محمود الريماوي
ثمّة أسئلة نوجّهها هنا إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب: أولاً، هل تواصل معك خلال الأسابيع أو الشهور القليلة الماضية أحد من قطاع غزّة، وأخبرك بأن حياته سوف تكون شديدة الصعوبة في القطاع خلال عملية إعادة بناء ما هدّمته حرب بنيامين نتنياهو؟
ثانياً، إذا كان أحد من هناك لم يتّصل بك أو يتواصل معك، وإذا لم تكن أنت أو المبعوث ستيفن ويتكوف قد بادرتما بالاتصال بأحد من أبناء غزّة، فكيف يصحّ أن تتحدثا باسمهم؟
ثالثاً، أفصحتَ عن الرغبة في أن تتملّك إدارتك غزّة “مُلكية طويلة الأمد”، فهل عرض عليك أصحابها بيعها؟ وإذا كنت ترى أن أبناء غزّة في حالة ضعف، فهل يصحّ لأيّ مسؤول دولي أن يستولي على ما يملكه ضعيف؟
رابعاً، يعجبك ساحل غزّة، وترى فيه ريفييرا مستقبلية، شكراً للإعجاب ببلد عربي. لكن هل الإعجاب برقعةٍ ما، بمنطقةٍ ما، يُسوّغ للشخص المُعجَب أن يستولي عليها هو وشركاؤه (الإسرائيليون) في الإعجاب؟
خامساً، عندما تقع حرب وحشية مثل الحرب على غزّة، فهل نعاقب المعتدين الذين اقترفوا هذه الجريمة، أم نعاقب الضحايا باقتلاعهم من وطنهم؟
أفصحتَ عن الرغبة في أن تتملّك إدارتك غزّة “مُلكية طويلة الأمد”، فهل عرض عليك أصحابها بيعها؟
سادساً، عندما يرتكب مجرم جريمته، فمن يعوّض الضحية: المجرم أم شقيق الضحية؟
سابعاً، لماذا لم تطلب ترحيل ضحايا حرائق كاليفورنيا، ممّن فقدوا بيوتهم، إلى بلد آخر أو إلى أكثر من بلد، على غرار ما تطالب به الغزّيين، الذين يعانون فقد المنازل؟
ثامناً، لماذا صرّحتَ بأن السعودية لم تشترط إقامة دولة فلسطينية في مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع تلّ أبيب، رغم أن الرياض أعلنت عشرات المرّات، وفي مختلف المناسبات والمنابر، وجوب تحقيق هذه الضمانة، كي يكون التطبيع مفتاحاً لسلام حقيقي في المنطقة، ومن أجل معالجة جذور المسألة؟ ألا تُملي مقتضيات الصداقة بين الدول عدم نسبة مواقف مغلوطة إلى دولة صديقة؟ وكيف تستبق زيارتك المقرّرة إلى الرياض بإطلاق هذه المعلومة الزائفة، ألم تكن تشكو من كثرة الأخبار الزائفة في بلادك؟
تاسعاً، لماذا صرّحتَ أكثر من مرّة بأن مصر والأردن ستوافقان على ترحيل غزّيين إليهما، فيما أنت تعرف أنهما ترفضان أن يقرّر أحدٌ عنهما أيّ شيء يتعلّق بالسيادة، كما ترفضان التسبّب بظلم إضافي للفلسطينيين؟
عاشراً، ألم يخبرك مستشاروك بأن الترحيل الجماعي عن الموطن جريمة بشعة في عُرف القانون الدولي، وقواعد القانون الدولي الإنساني، وأنه لا توجد دولة متحضّرة تحترم نفسها، وتنزلق إلى هذا السلوك غير الأخلاقي، وأن أميركا سبق أن دانت بقوة ترحيل دولة ميانمار آلاف الروهينغا من أراضيها؟
حادي عشر، ما سرّ تجاهلك واستخفافك بالفلسطينيين وبحقوقهم في أرضهم، وبعد محنتهم الطويلة، هل تسبّبوا يوماً بخسارتك صفقةً عقاريةً أو تجارية كبيرة؟ ألم يقف معك الأميركيون من أصل عربي وفلسطيني في انتخابات الرئاسة الماضية، ووجّهت لهم الشكر بعد فوزك بالرئاسة، فكيف تردّ لهم التحية الآن بإعلان عزمك على اقتلاع جزء كبير من شعب عربي من أرضه؟
ثاني عشر، لقد أعلنت في حملتك الانتخابية عزمك على إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهو ما تفاءل به كثيرون في منطقتنا من قادة وشعوب، فهل يقترن السلام بنظرك بتهجير الناس من أرضهم، وهل تعتبر جريمة الحرب هذه خطوةً سلمية؟ وكيف سوف يثق بك الناس في أميركا وفي الشرق الأوسط، وفي العالم كلّه بعدئذ، إذا قرّرت (لا سمح الله!) اقتراف هذه الخطيئة؟
هناك دول عديدة صغيرة المساحة مثل مالطا وليخشتاين ولبنان والبحرين، ولا تطالب هذه الدول، ولا تفكّر، بتوسيع مساحتها على حساب دول أخرى
ثالث عشر، هل رسم سياسات الدولة العظمى وفق أجندة دولة أجنبية وهي إسرائيل، وبما يطابق المصالح التوسّعية للدولة الأجنبية يُعتبر عملاً وطنياً؟ وهل التجاهل الكلّي لأطراف الصراع، العرب والفلسطينيين، يدلّل على النزاهة والاستقامة؟
رابع عشر، تصف إسرائيل بأنها دولة صغيرة المساحة. هناك دول عديدة صغيرة المساحة مثل مالطا وليخشتاين ولبنان والبحرين. ومع ذلك، لا تطالب هذه الدول، ولا تفكّر مُجرَّد تفكير، بتوسيع مساحتها على حساب دول أخرى، فلماذا تمنح الدولة العبرية حقّاً مزعوماً بالتوسّع، وتتجاوز بذلك القوانين والمواثيق الدولية كلّها؟
خامس عشر، والأخير، إذا كانت الدولة الإسرائيلية صغيرة المساحة كما تقول، فإن مساحة الدولة الفلسطينية العضو في الأمم المتحدة، أقلّ بكثير، إذ ستقام الدولة الفلسطينية على 22% فقط من مساحة فلسطين، التي كانت واقعةً تحت الانتداب البريطاني. بهذا تفوز إسرائيل بـ78% من فلسطين التي استولت عليها عام 1948، وما تبقىّ هو للفلسطينيين، فمن الذي يستحقّ أن يشكو من ضيق مساحة دولته؟
المصدر: العربي الجديد