شهد الشمال السوري وخاصة محافظة ادلب مؤخرًا ازدياد حالات الفلتان الأمني وعمليات التفجير والاغتيال. بحيث لم يعد يمض يوم إلا وحادثة قتل هنا، وحادثة تفجير هناك، وهو يقلق أوضاع أهالي ادلب، الذين زاد عددهم عن ثلاثة ملايين، بعد كل هذا التهجير القسري الذي تشهده سورية، على يد النظام السوري، ومن معه من روس وإيرانيين. حول المشهد الأمني في ادلب يقال الكثير، وعن أسبابه وأهمها وما يجري الحديث عنه، إلا أن من وراءه بالفعل، مازالت المسألة فيها نظر، كما أن التساؤل الأهم يبقى إلى أين يمكن أن يؤدي هذا الفلتان الأمني، مع عدم إمكانية إيقافه في الوقت الحالي كما يبدو.
جيرون حملت هذا الملف المهم جدًا بالنسبة لأهالي ادلب، وسألت بعض المحللين العسكريين، وأيضًا بعض الشخصيات المجتمعية من ادلب لتسمع منهم تشخيصًا لكل ما يجري على هذا الصعيد.
اللواء عبد الرزاق أصلان اللاز قال لجيرون ” من أهم اسباب الانفلات الأمني فوضى السلاح وانتشاره بشكل كبير بين عدة جهات عسكرية منتشرة في ادلب، وهناك عصابات إجرامية لديها السلاح وتعمل على إشاعة الفوضى لأغراض جرمية جنائية، وتستفيد من هذه الحالة لممارسة السرقة داخل ادلب، إضافة إلى أن هناك فلول في المحافظة تعمل لصالح داعش والنظام وpyd وهذه الفلول المسلحة تقوم بإشاعة الفوضى في المدينة في ظل عدم قدرة أي طرف في ادلب على الامساك بزمام الأمور الأمنية بشكل كامل “. وأضاف ” أعتقد أن من يقف خلف هذه التفجيرات بالدرجة الأولى النظام السوري، خصوصًا أنه محترف بهذا النوع من الأعمال ولديه أدوات وقدرة على التنفيذ في إدلب وأي منطقة أخرى خارجة عن سيطرته بسبب هشاشة وضع هذه المناطق، وسهولة اختراقها وعدم قدرة أي تشكيل من تشكيلات المعارضة العسكرية والأمنية على ضبط الفوضى، أو تنظيم أبسط الأمور المتعلقة بهذا الأمر، مما شكل عدة ثغرات يستطيع النظام بكل سهولة أن يستغلها وينفذ عملياته من خلال استغلاله لوضع مناطق المعارضة الخارجة عن سيطرته، وهذا ما ينطبق على فلول تنظيم داعش أيضًا “. لكنه لفت إلى أن “هذه العمليات والتي من الصعب إيقافها بكل صراحة، ستؤدي إلى تدمير حياة المدنيين في محافظة ادلب وستجعل الحاضنة الشعبية للثورة هناك تقبل بأي حل مقابل إيقاف الفلتان الأمني في المدينة إضافة إلى أن هذا الأمر سيضعف فصائل المعارضة العسكرية هناك، أكثر مما هي ضعيفة الآن، مما سيجعلها تنهار بأي معركة ضد أي طرف معادي على المدى القريب، أو البعيد، ومنذ البدايات راهن النظام المجرم على عامل الوقت وتدريجيًا وصل لغايته بفقداننا الحاضنة الاجتماعية وشيطنة الثورة وأيد موقفه بالأخطاء غير المبررة من بعض الأطراف التي تدعي معارضة النظام والأسد. “
