أمل أن يكون هناك صوت للمجتمع الدولي يوماً ما يمنع هذه المجازر والهجمات الممنهجة ويضع حداً لها، ويعيد للسوريين حقهم في العيش بسلام”.
والخدمة مهمة جداً لسكان مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال وشمال غرب سورية، كما يقول علاء الحمصي، المقيم في مخيم للنازحين قرب مدينة الدانا في إدلب لـ “العربي الجديد”. ويضيف: “ليس لدي اطلاع على ماهية خدمة الراصد. لكن منذ وصولي إلى المنطقة برفقة عائلتي عام 2018، أعرف أن هناك خدمة تحذّر من الغارات الجوية، واستخدامها على جهاز اللاسلكي الذي أملكه في المنزل، هي أمر مهم جداً وتعطي انطباعاً بأن هناك عملاً حقيقياً يُنجز لحمايتنا”.
بدوره، يؤكد الناشط الإعلامي خضر العبيد لـ “العربي الجديد” أن هذا النوع من الخدمات له أسبقية في حماية المدنيين، مشيراً إلى أنه مع بداية لجوء النظام للقصف الجوي في سورية، كان القصف يحدث فجأة من دون سابق إنذار أو تحذير من أي جهة. لكن بعد مضي عامين على تكرر القصف الجوي، بدأ سكان المناطق اللجوء لآليات تحذير، أشهرها في ريف حمص الشمالي وهي صافرات الإنذار، كما يوضح. ويلفت إلى أنه في الوقت الحالي يقيم في ريف إدلب الشمالي، وأن الخدمة المتعلقة برصد الطائرات الحربية أصبحت أكثر دقة، وتعطي للمدنيين أسبقية في الاحتماء من قنابل وصواريخ الطائرات.
يشار إلى أن النظام السوري وروسيا يواصلان استهداف المدنيين في مناطق شمال غرب سورية بالطائرات الحربية. ففي 22 يوليو/ تموز الماضي، أسفر القصف الجوي عن مقتل 7 مدنيين، بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، بعد استهداف الطيران الحربي مزرعة على أطراف قرية الجديدة في ريف إدلب الغربي.
المصدر: العربي الجديد