مصطفى رستم
الكشف عن تحركات مكثفة للميليشيات الإيرانية قبل انسحابها من بادية معيزيلة في دير الزور تشمل فصائل “زينبيون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية
شملت التحركات نقل شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر عبر العراق بطرق غير شرعية تشمل بنادق وأسلحة رشاشة ومواد متفجرة، وسط اتهامات من قبل المرصد السوري لحقوق الإنسان باستمرار العلاقة بين “داعش” والفصائل الإيرانية على رغم انسحاب الأخيرة من سوريا.
في وقت يبذل العهد الجديد في سوريا جهوداً كبيرة بغية إجراء تسويات داخلية، ومفاوضات خارجية على الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية كافة تمهيداً للدخول في مرحلة ما بعد نظام عائلة الأسد بعد طي حقبة حكم امتدت لما يقارب 54 عاماً، عاد تنظيم “داعش” ليظهر للعلن متوعداً بفتح صفحة جديدة لن يتوانى عن كتابتها بالنار والبارود بشروطه الخاصة.
وتوعد تنظيم “داعش” الإدارة السورية الجديدة بالتصعيد في حال التزامها بالمواثيق وقوانين الأمم المتحدة، وجاء في بيان مصور نشره على منصة “تيليغرام” أن الفصائل المشاركة في عملية “ردع العدوان” ليست سوى “بيادق تعمل لمصلحة تركيا ودول أخرى”، واُتهم بخوض معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية، وما يحدث يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات.
تبادل معلومات استخباراتية
ولم تفتح فلول التنظيم النار في بيانها الأول بعد سقوط نظام الأسد على سياسة الإدارة الجديدة في سويا وحسب، بل أيضاً على المجتمع المدني والهيئات التي تنادي بمجتمع مدني ودولة مدنية، فيما وصفهم البيان بـ “شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد”.
يأتي ذلك في وقت تبادلت الولايات المتحدة الأميركية معلومات استخباراتية سرية حول تهديدات تنظيم “داعش”، وفق ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أسهمت بإحباط القوى الأمنية في الإدارة العسكرية الجديدة هجوماً يستهدف مزار السيدة زينب الديني في ريف العاصمة دمشق.
وحدث تبادل المعلومات الاستخباراتية بطريقة مباشرة في سوريا ومن دون طرف ثالث، وجاء بعد أسبوعين من وصول إدارة العمليات لسدة الحكم بزعامة أحمد الشرع وتسلمه مقاليد الرئاسة في دمشق إثر هرب بشار الأسد إلى موسكو في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويرى مراقبون هذا التطور كورقة ضغط على الإدارة الجديدة سياسياً وسلسلة الملفات الشائكة التي تواجهها وعلى رأسها الاستقرار الأمني والسلم الأهلي، ويعتقد الباحث والكاتب السياسي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن هناك من له المصلحة الأكبر في إطلاق تهديدات “داعش”، ولا يستغرب أن يقف خلف ما يحدث فلول النظام السوري السابق أو بعض إعلام “قسد“، إذ يستشعرون بأنهم في خطر وأن أوضاعهم لا يمكن إنقاذها إلا بإطلاق تخويفات من “داعش”، بحسب قوله، مضيفاً أنه “يمكن تفسير ذلك بأن وجود قوات سوريا الديمقراطية واستمرارها مربوطان بصورة مباشرة إقليمياً ودولياً بمهمة التصدي وإنهاء ‘داعش’ وهو ما أكده أكثر من مسؤول في تنظيم ‘قسد’ وباعتقادي فإن وجود ‘داعش’ في البادية السورية بات ضعيفاً جداً وليست هناك من احتمالات جدية لعودته بصورة قوية”.
- وفي الأثناء سمحت قوات سوريا الديمقراطية بعودة 148 عائلة من التنظيم في مخيم الهول إلى قراهم من السوريين والعراقيين بعد انتهاء العمليات وسقوط النظام، في وقت يدور الحديث عن سجون قادة وعناصر التنظيم المتشدد حيث تضم مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا 26 سجناً تحتجز فيه نحو 12 ألف سجين من عناصر “داعش” عقب سقوطه في مارس (آذار) عام 2019 في آخر معاقله وهي قرية الباغوز بريف دير الزور الشرقي.
وإزاء ذلك وجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نداء إلى العراق وسوريا بضرورة التعاون في مكافحة الإرهاب ومحاربة “داعش” بعد زيارته العاصمة بغداد، وناقش مع نظيره العراقي توحيد الإمكانات للقضاء على التنظيم وحزب العمال الكردستاني “بي كي كي” المدرج كمنظمة إرهابية في تركيا.
