سورية تحت الأنقاض قبل الزلزال منذ 12 عامًا والسوريون بحاجة للعدالة
حسام محمد
شكلت كارثة الزلزال التي ضربت كل من تركيا وسوريا في السادس من شباط/فبراير الفائت منعطفا طويل الأمد في الجنوب التركي والشمال الغربي من سوريا، سواء من جهة أعداد الضحايا والمصابين والمشردين بسبب الزلزال وهزاته الارتدادية، وانتهاء بزوال مدن بأكملها وتدمير البنى التحتية والمرافق العامة والمحال التجارية.
فالزلزال الذي ضرب الحياة والاستقرار في الجنوب التركي، ضرب كذلك المدن والبلدات المحرومة من الحياة والاستقرار في شمال غرب سوريا، وهو ما أدى إلى نتائج وُصفت بالكارثية، ومستقبل ازداد جهلا ورعبا عن السنوات السابقة.
الآلام التي تضاعفت حمولتها على كاهل السوريين، أظهرت عقب الزلزال مباشرة حالة فريدة من نوعها من تآخي السوريين بين بعضهم البعض والتسابق في دعم المنظمات المحلية في سبيل إنقاذ من حوصروا تحت الأنقاض، وآخرون يجمعون ما تيسير من ألبسة وأغذية وأدوية، ويهرعون لنقل العائلات المتضررة نحو مناطق أكثر أمنا.
أيام صعبة مرت ولا تزال على السوريين، برزت خلالها منظمة الدفاع المدني السوري، النشطة في الشمال السوري بشكل ملفت، سواء من سرعة استجابتها لنداءات الاستغاثة، ومحاولة فرق الخوذ البيضاء إنقاذ أكبر عدد من العالقين من تحت الأنقاض، وتأمين المأوى، والدعم اللوجستي، وغيرها من الخدمات.
مدير الخوذ البيضاء رائد الصالح يرى، أن السكان في سوريا بحاجة ماسة إلى كل شيء. لكن ما هم في أمس الحاجة إليه هو أن يوقف نظام الأسد وروسيا القصف والهجمات القاتلة، وهم بحاجة للعودة إلى ديارهم بأمان وكرامة، وأن السوريين في شمال غربي البلاد يشعرون بالتخلي عنهم بشكل خاص بعد هذا الزلزال.
كما تعهد الصالح ببقاء منظمة الدفاع المدني إلى جانب كل سوري وكل إنسان وكل مظلوم دون النظر لانتمائه أو عرقه أو دينه، وأن كل الجهد والآلة الإعلامية التي سخرها النظام وروسيا منذ سنوات لتشويه صورة الخوذ البيضاء، تهاوت أمام الواقع والحقيقة.
فيما يلي كامل الحوار الذي أجرته صحيفة «القدس العربي» مع مدير منظمة الخوذ البيضاء في سوريا رائد الصالح.
○ بعد الانتهاء من عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا وانطلاق عمليات ترحيل الأنقاض، ما هي خططكم المقبلة بما يخص البناء والبنى التحتية التي دمرها الزلزال؟
- بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال سوريا، بدأت تظهر آثار الكارثة التي خلفها، وبدأت تتكشف حجم الأضرار قصيرة المدى وطويلة الأمد.
الأيام الأولى كان التركيز على الاستجابة الطارئة وإنقاذ العالقين وانتشال الجثث، ثم انتقلنا للمرحلة الثانية والتي تضم عدة خطوات متوازية وهي فتح الطرقات وإزالة الأنقاض من المناطق الحيوية بما يحقق سهولة الحركة وتنقل المدنيين. وتتضمن أيضاً البدء بتقييم الأبنية وفق إشراف هندسي اختصاصي، وتقييم الأبنية القابلة للسكن والتعامل مع الخطرة، وبالتأكيد هذه العملية تحتاج لجهود وخبرات كبيرة.
الدفاع المدني السوري يمتلك خبرة كبيرة بإزالة الأنقاض تتجاوز العشر سنوات خلال استجابتنا للهجمات من قبل نظام الأسد وروسيا وتدميرها المنازل والمرافق الحيوية. وهناك أمران مهمان خلال إزالة الأنقاض، الأول مرتبط بالأذن بإزالة الأنقاض من قبل أصحاب المنازل وهذا الأمر أساسي بالنسبة لنا، الثاني مرتبط بالأمانات التي تكون مدفونة ضمن الركام، ونحنا لدينا آلية لتوثيق وحفظ هذه الأمانات. وبما يتعلق بالجدران المتصدعة والكتل المتدلية في الأماكن المأهولة التي تكون ضمن أبنية غير خطرة يتم إزالتها وتأمين الأبنية لحماية المدنيين.
