ما سر كل هذا العجز العربي الذي يتفرج على ما يجري في فلسطين، حيث تقوم ابنة ترامب شخصيًا وفي حفل كبير بافتتاح السفارة الأميركية في القدس، ضمن حالة تحدي لكل العالم ولكل قوانينه وأعرافه، وقبل كل ذلك هذا الاستخفاف بكل النظم العربية والإسلامية، ثم يتم قتل ما يزيد عن 60 فلسطينيًا مدنيًا بدم بارد ومجرم، أما العرب فغارقون بعجزهم، لاحول لهم ولا قوة، حيث تشهد المنطقة والاقليم حالة التخلي الواضح والفاضح عن الشعبين الفلسطيني والسوري ضمن هذه الظروف الصعبة التي يعيشها كلا الشعبين المنكوبين؟ ترى لماذا كل هذا العجز، وهل من أمل في إعادة استنهاض الواقع العربي من أجل فلسطين وسورية حيث النكبتين. حول هذا الأمر سألنا بعض الباحثين والكتاب فكانت إجاباتهم لجيرون كما يلي.
الباحث والمحامي السوري نادر جبلي قال لجيرون ” ليس هناك أي سر في قصة العجز العربي عن مواجهة التحديات والمخاطر التي تحيق بالأمة، سواء في فلسطين أو في سورية، أو في غيرها. بل لا شيء أكثر وضوحًا من قصة العجز هذه. تكمن القصة في حالة التردي والضعف والانحطاط الفظيعة التي تعيشها الدول العربية، والتي تسببت بها طغمًا حاكمة مستبدة شمولية لا يهمها إلا بقاءها في السلطة وحماية عروشها مهما كان الثمن، ومهما كانت الوسيلة. وهذا الهدف الرئيس تطلب من هذه الأنظمة العمل على خطين، الأول هو تغييب شعوبها وتدجينها، ونزع الحرية والسياسة والفكر والثقافة من مجتمعاتها، وتحويلها إلى غوغاء لا تملك سوى تأييد الحاكم والتسبيح بحمده وبمآثره العظيمة وانتصاراته الوهمية. والثاني هو التنازل والانبطاح أمام القوى العالمية المهيمنة والمؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها إسرائيل، باعتبارها القادرة على حماية هذه الأنظمة وردع أعدائها، وتثبيتها في عروشها. المفارقة التي جعلت الأمور تبدو بهذا الشكل الفاقع هي أن المنقذ وحامي الحمى هذا، الولايات المتحدة، هو الذي يحتضن ويتبنى ويدعم بلا حدود عدو فلسطين والعرب الأول (إسرائيل)، ما يعني أن حماية هذه الأنظمة من أعدائها الداخليين “شعوبها” ومن أعدائها الخارجيين “إيران مثلاً”، يتطلب، من جملة ما يتطلب، تقديم التنازلات في القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، ويتطلب تقديم ثروات البلاد كهدايا ورشى لهذا السيد الحامي، على شكل صفقات إذعان بأرقام فلكية، كما يتطلب الالتزام بأوامره مهما كانت.” وأضاف جبلي ” اليوم ومع ما أحدثته (ثورات الربيع العربي) من هزات عنيفة للأنظمة العربية، ومع ما جلبته لها من مخاطر، ومع تغول إيران واندفاعها بمشاريعها وطموحاتها العدائية التي لا تقوم إلا على أنقاض الدول العربية، ومع وصول مستوى ضعف الدول العربية، شعوباً وأنظمة، إلى الحضيض، ومع وصول ترامب، بصلافته ووقاحته و(صهيونيته) إلى البيت الأبيض، أصبح سقف التنازلات عاليًا جدًا، بل أصبحت بلا سقف، ولا بأس من بيع فلسطين وقضيتها، وسورية وقضيتها، وكل الشعوب والقضايا العربية من أجل البقاء. وبدأ كل ذلك يظهر إلى العلن، ويأخذ أشكالًا مذلة، بعد أن كان يجري سرًا لعقود عدّة. وها هي إسرائيل تتغنى بمواقف السعودية والإمارات والبحرين من الانفتاح عليها، مع الإشارة إلى أن ما خفي من العلاقات كان أعظم. وها هو ترامب يبتز، بكل وقاحة، دول الخليج، ويطالبها بتقديم المزيد من التنازلات في ملف القضية الفلسطينية، وبدفع المزيد من الأموال مقابل الحماية، مذكرًا إياها بهشاشة عروشها”.
