خالد الحمصي
بينما كان رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته في زياراتهما لدور الأيتام في حلب في تموز الماضي، كانت عناصر الأمن السياسي في حمص تقتحم منزل محمد أمين وتبحث عنه في منازل أقاربه وأصدقائه بتهمة “تمويل عائلات الإرهابيين”.
لكن “جريمة” محمد أمين، وهو شاب ثلاثيني يعمل سائق سيارة كانت في الحقيقة مشاركته بتوزيع عدد من كفالات الأيتام التي أُرسلت عبر بعض معارفه القدامى ممن يعيش في الخارج.
قضية منسية
رغم حساسيتها وأثرها المديد لا تلقى قضية الأيتام الاهتمام المتناسب مع حجمها، فكثيراً ما يتم تسليط الضوء على المعتقلين والمهجرين والجرحى وغيرهم من فئات المتضررين خلال الحرب التي أطلقها الأسد على سوريا، بينما يتم التعامل مع ملف الأيتام بتفاعل أقل لكونه متشعباً وغير واضح المعالم.
في حمص، تتراوح اليوم أعمار الأيتام الذين قتل ذووهم إثر القصف أو خلال المعارك التي دارت مع قوات النظام، بين خمس سنوات وإحدى عشرة سنة، أما أعمار الذين اختفى أحد والديهم أو كليهما في معتقلات النظام فتبدأ من يوم واحد فأكثر، فالاعتقالات مستمرة حتى يومنا هذا.
سلمى ذات الـ (25) عاماً، فقدت زوجها قبل سنة من دخول قوات الأسد بمساعدة روسية إلى ريف حمص الشمالي، حينها كانت حاملاً بطفلتها غرام، التي ولدت بعد مقتل والدها بشهرين، احتفلت سلمى منذ أسابيع بعيد ميلاد طفلتها السادس، تحدثت لنا عن حالتها بالقول: “تزوجت مجدداً بعد أن أصبح عمر ابنتي ثلاث سنوات، لايمانع زوجي الآن من وجود طفلتي بقربي، يدعمني لرعايتها والعناية بها، واقترح أن نسجلها في روضة قبل دخولها المدرسة في العام القادم، لكن لا يمكن اعتبار قصتي مثالاً عمّا يجري، فنسبة كبيرة من الرجال ترفض هذا الموضوع، لذلك تضطر معظم الأمهات للاختيار بين الزواج وترك أطفالهن لأهل والدهم، أو للبقاء مع أطفالهن في حالة مادية سيئة غالباً بسبب غياب المعيل وقلة فرص العمل”.
وأضافت: “يعيش الكثير من الأطفال في ظلم المعيلين عندما يفقدون ذويهم، خاصة عندما تكون الأم هي المتوفية فإنهم كثيرا مايلقون معاملة سيئة على يدي الخالة زوجة الأب الجديدة”، مستدركة:” هناك خير طبعاً وأعرف بعض الخالات الحنونات لكن الحالة العامة مختلفة”.
قبل سيطرة النظام وبعده
خلال سيطرة فصائل المعارضة على عدة مناطق في حمص كانت مكاتب رعاية الأيتام تعمل بكفاءة، وكانت نشطة ومتفوقة على العديد من الجمعيات التي تقدم نشاطات خدمية وإغاثية، لكن الحال تبدل فجأة بعد دخول قوات النظام وتهاوي سيطرة المعارضة، فقد أُغلقت جميع هذه المكاتب وأُلغيت النشاطات المتعلقة بها، كما تمت ملاحقة مشرفي وموظفي هذه المكاتب ممن لم يخرج من المنطقة برفقة المقاتلين، إضافة إلى هذا توقفت الجهات المانحة والمتبرعون عن المساعدة وحتى السؤال عن الموضوع.
وعلى سبيل المثال، في الشهر السابع من العام 2015 كان (مكتب رعاية الأيتام في الوعر) يوزع مبالغ تقدر بنحو 45 دولاراً أميركياً (لكل طفل) على 107 أيتام ينتمون إلى 71 عائلة، وفي السنة التالية 2016 تمت إضافة 95 يتيماً غيرَ مكفول على قوائم المكتب، إلا أنَّ العمل توقف تماماً بعد سقوط الحي بأيدي قوات النظام وضاعت البيانات المتعلقة بالعمل وتوقف نشاط المكتب تاركاً كل هؤلاء الأطفال لمصيرهم، حسبما أكد مشرف أحد مكاتب رعاية الأيتام ويدعى أبا جمال.
