تواصل أمريكا تهديداتها لنظام بشار الأسد بأنها سترد لو استخدم السلاح الكيماوي في إدلب. وتدور منذ بداية الحشود على آخر معاقل المعارضة السورية حرباً دعائية بين روسيا الداعم الرئيس لنظام الأسد، وأمريكا التي تخلت عن المعارضة السورية.
وأصبح السلاح الكيماوي سلاحاً مهماً في هذه المعركة، ذلك أن إدارة دونالد ترامب استخدمته ذريعة لتوجيه ضربات محدودة للنظام السوري.
وتحفل صحيفة “وول ستريت جورنال” يومياً بتقارير تنقل فيها عن مسؤولين أمريكيين أن الأسد أعطى الضوء الأخضر لاستخدام السلاح الكيماوي في إدلب. وأن ترامب ناقش طبيعة الرد حالة حدث ذلك.
وقالت الصحيفة يوم أمس، إن هناك تنسيقاً أمريكياً – فرنسياً للرد على هجوم كيماوي. ونشرت الصحيفة مقالاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعا فيه العالم لوقف هجوم الأسد.
ومظاهر قلق أردوغان مشروعة خاصة أنه يخشى من موجة لجوء جديدة باتجاه بلاده التي استقبلت لوحدها 3.5 مليون لاجئ سوري.
لكن لا أحد طرح السؤال الذي ناقشه الصحافي الأمريكي في موقع “ديلي بيست” روي غوتمان، وهو عن قدرة النظام السوري على القيام بهجوم، خاصة أن حلفاءه الإيرانيين ووكلائهم من حزب الله مترددون في الدخول بمعركة طويلة.
وقال غوتمان إن العملية السورية لاستعادة محافظة إدلب التي تحذر الأمم المتحدة من تداعياتها الإنسانية متوقفة نظراً لعدم توفر القوات الكافية لكي تنسق مع الغارات الجوية الروسية، وذلك حسب قادة عسكريين في المعارضة السورية. ولدى النظام السوري حوالي 25.000 جندي في المنطقة، منهم 5.000 جندي معظمهم من المجندين كقوات دعم، تم تجنيدهم من المقاتلين الذين وافقوا على الخروج من مناطقهم والذين لا تزال مصداقيتهم في المعركة محلاً للفحص.
لدى النظام السوري حوالي 25.000 جندي في المنطقة، منهم 5.000 جندي معظمهم من المجندين كقوات دعم
وسيواجه هذا العدد حوالي 100.000 مدافع عن المنطقة ممن أجبروا على ترك مناطقهم ولا مكان لديهم للهروب إليه. ولكن العنصر المفقود في هذه المعركة هو إيران وحزب الله، حيث لعبتا دوراً مهماً في معركة حلب والغوطة الشرقية عندما انهار جيش النظام بسبب هروب الجنود منه.
ولا يوجد ما يشير أن حزب الله والميليشيات الإيرانية تحضر للمعركة المقبلة التي من المؤكد أنها ستكون دموية وبخسائر كبيرة. ويقول العقيد فاتح حسون، الذي انشق عن جيش النظام وشارك في محادثات أستانة التي رعتها روسيا وإيران وتركيا: “يمكننا القول إنه تم تأجيل معركة إدلب” وتحتاج روسيا لشريك على الأرض كي ينسق مع طائراتها. وفي ظل عدم اهتمام إيران بمعركة إدلب، فإن المصدر الوحيد للمقاتلين هم الأكراد الذين يتعاون مقاتلوهم “قوات سوريا الديمقراطية” مع الولايات المتحدة في المعركة ضد تنظيم الدولة بشرقي سوريا”.
ووافق كولامب ستراك المحلل لشؤون الشرق الأوسط بـ “أتش أي أس ماركت” وهي شريك لشركة جينز ديفنس للنشر، أن الهجوم ربما تم تأجيله وأضاف: “من المحتمل حدوثه، والسؤال متى؟” وقال إن العملية ستكون بطيئة في ضوء التباين في حجم القوات وستكون “خطوة بعد خطوة والسيطرة على قرية ثم التوقف مع القصف العشوائي الذي يجبر السكان على الفرار أو إجبار معارضيهم على الاستسلام. ومن المحتمل أن تكون إدلب الفصل الأخير في الحرب السورية التي بدأت عام 2011، وسقط فيها مئات الآلاف وتشرد الملايين، وأثرت على استقرار المنطقة وأوروبا.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ناشد في تغريدة له الأسبوع الماضي روسيا وإيران بعدم المضي قدماً في العملية، قائلاً: “يجب على الرئيس السوري بشار الأسد ألا يهاجم بتهور محافظة إدلب”. وأضاف أن روسيا وإيران ترتكبان خطأ بالمشاركة في كارثة إنسانية. ودعاهما لعدم السماح لأمر كهذا بالحدوث.