أما رياض نعسان آغا الوزير السابق فقد رأى أنه ” دخلت الأمة العربية مرحلة الضعف منذ نهاية العصر العباسي الثاني، حين تسلم الحكم فيها الفرس والترك ثم قادها المماليك، وكان سقوط الأندلس نهاية للحضور العربي، ثم تسلم العثمانيون راية الإسلام واتسعت دولتهم وحكموا العرب وسواهم، إلى أن سقطت الدولة العثمانية مطلع القرن العشرين، وتقاسم الأوربيون بلاد العرب، ولم ينته الاحتلال بإعلان الاستقلال، فقد رتب المحتلون البيت العربي بما يضمن بقاء نفوذهم عبر قيادات محلية مستتبة تابعة للقوى الكبرى، وزرعت إسرائيل في قلب الأمة العربية لتمنع أي تمرد على نفوذ القوى المهيمنة، وفي أواخر السبعينات من القرن الماضي تمكن الغرب بظهور دولة الملالي المتطرفة مذهبيًا لتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع طائفي مذهبي، ويمنع العرب من أي تمرد أو ثورة ذات صبغة عربية، وحين حاولت الشعوب العربية الانتفاض على واقعها والثورة على عجز النظام العربي بعد سلسلة من انهياراته أمام إسرائيل ( عام 48 وعام 67 وعام 73 ) وبعد دعم الديكتاتوريات فيه، تم إجهاض الربيع العربي بدعم دولي، و تمت إعادة الشعوب العربية في الدول الثائرة إلى حالة أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات، التي تم اختراقها بدعم التطرف، وتمت السيطرة على توجهات الربيع العربي، وإغراقه بالفتن وإيقاظ النعرات التاريخية دينيًا ومذهبيًا ، ثم عبر التدخل العسكري الخارجي المباشر كما حدث في سورية ” لكنه أكد أيضًا على أنه ” لابد من الإشارة إلى وجود حراك عربي واكب الانهيارات، وإلى ظهور دول تمكنت من تحقيق توازن وتنمية كما في دول الخليج، ولكن على صعيد الأمة حيث القوى البشرية الكبرى، فقد تمت السيطرة مرحليًا على محاولة الشعب العربي في النهوض والخلاص من العجز، حتى وصلت الأمة إلى حالة الموت السريري الراهنة، لكن الإرادة الشعبية لابد لها من أن تعيد الكرة حتى تخرج الأمة العربية من حالة السبات التاريخي المزمن.”
الباحث اللبناني فضيل حمود قال لجيرون ” منذ أكثر من٧٠ عام نحن في مُسلسل نكبوي عربي، وما احتلال فلسطين إلا حلقة فيه. كنّا بالصهيونية، أصبحنا أمام إيران ولاية الفقيه التي تسيطر مع حكومات العمالة في سورية والعراق، وميليشياتها المذهبية العربية ومرتزقتها، على العراق وسورية واليمن ولبنان، بالإضافة للأحواز وجزر الإمارات. في الوقت الذي تبيد فيه عصابة الأسد مع المحتلين الروس والإيرانيين، وبمشاركة بعض الفصائل الفلسطينية، عاصمة الشتات الفلسطيني مخيم اليرموك وتهجر لاجئيه، ترتكب إسرائيل مجزرة أخرى في غزة، ذهب ضحيتها العشرات من المقاومين المدنيين الأبطال.” وقال كذلك مؤكدًا أن ” ما ارتكبه النظام الأسدي الأب والابن بحق القضية الفلسطينية وشعبها، بالإضافة للشعبين السوري واللبناني، يفوق بأضعاف مضاعفة مجازر وإبادات العدو الصهيوني. أنظمة الخليج والاْردن التابعين لأميركا متواطئين، ومستعدين لمد أياديهم لإسرائيل، معتقدين أنهما ستحميانهم من توغل إيران. ومصر التي أنهت حالة العداء مع الكيان الصهيوني منذ اتفاقية العار كامب ديفيد، أطلق ديكتاتورها السيسي يد إسرائيل في استمرار عدوانها ومجازرها على شعبنا الفلسطيني، وهو يحاصر معها قطاع غزة. السلطة الفلسطينية الفاسدة ما هي الا امتداد لأنظمة الاستبداد والاستسلام العربي، تتعاون مع العدو وتنسق أمنيًا معه ضد شعبها. حماس إمارة إسلامية تمارس مقاومة فلكلورية، بالإضافة لضربها وحدة القضية والشعب. الشعوب العربية في غالبها مغلوب على أمرها، بين مطارق الغزاة وسنادين الطغاة والغلاة، الذين تظافرت جهودهم لضرب انتفاضات شعوبنا 2011 وإمكانية نهوضها في المهد. شعبنا الفلسطيني كما السوري، يقاومان باللحم الحي وصدور عارية، عارية حتى من قوى وقيادات منظمة تقودهما”.
بينما أكد لجيرون الكاتب محمد جبر المسالمة بكل وضوح ” بجمل عريضة كلهم جاءوا إلى السلطة بقرار إسرائيلي ومباركة أمريكية، كلهم خارج الشرعية الشعبية. فالخطر على سلطاتهم من شعوبهم وليس من إسرائيل، وأهم درس أكده الربيع العربي أن المعارضة الوطنية الديمقراطية قادرة على إسقاط سلطاتهم بيسر وسهولة، وفي وقت قصير برغم كل ثغراتها، وإن ارتهانهم للخارج واستقواءهم بقوته العارية ووضع مقدرات الأوطان تحت تصرف القوى المعادية لحاضر الأمة ومستقبلها، هو الذي أبقاهم في مواقعهم وإن على حساب تدمير الوطن والمواطن”.
أما الكاتب السوري حسين حمدان العساف فاكتفى بالقول ” إنه غياب التضامن العربي، وتواطؤ الأنظمة العربية بشكل أو بآخر مع أميركا وإسرائيل”.
تعريف: يقول نادر جبلي ” تكمن القصة في حالة التردي والضعف والانحطاط الفظيعة التي تعيشها الدول العربية، والتي تسببت بها الطغم الحاكمة المستبدة الشمولية، والتي لا يهمها إلا بقاءها في السلطة وحماية عروشها مهما كان الثمن”.
المصدر : جيرون