العميد أحمد الرحال تحدث لجيرون بقوله ” موضوع الاغتيالات صارت ومازالت زيولها تحدث بإدلب، حيث نلاحظ أنها ظهرت في وقت لم يعد فيه عمليات عسكرية، كما نلاحظ أن العمليات تتم وتشمل كل الأطراف والشرائح، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لمتشدد ومعتدل، لإصلاحي، لمنظمات المجتمع المدني، منظمات الدفاع المدني، ولكن ترى من المستفيد؟ وإذا أردنا توجيه الاتهام للفصائل فلم يسلم منها أي فصيل ، و إذا أردنا توجيه الاتهام لعصابات، فليس من المعقول أن عصابة تستطيع تجاوز كل هذه التدابير الأمنية التي تجري، إلا إذا كان الجهاز منظم ويتبع لجهة خارجية، وهذا الذي أرجحه، العمل الذي يجري من اغتيالات الغاية منه عدم الاستقرار وإشاعة الفوضى، وهو يرتكز على أن النظام الأسدي وإيران لم يعد لديهم الامكانية ليهاجموا إدلب، وبالتالي هم يخلقوا الأجواء من عدم الاستقرار وعدم الأمان، ليوصلوا المواطن إلى درجة أنه يطلب عودة النظام ، أو أنهم يقنعوا دول العالم أنه لابد في هذه المناطق عودة النظام، حتى يعود الاستقرار، بينما لايروا ماذا يجري في مناطق النظام، وأنا تصلني أخبار اللاذقية باستمرار، فالشهر الماضي الشهر حدثت عشر عمليات قتل في الشارع، حيث يأتي اثنان من الدفاع الوطني يطلقون النار على مواطن في وسط الشارع ، كما يدخل آخرين منهم على المحل يقومون بتكسيره وسرقته ثم يخطفون صاحبه، ويطالبون أهله بفدية خمسة مليون ، إذا مناطق الساحل السوري أصبحت شيكاغو، لكنهم لا يرون ذلك “. ثم لفت الرحال إلى أن “عمليات الاغتيالات يمكن توصيفها تحت عملية إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار وعدم الأمان، من قبل خلايا تتبع لنظام الأسد ، والغاية منها الترويج أن المنطقة هذه لم تستطع الفصائل ضبط الأمن، ولم تستطع تركيا ذلك، هم يريدون أن يكون لتركيا حيز ودور بالموضوع، باعتبار أن تركيا موجودة في الشمال السوري، يريدون القول أنه حتى تركيا لم تستطع ضبط الأمن وبالتالي الترويج لفكرة عودة النظام لتلك المناطق، كما أن الفائدة الأكبر تأتي بعملية التأسيس لحالة نزاع واقتتال واشتباك بين الفصائل، حيث هيئة تحرير الشام، تتهم جيش جبهة تحرير سورية وجبهة تحرير سورية تتهم هيئة تحرير الشام، وتقع صدامات، وكل الخسائر تصب في مصلحة النظام”. وهو يرى الحل كما يلي ” هناك حالة التشظي بالإجراءات الأمنية الفردية، وكل فصيل لديه جهاز أمني، وكل هيئة عندها جهاز أمني، كل جيش لديه جهازًا أمنيًا ، هناك تداخل بالأجهزة الأمنية، ولعل تداخل الأجهزة الأمنية يدفع إلى نوع من الفوضى بالمناطق المحررة، وحتى ننتهي من ذلك لابد من عملية تشكيل لمؤسسة أمنية شاملة من الكل، من كل التنظيمات العسكرية الموجودة بالأماكن المحررة، من جيش أبو حطب وما بعده، والمؤسسة الأمنية يقع على عاتقها ضبط الأمن ويخضع الجميع لإجراءاتها، ومن ثم تربط المؤسسة الأمنية بجهاز قضائي شامل، يجب توحيد المؤسسات، وتوحيد الدوائر الثورية الموجودة في المناطق المحررة وإذا وصلنا لذلك نحقق الأمن للناس، وأنا أرى أن توحيد المؤسسة الأمنية وتوحيد المؤسسة القضائية هي الخطوة الأولى ، لأن توحيد الجهود العسكرية أمر مستحيل، كما أن في مناطقنا المحررة هناك جزءً كبيرًا من القادة الموجودين أصبحوا أمراء حرب، وهؤلاء ليس لديهم مشكلة في قتل فلان وتدفع له، ويبقى أن النظام هو المسؤول الأكبر عن الخلايا النائمة، ونحن مسؤولين بعدم التنظيم فنساهم بهذه الأخطاء “.
