في سياق الدعوة الى عقد ملتقى للعروبيين السوريين في تركيا، فقد توجهنا للأستاذ محمد خليفة الناطق الإعلامي الرسمي باسم الملتقى، وسألناه عن جملة محددات تتعلق بعقد الملتقى وأهميته بالنسبة للسوريين، ولماذا الآن؟ وما ضرورات ذلك؟ وحيثياته، والموقف المجسد للعروبيين من الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة فكان الحوار التالي لموقع مصير الصريح والشامل والذي اتسم بالوضوح والانتماء للثورة السورية ثورة الحرية والكرامة وسألناه:
س: من أنتم، وماذا تمثلون في مسيرة الثورة؟
ج: نحن فريق، أو بالأحرى تيار أساسي من تيارات الثورة الشعبية السورية العظيمة، نلتزم مبادئها وأهدافها الأصلية، وندعو للتمسك بها والتماسك خلفها حتى تنتصر. لسنا فريقًا ايديولوجيًا أو حزبيًا، والمرحلة لا تتحمل اصطفافات حزبية وأيديولوجية. نؤمن أن العروبة هي الهوية الوحيدة لسورية وشعبها في الماضي والحاضر، وبدونها تتفتت وتتفكك إلى جماعات عرقية ومذهبية وقبلية، ولذلك فتمسكنا بها تمسك بوحدة الوطن وبالجامع الوحيد. تيارنا ليس حزبًا، والعروبة ليست حركة حزبية، بل تعبير عن الهوية التاريخية لبلدنا وشعبنا منذ ألف وأربعمائة سنة. وما نقوم به من فعاليات يسد فراغًا في ساحة الثورة والمعارضة. والقوى العروبية السورية لم تكن غائبة عن أي ساحة من ساحات النضال والمعارضة التاريخية ضد نظام الطغيان الأسدي منذ تأسيسه، بل كان للعروبيين دور الريادة في مواجهة الطغيان الأسدي وقدموا تضحيات جسيمة من الشهداء والمعتقلين والخسائر. وعندما انطلقت ثورة 2011 الشعبية كان تيارنا في صفوفها الاولى، ولكن مؤسسات المعارضة التي تشكلت بطريقة غير ديمقراطية ولا نزيهة خضعت لهيمنة فئات اسلاموية معينة، عملت على إقصاء العروبيين واحتكار الاسلام، ولذلك بذرت بذور الفشل الذي يحصد الجميع آثاره اليوم، نتيجة هذا الاستئثار والاحتكار الاستبدادي الذي لا يختلف عن استبداد النظام. نحن كتيار عروبي نناضل اليوم ضد استبداد النظام، وضد قوى الاستئثار والاستبداد في المعارضة، ونعمل على إعادة بناء المعارضة على أسس صحيحة.
س: ما هي أسباب إطلاق (ملتقى العروبيين السوريين)؟
ج: الأسباب كثيرة وموضوعية. لقد تحالفت أطراف كثيرة على تغييب العروبة والعروبيين عن الواجهة، مما تسبب في انحسار القاعدة الشعبية العريضة عن منظمات المعارضة، وصعود قوى لا تمثل غالبية السوريين، وسادت تيارات غير وطنية تطرح هويات ومشاريع تفتيتية وتقسيمية، أو التبرع بسيادة الوطن لدول أجنبية، متحالفة معها. أي أن هذه الأطراف المحسوبة على المعارضة كررت خطايا النظام الذي تنازل عن سيادة الدولة لحلفائه مقابل إبقائه على كرسي السلطة وحمايته من شعبه. إن (ملتقى العروبيين السوريين) محاولة جادة لتصحيح الأمور وإعادة ترتيب الأولويات بحسب المصلحة الوطنية، لا بحسب المصلحة الحزبية والاثنية والقبلية والمذهبية، ومحاولة لإعادة الاعتبار للعامل الوحيد الذي يوحد السوريين ويجمعهم ويحفظ سورية أرضًا وشعبًا وهوية. ويمكننا القول إن (الملتقى) مبادرة فكرية وسياسية لتأصيل وإحياء الهوية السورية الجامعة. وهي مساهمة عقلانية لا حزبية ضيقة ولا أيدولوجية ولا فئوية. والمبادرة بهذا الشكل تعيد التأكيد على وحدة سورية أرضًا وشعبًا وتتصدى لمشاريع التقسيم والتفكيك التي تقف وراءها اسرائيل والدول الامبريالية حتى وإن حملتها بعض الأطراف الداخلية الثانوية.
س: ما نظرتكم لمسار الثورة؟
ج: الثورة السورية مستمرة ومتجذرة، وتأخذ الآن أبعادًا أخرى. فهي كانت في البداية ثورة حرية ضد نظام تسلطي وتوتاليتاري شمولي، أما الآن فهي ثورة تحرر وطني ضد الاحتلالين الفارسي والروسي والوصايات والانتدابات المتعددة. الثورة مستمر رغم الانكسارات العسكرية التي لا تعكس ميزان القوى المحلي بين الثورة والنظام، بل تعكس ميزان القوى بين ثورة حاصرها العالم وخانها المجتمع الدولي، وقوى امبريالية كبرى كروسيا واسرائيل ودول أوروبية، ودولة اقليمية مارقة كإيران. ولكن كما ترون فشعبنا لا زال متمسكًا بالمطالب والأهداف التي حركته عام 2011، والغالبية الساحقة لا زالت ترفض عودة النظام وبقاء الاحتلالات وتصر على تحقيق انتقال سياسي جوهري في النظام يقود إلى دولة تعددية ديمقراطية مدنية لا دور ولا مكان فيها للأسد وزمرته العسكرية والاستخباراتية الارهابية. وإذا كنت تريد برهانًا قاطعًا على تجذر الثورة واستحالة قمعها فانظر إلى مواقف 14 مليونًا من المهجرين والمنفيين يعيشون في مخيمات تفتقر لأبسط الضروريات، ولكنهم رغم ذلك يرفضون العودة للعيش تحت سلطة الطاغية. إن الثورة السورية تغير أدواتها وأساليبها ومواقعها، ولا تغير مبادئها وأهدافها ومواقفها.