وحذر الرئيس أردوغان من العملية التي ستتحول إلى “بحر من الدم”. وهناك حوالي 3.3 مليون شخص في المحافظة نصفهم من الذين شردهم النظام وتعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية. بالإضافة لمئة ألف مقاتل منهم فصيل مرتبط بتنظيم القاعدة. ويضيف الكاتب أن الهدف الرئيسي لنشر القوات الجوية الروسية كان مساعدة الحكومة السورية على تدمير الفصيل المرتبط بالقاعدة.
وأصبحت تركيا التي لا تبعد سوى 60 ميلاً عن إدلب، الضامن لمنطقة خفض التوتر التي اتفقت عليها مع روسيا وإيران العام الماضي. وبذلت جهوداً مع الجماعات الإسلامية المتشددة، لإقناع أفرادها بتخفيف صورتهم بشكل يمنع من شن الحملة ضدهم. ولدى تركيا سجل قوي في المساعدات الإنسانية وتستقبل حاليا 3.5 مليون لاجئ.
وعليه فحملة جديدة في إدلب قد تدفع بمئات الآلاف نحو حدودها. وتعتبر هيئة تحرير الشام من أقوى الجماعات في إدلب ولديها 10.000 مقاتل، وتقول إنها لم تعد مرتبطة بتنظيم القاعدة. وانشق عنها فصيل صغير لا يزال يوالي القاعدة وأطلق على نفسه “حراس الدين” وهو في مواجهة شرسة مع هيئة تحرير الشام.
تعتبر هيئة تحرير الشام من أقوى الجماعات في إدلب ولديها 10.000 مقاتل، وتقول إنها لم تعد مرتبطة بتنظيم القاعدة
وفي القمة التي انعقدت يوم الجمعة بالعاصمة الإيرانية طهران وشاركت فيها كل من روسيا وتركيا بالإضافة لإيران، ناشد أردوغان الرئيس فلاديمير بوتين الإعلان عن وقف إطلاق النار لكي يكون لدى المسؤولين الأتراك الوقت الكافي لإقناع هيئة تحرير الشام بحل نفسها وخروج حراس الدين.
ولكن بوتين رفض، وأصدر مع أردوغان والرئيس حسن روحاني بياناً دعوا فيه الجماعات المتشددة لتسليم أسلحتها. وقد يكون زعم روسيا أنها تقاتل “الإرهابيين” مجرد ذريعة لسحق كل الجماعات المعارضة للنظام السوري. فمنذ تدخلها عام 2015، قامت باستهداف الجماعات المعتدلة وقصفت المستشفيات والمدارس ومنازل المدنيين.
وفي قمة طهران اعترف بوتين بوجود الكثير من المدنيين في إدلب، لكنه قال إن هناك مقاتلين فروا من روسيا والمناطق التي استعادها النظام إلى إدلب ولديهم “الكثير من السلاح”.
وقال إن عملية تصفيتهم ستكون صعبة واتهمهم باستخدام المدنيين كدروع بشرية. وتعهد بفتح ممر إنساني للمدنيين، والممر الوحيد يقود إلى تركيا.
وقال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إن نسبة 98.8% من سكان إدلب هم مدنيون ومن واجبنا حمايتهم”. وقال راميش راجاسينغام، من مكتب تنسيق شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة إن القصف الذي تم خلال العشرة أيام الماضية ضد القرى والمدن في إدلب نادراً ما استهدف جماعات إرهابية. وأضاف أن “القصف في الأيام الأربعة الماضية استهدف مؤسسات طبية فيما أعطبت البراميل المتفجرة سيارات إسعاف وبات أحد المستشفيات غير قابل للاستخدام”.
وكان استهداف المستشفيات والعيادات الطبية جزءاً مهماً من أسلوب الأسد والروس أثناء الهجوم على حلب عام 2016. والهدف من كل هذا هو إضعاف جماعات المعارضة المعتدلة، وخلق جو من الفزع بين المدنيين بطريقة تدفعهم للهرب بعد تدمير المؤسسات الطبية والمساعدة الإنسانية.
المصدر: القدس العربي