أما العقيد أحمد الحمادي فيرى” أن ما تشهده المناطق المحررة من فلتان أمني سببه الازدحام السكاني وكثرة المهجرين ومنهم عملاء للنظام بالإضافة لذلك عدم وجود جهة قضائية مختصة ذات مرجعية موحدة، وغياب الجهاز الأمني المنظم والمدرب والمعتمد على العلمية والمهنية إضافة إلى عشوائية حمل السلاح واستخدامه، وكثرة العربات غير المسجلة وكثرة الملثمين. وقلة الحواجز الأمنية الفاعلة وعدم وجود سجل جنائي”. ويعتقد الحمادي أنه ” وراء هذا الوضع يقف عملاء النظام وعملاء داعش، وبعض المرتزقة والقتلة، ولكن يمكن لتركيا اليوم أن تساعد في ذلك، وتقدم خدمات تنظيمية وخدمية، واخضاع هذا الجهاز للمحاكم المختصة “. ثم قال “إيقاف هذا الوضع يتطلب جهازًا أمنيًا غير انفعالي، يعتمد على المهنيين، كما يعتمد على المنشقين المهنيين، والواقع أن الجريمة متواجدة ليس فقط في المنطقة المحررة، ففي اللاذقية وحلب ودمشق وقبل الثورة كانت هناك جرائم، الوضع سيء ويمكن أن يتآكل المجتمع داخليًا وربما يكون الوضع الأمني ذريعة لتدخلات خارجية، لكن بإمكان الفصائل الموحدة وبمساعدة تركيا أن تضع حدا لذلك “.
الدكتور معتز زين ابن ادلب أكد لجيرون أن ” هناك الكثير من الجهات التي يحتمل تورطها في موجة الاغتيالات والتفجير في الشمال السوري، على رأسها النظام الأسدي وعملائه الذي يحاول التأكيد على فكرة غياب الاستقرار والأمن في المناطق الخارجة عن سيطرته، وأميركا وحلفاؤها التي تحاول عبر أدواتها في المنطقة القضاء على الإسلاميين الفاعلين كعدو استراتيجي لها، وأيضًا داعش التي لها ثأر إيديولوجي مع جميع فصائل الشمال ، يضاف إلى تلك الأدوات خلايا مزروعة من قبل نظام الأسد مع النازحين من الغوطة مؤخرًا لإكمال ذات الدور الذي مارسوه سابقًا في الغوطة”. ويرجع الأسباب إلى أنها ” جميعا تلتقي عند نقطة محددة وهي عدم قدرة فصائل الشمال على إيجاد جهاز أمني واحد منظم يتبع لقيادة مركزية موحدة ، الأمر الذي يستحيل تحقيقه طالما أن تلك الفصائل في حالة نزاع مستمر وصراع غير مبرر وغليان داخلي معرض للانفجار في أي لحظة، و الحل الوحيد الذي يمكنه وضع حد لمعظم مشاكل الشمال ومن ضمنها الفلتان الأمني الأخير، هو الاندماج الحقيقي بين الفصائل الكبيرة وتشكيل جهاز أمني موحد يتبع لكيان سياسي موحد ، الأمر الذي يبدو (للأسف) بعيدًا عن إمكانية تحقيقه في ظل الاحتقان الإعلامي والميداني المستمر”.
المحامي أحمد الجراح من ادلب قال ” السبب هو المناطقية، وتعدد الفصائل، وخاصة الفصائل المتأسلمة والمتلثمة. وهذه أخطر شيء يواجه السوريين، لذلك وعند نشوب أي نزاعات بين الفصائل، تستهدف المناطق الموالية للفصيل الآخر، ويخرج خفافيش الظلام، من سارق ومندس عميل للنظام لإثارة الفوضى، ولو وجد جهاز شرطة أو فصيل أمن ضمن تراتبية، لما حدثت كل هذه الفوضى، ولعل المنشقين من جهاز الشرطة والأمن الجنائي سابقًا يمكن أن يكشفوا الجريمة خلال أيام وربما ساعات. فلماذا لا تستغل خبراتهم الآن؟”.