س: كيف تنظرون الى مآلات الثورة السورية في ضوء المعادلات والظروف المحلية والدولية؟
ج: نحن نعتقد أن الثورة السورية تمر بمرحلة إعادة فرز بين القوى الثورية الشرعية الوطنية وبين الجماعات المسلحة الأجنبية التي دخلت سورية بالقوة وفرضت نفسها بالقوة وطبقت أجندات لا علاقة لها بثورتنا وشعبنا بل كانت معادية لنا. ولا شك أن التخلص من هذه القوى الارهابية المتطرفة يخدم مصلحتنا الوطنية والثورية، لكي تعود الثورة إلى منطلقاتها. تلك القوى المشبوهة عملت على قمع الثورة بنفس الأساليب التي اتبعها النظام وأجهزته الوحشية. الثورة اليوم تعود إلى أصولها الوطنية، وهناك أيضًا عملية إعادة هيكلة وابتكار أساليب جديدة للمقاومة والنضال، تناسب الظروف المحلية والاقليمية والدولية، وتتناسب مع تغير معادلات القوة على الأرض.
س: ومتى سينعقد (الملتقى) القادم؟
ج: نحن عاكفون حاليًا على تنظيم عقد ملتقى ثان في تركيا، لأنها ساحة كبيرة يعيش فيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري يتمتعون بقسط وافر من حريات المبادرة والتعبير والحركة السياسية والعمل. لقد نجح الملتقى الأول الذي اقتصر على العروبيين السوريين في أوروبا، ونعد للملتقى الثاني في تركيا، إلا أن بعض القيود الاجرائية والقانونية أخرت انعقاده من نيسان/ ابريل الماضي إلى موعد لاحق وقريب. ونحن على أي حال نخطط لتنظيم ملتقى ثالث ورابع في كل مناطق الشتات، وخاصة العربية، بهدف توحيد السوريين وتنظيمهم واستثمار فعالياتهم الابداعية وطاقاتهم الوطنية الثورية وربطهم بالوطن الاصلي وبالثورة بشكل علمي منظم، وترجمة أفكارهم ومواقفهم وتطلعاتهم بعيدًا عن الوصاية والاحتكار والقهر.
س: هل لكم امتداد على الساحة العربية، وعلاقات مع قوى عروبية؟
ج: نعم بطبيعة الحال لنا علاقات مع قوى عروبية كثيرة، وخاصة في البلدان التي تتعرض لعدوان مشابه لما تتعرض له سورية، وننسق معها ونتبادل الخبرات والتضامن. نحن على صلة مع قوى ثورية في الأحواز وفي العراق وفي لبنان وفلسطين واليمن والخليج، وفي تونس ومصر وبقية البلدان وصولًا إلى موريتانيا، ولنا موقع أساسي في (المؤتمر الشعبي العربي) الذي يضم عشرات القوى الثورية الفاعلة في كافة البلدان العربية. ولنا صلات وثيقة بشكل ثنائي مع تنظيمات وتيارات وشخصيات عروبية في كل مكان داخل الوطن العربي وخارجه نوظفها لدعم الثورة السورية وشرح ظروفها المعقدة.
س: ما موقفكم من بعض ما يصدر عن بعض الجماعات العروبية المؤيدة لنظام الأسد في الدول العربية؟
ج: موقفنا هو الإدانة السياسية والأخلاقية لكل قوة سياسية تصطف بجانب نظام الطغيان في دمشق، لأن هذا الموقف ينطوي على خيانة للمبادئ والالتزامات القومية والعروبية، ولكننا بصراحة لا نشعر بالمفاجأة جراء ذلك، فهذه الجماعات هامشية وثانوية تكاد لا تذكر لولا هذه المواقف التي تتخذها بهدف إظهار وجودها على حساب شعبنا السوري. ويجب إيضاح أن هذه المجموعات لا تقتصر على العروبيين فهناك جماعات إسلامية وجماعات يسارية، وجماعات ليبرالية ومستقلة وعنصرية، ولكنها كلها جماعات ذيلية عاشت دائمًا مرتبطة بالأنظمة العربية التي أسقطها (الربيع العربي)، فقد سبق أن ارتبطت بالقذافي وبصدام وبأي نظام يقدم لها الرشاوي والعمولة. وهي الآن مرتبطة لا بالأسد ونظامه، بل بإيران التي تمولها، وجاءت مواقفها المؤيدة للأسد نتيجة تعليمات ولي الامر في إيران ووكيله في الساحة العربية (حزب الله – لبنان). ولذلك فحين تتضح هذه الحقائق ندرك جميعًا سبب مواقفها غير المبدئية والأخلاقية، ولا نشعر بالأسف عليها، لأنها جماعات طفيلية لا قيمة لها، وهي تفضح عمالتها وخيانتها بوقوفها مع نظام معاد للعرب والعروبة والاسلام، كنظام الأسد الذي أصبح وكيلًا لإيران في عموم المنطقة من لبنان إلى العراق واليمن لضرب الآمة العربية!”