عمليات أمنية
في المقابل أعلنت قوات “قسد” تنفيذ عمليات أمنية في مدينة القامشلي أفضت إلى تفكيك خلية تتبع لـ “داعش” وإلقاء القبض على اثنين من أفرادها، وبحسب بيان للمركز الإعلامي لـ”قسد” فقد كانا يخططان لتنفيذ عمليات إرهابية بزرع عبوات متفجرة واستهداف أماكن عامة وخاصة، ونشر الإرهاب وإثارة البلبلة بين صفوف الأهالي، وأكدت القوات أنها لن تتهاون مع خلايا مرتزقة التنظيم وستلاحق فلوله.
في الأثناء تحدث الناشط الحقوقي أحمد الشيخ في تصريح خاص عن نشاط ملحوظ لأفراد التنظيم وسط حوادث متفرقة وإقامتهم حواجز متنقلة بين قرى ريف دير الزور ومناطق البادية المتاخمة من جهة حمص، والهدف منها نصب كمائن من دون حدوث أي تصادم حتى اللحظة مع إدارة العمليات العسكرية.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا كشف عن تحركات مكثفة للميليشيات الإيرانية قبل انسحابها في بادية معيزيلة في دير الزور حيث ينشط تنظيم “داعش”، وتشمل هذه التحركات فصائل “زينبيون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية والحرس الثوري الإيراني، وشملت التحركات نقل شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر عبر العراق بطرق غير شرعية تشمل بنادق وأسلحة رشاشة ومواد متفجرة، وسط اتهامات من قبل المرصد باستمرار العلاقة بين التنظيم والفصائل الإيرانية على رغم انسحاب الأخيرة من سوريا.
ومع هذا يعتبر الباحث السوري سعدو أن ظهور “داعش” فيما لو كان جدياً فسيهدد ويربك عملية بناء الدولة في سوريا، وبكل تأكيد فإن الإدارة الجديدة في دمشق ستكون بالمرصاد للقضاء على بقايا التنظيم ولن تتساهل أبداً مع أي من تشكيلاته التي تهدد بصورة مباشرة الوطنية السورية.
وبالحديث عن ضبط السجون فمن اللافت استقبال قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي مسؤولين أميركيين قبل اتخاذ قرار عودة بعض عائلات مخيم الهول، ومن القادة العسكريين قائد قوة المهمات المشتركة لعملية العزم الصلب، مايكل كوريل، ودار الحديث بحسب ما ذكر عبدي عبر حسابه الرسمي على “إكس” حول أهمية الجهود الدولية لإعادة تأهيل العائلات في مخيم الهول وضبط السجون، “كما أكدنا تعزيز الشراكة وأهمية الدور الأميركي لوقف إطلاق نار دائم في شمال شرقي سوريا، وضمان الأمن والاستقرار في كامل البلاد”.
هجمات “داعش”
من جهة أخرى نفذت مجموعة من عناصر تنظيم “داعش” في الـ 25 من يناير (كانون الثاني) الجاري هجوماً على حاجز لقوى الأمن الداخلي في منطقة مخروم الواقعة على الطريق بين الحسكة والرقة، أسفر عن مقتل عنصر وإصابة آخر من قوى الأمن الداخلي، إذ استقل المهاجمون دراجات نارية لهذا الغرض، وشنّ التنظيم بعدها بساعات أيضاً هجوماً على نقطة عسكرية تتبع قوات “قسد” في قرية الحنوة قرب بلدة تل حميس.
وتبقى ورقة سجون “داعش” التي تطالب إدارة أحمد الشرع قوات سوريا الديمقراطية بتسليمها إلى دمشق أكثر ما يقلق العاصمة السورية، بخاصة أنها تضم آلاف المقاتلين المتمرسين والمدربين من عناصر “داعش”، فيما ترفض قوات سوريا الديمقراطية، التحالف العسكري الذي يضم أقليات وطوائف عرقية ويمثل الأكراد العامود الفقري له، تسليمهم ولا سيما بعد إصرار تركي على نقل هذا الملف من يد الإدارة الذاتية الكردية وسط تحضير تركي لعمل عسكري واسع لإكمال أنقرة المنطقة العازلة على حدودها الجنوبية، واستغلال تفاهمات تركية – أميركية بعد وصول الرئيس الجديد للبيت الأبيض دونالد ترمب الذي يتحدث دائماً عن عهد جديد بلا حروب.
المصدر: اندبندنت عربية