الكاتب والمعارض السوري محسن حزام قال : ” ما يحدث في الشمال السوري( محافظة ادلب) من فلتان أمني تعود أسبابة الى عدة امور: 1/ باتت ادلب تؤوي عشرات الآلاف من المقاتلين الذين تم إجلائهم من مناطق مختلفة الى هذة المحافظة وريفها الشمالي ،لتتشارك مع الفصائل الموجودة هناك وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام التي تسيطرعلى60% من النقاط الحدودية مع تركيا التي تعتبر الأكثر حيوية من خلال إمساكها بمعبر باب الهوى وتحكمها بعائدات تمرير البضائع والسلع من والى ادلب التي تؤمن تمويلها الرئيسي منها . 2/ صراع الفصائل فيما بينها المستمر منذ فترة لابأس بها ،ادى الى الفلتان الأمني والذي استهدف مؤخرا قادة من الفصائل المتحاربة، ادت الى تقطيع اوصال القرى والبلدات ،وانعكس ذلك على الوضع المعاشي والاقتصادي والزراعي للسكان في المحافظة وريفها، الهدف السيطرة على المناطق المتواجدة فيها هيئة تحرير الشام بغية طردها تدريجياً لإخراجها من المحافظة ،وخاصة بدأت تضعف الهالة العسكرية لقدراتها مع احتفاظها بحاصنتها الشعبية. مما ادى الى طردها من {اريحا ومعرة النعمان} بعد تحالف بعض الفصائل مع بعضها في /جبهة تحرير سورية/التي جمعت اكبر الفصائل ـ حركة احرار الشام مع حركة نور الدين الزنكي ـ [ هذا التحالف مدعوم من قبل تركيا ] وبالتالي الاستفادة من الأماكن الريعية التي هي احدى جوانب الصراع على حساب احتياجات الناس ومصالحهم. يقول الباحث في المعهد الأمريكي للأمن القومي ” نيك هاريس ” لوكالة فرنس برس / إن ادلب موقع سباق بين روسيا وتركيا / ادلب دخلت عملياً ضمن مناطق خفض التوتر اعتبارا من أيلول /سبتمبر 2017 ومن خلال توافق الروس والاتراك تبقى ادلب في حيازة المخطط التركي بوضع نقاط مراقبة لتأمين الحدود التركية وبالتالي العمل على اخراج هيئة تحرير الشام من كامل ادلب لإخراج المنطقة من تكرار سيناريو حلب والغوطة .وعدم السماح لتقدم القوات السورية خارج النقاط المتوافق عليها مع ضامني استانا .لذلك من المتوقع الأكثر احتمالية لخلق حالة الفوضى والفلتان الحاصل اختراقات النظام الموجودة داخل الفصائل والدفع للعمل على تصفية بعضهم البعض ،بالتالي يتم ضرب المخطط التركي من خلال الفصائل المدعومة. النقطة المفصلية في اعادة الاستقرار الى ادلب او توتير الوضع اكثر مما هو عليه مرهون بالخطة التركية في تفكيك الحاضنة الشعبية لهيئة تحرير الشام وتأمين خروجها من ادلب عبر الحدود التركية للعناصر غير السوريين وقطع الطريق على الروس والنظام من تحقيق أغراضه في اعادة فتح معارك جديدة تجهز على ما تبقى من الفصائل تحت عنوان تصفية هيئة تحرير الشام والسيطرة على المنطقة .وهذا يفتح امكانية النزوح الجديد باتجاه تركيا لذلك لن تسمح تركيا بإعادة تكرار هذا السناريو من جديد .وهذا تحكمه توافقات روسية تركية سيظهر ملامحها قريباً بما يخص اخراج ادلب من دائرة الصراع.”
المصدر: جيرون