ومنذ الأيام الأولى للزلزال بدأت فرقنا بالاستجابة للعائلات المنكوبة عبر تجهيز أو المساعدة بتجهيز مخيمات الإيواء المؤقتة وتجهيز أرضيتها والصرف الصحي فيها إضافة لتزويد عدد من المخيمات بمياه الشرب النظيفة، كما تساعد فرقنا بأعمال الصيانة للبنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي.
وحول الخطط المستقبلية بما يخص البناء والبنى التحتية التي دمرها الزلزال، وضعت فرقنا خططا كاملة لإزالة الأنقاض التي خلفها الزلزال ولن يكون سهلاً التخلص منها بشكل كامل، ومن ثم الانتقال لمرحلة التعافي عبر إعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق الحيوية، ونقوم الآن بدراسة لتقييم القدرات لتكون الخطط جاهزة فور الانتهاء من الجزء الأكبر من إزالة الأنقاض. والأهم هو تحقيق التعافي المستدام للمجتمعات المتضررة وإعادة إحياء هذه المجتمعات وإعادة الدورة الاقتصادية لها وهذا الأمر يحتاج لتضافر جهود المجتمعات المحلية والمنظمات الفاعلة العاملة في المنطقة.
○ ما هو مصير الأبنية المتصدعة وكم تحتاجون من وقت لهدمها، وما هي أولوياتكم في إعادة بناء أو ترميم البنى التحتية؟
- مصير الأبنية المتصدعة يرتبط بشكل مباشر بالتقييمات الهندسية، لا يمكن الحكم على أي بناء من الظاهر وخاصة أن جزءا كبيرا من الأبنية كانت تعرضت لقصف سابق من نظام الأسد وروسيا، وما نعمل عليه الآن هو تجهيز آلية لدراسة جميع الأبنية المتصدعة وتصنيفها خلال وقت قريب، لا نريد أن يكون الأمر عشوائيا أو غير احترافي، بالنهاية الأمر مرتبط بالأرواح.
وبالتأكيد عمليات التقييم ستشمل المنازل والمرافق العامة، وبخصوص عملية إعادة التأهيل فخلال المرحلة الأولى تشمل خططنا تأهيل أو المساعدة بتأهيل مرافق عامة من مدارس ودور عبادة وطرقات وتأهيل بنية تحتية وخاصة المرافق التي تضررت بشكل واضح وخاصة في المدن والقرى.
○ كم عدد الذين أنقذتهم فرق الدفاع المدني السوري من تحت الأنقاض، وما هي الخطط المقبلة لإيواء العائلات التي شردها الزلزال؟
- تمكنا من إنقاذ وإسعاف نحو 3 آلاف مصاب، وانتشلنا 2171 ضحية قضوا تحت ركام منازلهم، كان سبقنا الموت إليهم، ووثقنا دمار أكثر من 500 بناء بشكل كلي وأكثر من 1500 بناء بشكل شبه كامل.
فيما وثقنا تضرر عشرات آلاف المنازل، وشرد الزلزال المدمر، بشكل مباشر أكثر من 40 ألف عائلة في العراء، تعمل فرقنا على تجهيز مخيمات إيواء العائلات عبر تجهيز الأرضيات وفرشها بالحصى وتنسيق الطرقات الواصلة إليها لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والمساعدة بتأهيل شبكات للصرف الصحي.
كما تقوم المتطوعات في المؤسسة بتقديم خدمات الرعاية الصحية للمصابين وتخفيف معاناتهم.
خدمات الخوذ البيضاء في مراكز الإيواء
تجهيز مراكز إيواء: عملت فرقنا في مدن دارة عزة وأريحا واعزاز بتجهيز مراكز لإيواء المتضررين بالزلزال بالتنسيق مع المجالس المحلية في المناطق المشار إليها، تضمنت تجهيز أماكن لتموضع 150 خيمة ونقلها وتركيبها وتسهيل الطرق المؤدية إليها لضمان وصول صهاريج المياه والخدمات الطبية واللوجستية إلى مركز الإيواء واستفاد منها 1600 مدني من المنكوبين بالزلزال.
خدمات المياه والإصحاح: تقوم فرقنا بتزويد مراكز الإيواء ضمن مناطق إدلب، كفر يحمول، أريحا وكفر تخاريم بمياه الشرب المعقمة ومن الآبار المعتمدة لضمان عدم تلوثها بالكوليرا وغيرها من الجراثيم.
بالإضافة إلى تأهيل خطوط للصرف الصحي لتخدم مراكز الإيواء في بلدة الغزاوية في ريف عفرين وبعض مراكز الإيواء في ريف إدلب الغربي، وإغلاق مواقع عملية الحفر بعد تركيب خطوط الصرف الصحي وحفر جور فنية ضمن مراكز إيواء مؤقتة في مدينة جنديرس وريفها.
خدمات تسهيل الأرضيات وفرشها بالحصى: وساهمت فرقنا بالتعاون مع المجالس المحلية والمنظمات العاملة في شمال غربي سوريا بفرش وتسهيل أرضيات لتموضع الخيم الخاصة بمراكز الإيواء في أكثر من 75 موقعاً موزعة ضمن محافظتي إدلب وحلب تؤمن الإيواء لأكثر من 20 ألف مدني من المنكوبين بالزلزال.
○ كيف تقدرون اليوم حجم المساعدات الدولية والعربية لشمال غرب سوريا؟ وهل المساعدات الأممية باتت متلائمة مع حجم الكارثة؟
- بداية لابد من شكر جميع الدول والمنظمات التي قدمت المساعدة للمنكوبين، وكان لها دور مهم في تخفيف معاناتهم.
فيما يخص جهود الأمم المتحدة في شمال غربي سوريا فهي الأهم لأنها الوحيدة القادرة على الاستجابة الفعلية والمنسقة للمنكوبين، وقادرة على التخطيط لاستجابة مستدامة.
وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها بدأت تتحرك بشكل فاعل خلال الفترة الماضية وحدث تحسن ملحوظ بالاستجابة عن الأيام الأولى للزلزال، ومن ناحية الزيارات والتواصل مع الجهات المحلية أيضاً هناك تحسن واضح بدءا من زيارات فرق التقييم، إلى الاجتماع مع الجهات المحلية إلى زيارة شخصية أممية رفيعة المستوى مثل رئيس منظمة الصحة العالمية.
هذا تطور ملحوظ وجيد على المدى الطويل وننادي به منذ سنين، ويجب الانتباه لنقطتين مهمتين:
الأولى: حتى الآن لا يوجد أي تحرك جدي من قبل منظمة الصحة العالمية أو أي جهة أخرى في مساعدة المصابين بمتلازمة الهرس وعددهم بالمئات لتلقي رعاية طبية متقدمة، رغم خطورة هذه المتلازمة على حياتهم.
الثانية: أن زيادة التمثيل الأممي والزيارات والحديث عن المساعدات التي تدخل يجب ألا يلفت الانتباه عن حقيقة أن الاستجابة بعد الزلزال حتى اليوم هي أقل من معدل الاستجابة قبله.
إذ بلغ عدد شاحنات المساعدات التي دخلت إلى شمال غربي سوريا من الأمم المتحدة منذ الزلزال حتى 28 شباط/فبراير 423 شاحنة عبر ثلاثة معابر حدودية مع تركيا هي باب الهوى وباب السلامة والراعي، الأمم المتحدة تابعت عملها في 9 شباط/فبراير بدخول 6 شاحنات بحيث يكون المعدل 21 شاحنة يوميا منذ معاودة الدخول.
علما أن عدد الشاحنات التي دخلت خلال العام الماضي 7566 شاحنة من معبر باب الهوى فقط، وكان ذروتها في شهري تشرين الثاني/نوفمبر بـ 812 شاحنة وكانون الأول/ديسمبر وأيلول/سبتمبر 1154 شاحنة أي بما يقارب 39 شاحنة يوميا.
وبالتالي الأمم المتحدة حتى الآن لم تصل إلى المستوى الاعتيادي بإدخال المساعدات، رغم الاحتياجات الهائلة لهذه المساعدات المنقذة للحياة بعد الزلزال المدمر وتضرر عشرات آلاف العائلات وفقدانها منازلها ومصادر دخلها.
يوجد أمر مهم أيضاً أنه حتى في حال وصلت الاستجابة للمستوى المطلوب وهو ما نتمنى، يجب ألا ننسى التقصير الذي حصل من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها في الأسبوع الأول والذي كان ثمنه أرواح العالقين تحت الركام، نجد المطالبة بمحاسبة المقصرين من كوادر الأمم المتحدة خلال الأيام الأولى من الزلزال والذين لم يستجيبوا لنداءات الاستغاثة التي أطلقها السوريون من تحت الأنقاض.
○ ما هي أبرز تحديات إعادة الاستقرار التي تواجهكم اليوم، وهل هناك خطط لإعادة بناء وحدات سكنية جديدة بمواصفات مقاومة للزلازل؟
- عندما ننظر إلى حجم الكارثة بعد الصدمة، نعرف جيداً أن الأمر لن يكون سهلا أبداً، عملنا ليس فقط بالاستجابة الطارئة وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، الآن بدأ العمل الحقيقي، هناك جمر تحت الرماد بدأ يظهر الآن، لم تقتصر آثار الزلزال المدمر على الأثر المباشر والضحايا التي خلفها من قتلى ومصابين، بل امتدت آثاره لتشمل مختلف نواحي الحياة، من مسكن وتعليم وصحة وخدمات، وفقدان عشرات آلاف العوائل لمنازلها واحتياجات هائلة للسكان بعد فقدانهم مصادر رزقهم، ودمار البنية التحتية وخطوط المياه والصرف الصحي في الكثير من المناطق ما يزيد احتمالية تفشي الكوليرا.
في أي كارثة طبيعية لا يمكن لأي دولة أو مجتمع ان يواجه الكارثة منفرداً، المجتمع الدولي لا يترك هذه الدولة تواجه الكارثة منفردة، ويقدم دعمه على كافة المستويات، التكافل الدولي يكون دون أي تسيس وتوضع دائماً السياسة جانباً فيه.
آثار الكارثة هي الأهم، يجب أن نعترف أن الكارثة وآثارها أكبر بكثير من القدرة، الآثار طويلة الأمد تحتاج لجهود كبيرة أممية ودولية ومن قبل المنظمات الدولية، وهو ما نتمنى ان يحصل وبدون أي تسييس.
قد يكون من المبكر الحديث عن بناء وحدات سكنية بمواصفات مقاومة للزلازل، لا يعني أن هذا الأمر غير وارد، لكن يوجد سياق سوري، لدينا الآن نحو مليون مهجر يعيشون في المخيمات أضف إليهم أكثر من أربعين ألف عائلة من منكوبي الزلزال، عند حل أي مشكلة يجب أن تحل في كامل المجتمعات المحلية المتضررة ودون تمييز.
○ هل ستكون هناك إجراءات جديدة للمقاولين في حال إعادة بناء وحدات جديدة؟
- هذا الأمر يرتبط بالجهات المحلية والبلدية ونقابات المهندسين التي تضع ضابطة البناء.
○ الدفاع المدني ظهر بصورة وطنية خلال كارثة الزلزال، كيف تنظرون لدعم الشعب السوري لكم ووقوفه بجانبكم؟
- الخوذ البيضاء بتركيبتها التي تمثل كل أطياف السوريين وهي موجودة فعلا على الأرض ومتطوعوها من كل المشارب والتوجهات وما يجمعهم هو العمل الإنساني والهوية الوطنية السورية.
والخوذ البيضاء، مؤسسة تمثل السوريين بهوية مدنية وتعتبر نفسها مظلة وطنية لكل السوريين استطاعت أن تمثل تيارا قادرا على رأب الصدع الأفقي والعمودي في المجتمع السوري لأنها مؤسسة موجودة على الأرض وبعيدة عن الأدلجة وأعطت مثالا قوياً لمؤسسة استطاعت أن توجد بديلا حقيقيا عن مؤسسات النظام (المؤسسات الحكومية التي سخرها منذ سنوات لخدمة حربه على السوريين حتى ابتلع النظام الدولة تماماً).
بالإضافة إلى القاعدة الشعبية التي تمتلكها الخوذ البيضاء بين السوريين، وقدرتها على إيصال صوتهم للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية رغم قوة الآلة الدعائية لنظام الأسد وروسيا والتي حاولت على مدى سنوات تشويه الحقائق وتزيفها، إلا أن الحقيقة كانت هي الأوضح دائماً.
كل الجهد والآلة الإعلامية التي سخرها نظام الأسد وروسيا منذ سنوات، تهاوت أمام الواقع والحقيقة.