الأمر نفسه حصل في منطقة الرستن بعد سنتين، حيث أحصت (دار رعاية الأيتام في الرستن) و(مكتب رعاية الأيتام في تلبيسة) أكثر من 6000 طفل يتيم موزعين على 2500 عائلة، كما تم تسجيل أرقام قريبة من هذه في منطقة الحولة عن طريق جمعيات الرعاية والإغاثة، التي توقفت أيضاً بعد سيطرة النظام (الأرقام بحسب مسؤولي الإحصاء في المكتبين).
كيف تعامل النظام مع ملف الأيتام؟
يمنع النظام أي نشاطات إغاثية خارج إطار المنظمات المرخصة في مؤسساته، وفي حال تم الترخيص فإنه يمنع استلام المبالغ المالية من دون فرض شروط وأخذ إتاوات ورُشاً، كما أنه يقيد عمل هذه الجمعيات ويوجهها بعيدا عما وجدت لأجله، ويفرض كفالة عائلات عناصره القتلى، الأمر الذي ترفضه الغالبية العظمى من المتبرعين، من جهة أخرى تكفل المؤسسات المنشئة عن طريقه أو التي يرخصها عائلات عناصره القتلى بصفتهم (شهداء)، كما يتم منحهم العديد من المزايا المتعلقة بالدراسة وفرص العمل، بينما يرفض تسجيل بقية الضحايا على أنهم شهداء بل يرفض أحيانا منح شهادة وفاة لذوي هؤلاء.
علي عبد الرحمن أحد المشرفين السابقين في جمعية إغاثية كانت تعمل في ريف حمص سابقاً قال: “لايكتفي النظام بالتمييز بين الأيتام الذين سقط ذووهم إثر قصف قواته وبين الأيتام من أبناء قواته والمتطوعين في صفوفه، بل يمنع أيّ شكل من أشكال الدعم والتأهيل عن أيتامنا”.
أضاف: “ثمة نشاطات فردية وأهلية لكن الجهد المنظم هو وحده القادر على التغيير نحو الأفضل في هذا الملف وهذا ما يمنعه النظام بقوة”.
ظروف قاهرة يعيشها الأيتام في حمص
يعيش معظم الأيتام في منازل عوائل ذويهم، أو يسكنون عند أعمامهم أو أحد أقاربهم، القلة فقط يُرسلون إلى دور الأيتام، لكن الحياة عند الأقارب ليست جيدة دائما، إذ يخسر الأيتام في غالب الحالات فرص التعليم والتحصيل الدراسي، كما لا يحصلون على تدريب مهني يمنحهم خبرة تساعدهم على العمل فيما بعد، بل تمادى السوء في بعض الحالات بشكل مريع.
المحامي أحمد.س قال لموقع تلفزيون سوريا “ذات مرة أثناء عملنا في واحدة من المحاكم القضائية خلال فترة سيطرة المعارضة على المنطقة، وصلت إلينا معلومات عن جريمة مرتكبة بحق طفلتين، بالتحقيق كانت المفاجأة بأن زوجة أبيهم هي الجانية، وكان قد تزوجها بعد مقتل والدتها بالقصف”.
وأضاف: “لقد تعاملنا مع عدد غير قليل من هذه الحوادث، واضطررنا في واحدة من المرات إلى سحب طفل من عمه وإيداعه لدى كفيل تطوع لرعايته، حيث كان عمه يستغل كفالته الممنوحة له من جهة، ويعذبه من جهة أخرى”.
محاولات أهلية لاحتواء المشكلة
يعتمد الأهالي في الداخل السوري على التكافل الاجتماعي كطريقة أساسية للتعامل مع قضايا من هذا النوع، ويحاول العديد منهم كفالة أيتام بشتى الوسائل والطرق، كما يوجهون أموالهم إلى دور رعاية الأيتام والجمعيات الخيرية، إلا أن العدد الكبير من المتضررين يحول دون قدرة هذا العمل التكافلي على الحد من آثار هذا الملف، كما أن عدم توقف النظام عن سياساته التمييزية يجعل الأمر أكثر سوءاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا