تطوي الثورة السورية عامها الثاني عشر، وتفتح ذكرى صرختها الأولى، وما خاضته من محطات وتحولات كبرى، ذاك السجل الحاشد بالأحداث والوقائع والتحولات، التي لابد من مراجعتها بقراءة موضوعية، وإعادة استنباط دروسها من ثنايا تجارب الثورة، كي نقدم ما يرقى إلى التضحيات العظيمة التي بذلها شعبنا السوري، على طريق الحرية والكرامة، من رؤى وأفكار ومشاريع عملية، تصب في مواجهة الصعاب والتحديات الجسام، التي تواجه مشروع التغيير الوطني الديمقراطي الذي أطلقته الثورة.
وبينما نجدد العهد في ذكرى الثورة هذا العام، على التمسك بروحها وقيمها ومبادئها الوطنية والإنسانية النبيلة، نتشارك في تجمع مصير مع الكثير من الدعوات التي تتبناها كيانات وقوى وشخصيات وطنية، تنصب على توحيد الجهود والطاقات، لبناء حامل سياسي منظم، يعالج كافة مناحي الخلل في إدارة الصراع مع نظام الطغيان الأسدي، وحلفائه الروس والإيرانيين، ويمتلك رؤية استراتيجية جديدة، لإنقاذ الوطن السوري من هيمنة القوى الخارجية، وأدواتها المحلية على مقدراته وموارده. لا نستهين بتلك المهام الكبيرة وبما تنطوي عليه من صعوبات وتعقيدات جمّة، في ظل تغيرات عربية وإقليمية ودولية تجري رياحها عكس تيار الثورة ومتطلبات انتصارها. لكن قدر ثورتنا وأبناءها التواقين للحرية، أن يواجهوا في زمن النفاق الدولي الكاسح، معسكراً واسعاً من أعداء الحرية والديمقراطية، وأن يحملوا على كاهلهم انفضاض الكثيرين من أصدقاء الثورة عن التزاماتهم حيال حقوق شعبنا، وأن يعمل دعاة تمثيل الثورة خلافاً لواجباتهم، على تقزيم مطالبها والإساءة لصورتها المشرقة. فقد تراكبت وأنتجت كل تلك العوامل الذاتية والموضوعية، مأزق الثورة في أشد تجلياته وانسداداته القائمة. يُضاف إليه تراكم المآسي وأشكال المعاناة التي وضعت شعبنا المنكوب في ظروف وأوضاع غير إنسانيه، تفوق قدرة الجبال على الاحتمال، وكانت كارثة الزلزال التي ضربت الملايين من أهلنا في الداخل السوري وتركيا، واستغلال النظام البشع لتلك الكارثة لإعادة تأهيله عربياً ودولياً، وسوء الاستجابة الدولية مع المتضررين في مناطق شمال غرب سورية، لتفاقم بصورة غير مسبوقة، من أهوال من تُركوا وحيدين في عين العاصفة.
نرى رغم كل هذه الحقائق الصلبة والظروف القاهرة، بأن اجتراح ممكنات استنهاض واقع الثورة، وإعادة ثقة السوريين بمختلف مناطق تواجدهم، بأولوية تحرير وطنهم من كل قوى الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية، وإعادة بناء نظام ديمقراطي في وطن حر يضمن حقوقهم كافة، هو الحل الوحيد القادر على إنهاء مأساتهم الكبرى، ومعالجة مشكلات الظلم والتهجير والفقر واليأس التي أضنت حياتهم. وفي ظل تعدد المبادرات والمشاريع الوطنية التي تحاول الاستجابة لحراك أهلنا المتواصل في شمال غرب سورية ودرعا والسويداء، فإن البحث عن ملاذ سياسي وتنظيمي يستجمع تلك المبادرات في إطار تنسيقي موحد كمهمة مرحلية أولى، يتطلب بلا تأخير في التحرك أو تسويف للوقت أوهدر للجهود، إرادة حاسمة في تجاوز أسباب التشتت والتشظي التي عرفتها ساحات الثورة في السنوات الماضية، وقد أكدنا في تجمع مصير خلال اللقاءات والحوارات التي جمعتنا بالعديد من القوى والشخصيات الوطنية خلال الشهور الأخيرة، على ضرورة الإسراع والمضي في تشكيل حركة سياسية سورية واسعة، تتجاوز الخلافات الأيديولوجية والعصبيات الحزبية، وتتوافق على قواسم مشتركة، تستمد مشروعيتها من الالتزام بأهداف الثورة ومطالب شعبنا في الحرية والخلاص، وتتبنى رؤية جديدة في التعامل مع المتغيرات والتحولات التي تعصف بقضيتنا ووطننا.
إن الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية، وبدلالة استمرارها في الوعي والوجدان السوري، وتمسك بنات وأبناء الثورة بنقاء بداياتها، وتجديدهم عهد الوفاء لها في ساحات الداخل والخارج، ما هو إلا رسالة شعبية حاسمة وصارخة، على تجذر الثورة في نفوس الأجيال الناشئة، وهي مأثرة سورية بحق؛ تؤكد أن ثورة الحرية والكرامة ولدت كي تستمر، وحتى تقطف ثمرة تضحياتها العظيمة مهما طال الزمن، ويكفي الخائضين في مسالك الثورة فخراً واعتزازاً، أن بقوا أوفياء لدماء شهدائها وصرخات معتقليها وجراح مصابيها، وعذابات ملايينها، ولم يبارح الأمل عيونهم باقتراب فجر الخلاص.