ما شهدناه من دعم لنا من قبل السوريين يجعلنا فخورين حقاً لكن في الوقت نفسه يحملنا مسؤولية كبيرة في المتابعة بهذه الطريق، سنبقى في كل لحظة إلى جانب كل سوري وكل إنسان وكل مظلوم دون النظر لانتمائه أو عرقه أو دينه، هذه المبادئ التي نؤمن بها ولن نتخلى عنها وسنبقى إلى جانب المجتمعات السورية حتى يتحقق الاستقرار والعدالة.
○ لمحة عن الدفاع المدني السوري وتاريخه وكيف نجح في كسب ثقة السوريين، وكم عدد شهداء الدفاع؟
- الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» مؤسسة إنسانية تكرس عملها في مساعدة المجتمعات في سوريا، بدأت في عام 2013 عندما التقى عدد من المتطوعين من كافة الانتماءات معاً للاستجابة للقصف الجوي والبري على المدن والبلدات ولسد الثغرات الحاصلة بسبب سحب الخدمات الحكومية الأساسية مثل الإطفاء والرعاية الصحية.
نحن الآن فريق من 3300 آلاف متطوع ومتطوعة، في جميع مناطق البلاد التي يمكننا الوصول إليها، ونسعى معاً لإنقاذ حياة الناس ومساعدتهم على التعافي من آثار الحرب، وتمكنا حتى الآن من إنقاذ أكثر من 127 ألف شخص، بينما فقدنا 304 متطوعاً، أغلبهم كانوا ضحايا قصف استهدفهم أثناء انقاذهم المدنيين من تحت الركام.
لن نتخلى عن التزامنا تجاه المدنيين وتأمين الاستقرار لهم، ومواصلة العمل على تقديم الأدلة والشهادات حول جرائم الحرب إلى أن تصل كل أسرة سورية عانت من الظلم إلى العدالة وعندها فقط سيكون باب الأمل مفتوحا للتغلب على جروح الحرب والانتقال للعيش بسلام.
بحلول عام 2013 بدأت أخبار أعمال الفرق التطوعية بالانتشار، وسمعت هذه المجموعات ببعضها البعض لأول مرة، نتج عنها إنشاء قنوات اتصال للتنسيق بين الفرق وتبادل الموارد المحدودة.
كما بدأت بعض الفرق في تلقي دورات تدريبية في أساليب البحث والإنقاذ من خبراء، وبهذه المرحلة ذاع صيت هذه المجموعات المتطوعة البطلة وعمل على دعمها العديد من المنظمات الدولية والمانحين الدوليين من خلال تقديم معدات الإنقاذ والإسعاف.
وفي 25 تشرين الأول/نوفمبر عام 2014 كان الاجتماع التأسيسي الأول في مدينة أضنة التركية، وحضره نحو 70 من قادة الفرق في سوريا، ووضع المجتمعون ميثاقاً للمبادئ الخاصة بالمنظمة لتعمل تحت القانون الإنساني الدولي، وتم الاتفاق على تأسيس مظلة وطنية لخدمة السوريين، وإطلاق اسم «الدفاع المدني السوري» عليها، وشعاره من الآية في القرآن الكريم، وهي: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
ومع بداية عام 2015 أطلق اسم «الخوذ البيضاء» على الدفاع المدني السوري، بعد اشتهار الخوذ التي يرتديها المتطوعون أثناء عمليات البحث والإنقاذ، ووصل عدد المتطوعين عام 2021 نحو 3 آلاف متطوع بينهم أكثر من 260 متطوعة.
الاستهداف الممنهج
لقد جعلنا عملنا الداعم للمجتمعات التي تتعرض للهجمات أهدافاً بالنسبة لنظام الأسد وروسيا وقصفوا مراكزنا عشرات المرات وفقدنا 304 متطوعاً منذ عام 2013 أكثر من نصفهم كانوا ضحايا الغارات الجوية المزدوجة.
حيث ترجع الطائرات الحربية إلى موقع الهجوم من أجل قصف المتطوعين الذين هرعوا إلى مكان الحادث لإنقاذ المدنيين.
ونتعرض للهجوم بالجانب الإعلامي عبر حملة تضليل مدعومة من روسيا والهدف من هذه الهجمات الإعلامية هو تقويض مصداقية الأدلة التي جمعناها عن بعض أبشع جرائم الحرب في عصرنا مثل الهجمات بالأسلحة الكيميائية على المدنيين أو قصف قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة.
على الرغم من هذه الهجمات الإعلامية قد تثبّط أحياناً من معنويات متطوعينا، لأنه لا يمكننا مواجهة حملة وراءها موارد الحكومة الروسية، ولكننا نعتقد أن الناس في جميع أنحاء العالم يعرفون حقيقة ما يحدث في سوريا وسوف يصطفون معاً للوقوف دعماً لعملنا والمجتمعات التي نخدمها.
البرامج التي يعمل عليها الدفاع المدني السوري:
برنامج البحث والإنقاذ والإطفاء والاستجابة للكوارث الطبيعية.
برنامج الصحة: ويتضمن منظومة الإسعاف ومراكز النساء والأسرة.
برنامج دعم صمود المجتمعات ويتضمن: التعافي المبكر
وإزالة الذخائر غير المنفجرة، والتوعية والخدمات العامة.
برنامج العدالة والمحاسبة بهدف تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الضحايا وتحقيق العدالة لهم.
والراصد: وهي خدمة إنذار مبكر للتحذير من الهجمات الجوية.
○ ما حجم الدعم المطلوب ماديا وإغاثيا وطبيا ولوجستيا لإعادة الحياة إلى شمال غرب سوريا؟
- يجب أن يعرف العالم أجمع أن سوريا لم تكن تحت الأنقاض خلال فترة الزلزال، إنها تحت الأنقاض منذ 12 عامًا، لقد شعرنا بالوحدة والتخلي عنا من أغلب الدول، منذ أن غض العالم النظر عن قيام نظام الأسد وروسيا بإلقاء البراميل المتفجرة والغارات الجوية والأسلحة الكيميائية على الأحياء السكنية ما أدى إلى انهيار المباني فوق رؤوس المدنيين وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
لم يدمر الزلزال شمال غربي سوريا فقط بالحجم الذي أحدثه لأنه كان كبيرًا، تضاعفت آثارها لأنها جاءت بعد أكثر من 12 عاما من الحرب على السوريين.
البنية التحتية متعبة ومتهالكة، عشرات آلاف المباني متصدعة من الغارات الجوية لنظام الأسد وروسيا، الناس متعبون، وسوريا كلها متعبة.
ويشعر الناس في شمال غربي سوريا بالتخلي عنهم بشكل خاص بعد هذا الزلزال إلى حد كبير، الكثير من المنظمات والدول في الماضي كانوا يتحججون بأن الوضع في سوريا معقد ومسيس للغاية، ومربك للغاية بالنسبة لهم، لكن ما هو عذرهم الآن بعد كارثة طبيعية غير مسبوقة؟ للأسف كثيرون لم يضعوا السياسة جانباً.
كان نحو مليون شخص يعيشون في مخيمات التهجير القسري قبل الزلزال المدمر، لقد زاد الزلزال من المعاناة. أصبح المزيد من السكان الآن بلا مأوى وبدون إمدادات طبية للناجين.
كما ينتظر العديد من الجرحى دورهم لتلقي العلاج من الإصابات المعقدة للغاية التي حدثت بعد الزلزال وأهمها متلازمة الهرس التي تحتاج لعناية طبية فائقة، لكن هناك نقصًا في الطاقم الطبي والإمدادات الطبية.
ببساطة فإن السكان في سوريا بحاجة ماسة إلى كل شيء. لكن ما هم في أمس الحاجة إليه هو أن يوقف نظام الأسد وروسيا القصف والهجمات القاتلة، وهم بحاجة للعودة إلى ديارهم بأمان وكرامة، هم بحاجة للاستقرار، بحاجة لحل سياسي حقيقي يحاسب فيه نظام الأسد الذي ارتكب الجرائم، بحاجة لأن يطلق سراح المغيبين في أقبية نظام الأسد، باختصار هم بحاجة للعدالة.
○ هل ستشاركون في مؤتمر المانحين؟ وما هي أهم مطالبكم من المجتمعين الدولي والعربي؟
- إلى الآن المؤتمر غير واضح، ومن سيحضر وإلى من ستوجه الدعوات، والمطلب الأهم من المجتمع العربي والدولي هو الدفع باتجاه الحل السياسي وإعادة تفعيل العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254 على نحو ينهي المأساة السورية المستمرة منذ 12 عاماً، وبما يضمن عدم عودة المجرمين إلى الحكم وأروقة المجتمع الدولي، عندها فقط تتضاءل الاحتياجات الإنسانية وتبدأ عجلة الحياة في سوريا من جديد.
المصدر: القدس العربي