انقلبت روسيا على اتفاقها مع ما يقارب 2000 مقاتل من فصائل المعارضة سابقاً ممن التحقوا بصفوف “الفيلق الخامس”، بعد قرارها حلّ تشكيلات “الفيلق” في ريف درعا الغربي وفصل جميع منتسبيه، محافظة على تشكيلاته في ريف درعا الشرقي فقط.
وأتى القرار بعد مرور شهر على طلب روسي قُدم إلى القيادي في “جيش الثورة” سابقاً محمود البردان، الذي يشرف على “الفيلق الخامس” في ريف درعا الغربي، لتجهيز 250 مقاتلاً لنقلهم إلى جبهات محافظة إدلب. البردان لم ينجح بتجهيز العدد المطلوب، بسبب رفض المنتسبين الالتحاق بجبهات إدلب، والتذرع بالوعود التي قُدمت لهم عند الانتساب إلى “الفيلق” بعدم المشاركة في أي معارك خارج محافظة درعا، خلال السنة الأولى من انتسابهم.
قائد “قوات شباب السنة” أحمد العودة، الذي يُشرف على “الفيلق الخامس” في ريف درعا الشرقي، كان قد نجح في تأمين العدد ذاته المطلوب من المقاتلين من المنطقة التي يُشرف عليها، رغم نفيه سابقاً لأي مشاركة في معركة إدلب. ودفع ذلك الجانب الروسي إلى حلّ تشكيلات “الفيلق” في الريف الغربي، وفصل ما يقارب من 2000 مقاتل من إجمالي منتسبي “الفيلق” البالغ تعدادهم 4500 مقاتل في عموم درعا. ولم يتضح وجود أي بوادر لإعادة هيكلة “الفيلق” في الريف الغربي.
هذا “الانقلاب” المفاجئ بعثر حسابات المقاتلين المفصولين وعوائلهم، إذ تسبب فصلهم بإعادتهم مجدداً إلى قوائم المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في مليشيات النظام، وانضمامهم إلى عشرات آلاف المطلوبين الذين يبحثون عن مخرج من عملية التجنيد قبل انتهاء مهلة الشهور الستة بحسب بنود “التسوية”، والتي تنتهي في نهاية كانون الثاني/يناير 2019.
“الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، كانت أكثر المستفيدين من قرار الحلّ، إذ سرعان ما التحق بها أكثر من 200 عنصر من المقاتلين المفصولين من “الفيلق الخامس”. مصادر “المدن” توقعت أن يرتفع عدد الملتحقين بـ”الفرقة الرابعة” من مفصولي “الفيلق”، بشكل كبير خلال الفترة المقبلة؛ إذ يُقدّم ضباط “الرابعة” للملتحقين الجدد وعوداً بالحصول على امتيازات أكبر مما تقدمه بقية قوات النظام في فرقها العسكرية النظامية.
ومن الامتيازات والوعود التي تُقدم للملتحقين بـ”الفرقة الرابعة”، عدم المشاركة في المعارك خارج محافظة درعا، بالإضافة لرواتب مرتفعة وامتيازات أمنية وعسكرية. وما يؤرق المنتسبين الجدد لـ”الرابعة” هو أن يتكرر “التنصل من الوعود”، كما حصل مع “الفيلق الخامس”. حينها ستكون الخيارات البديلة معدومة.
الطريقة والفترة الزمنية التي استغرقتها روسيا في اتخاذ القرار، تعطيان انطباعاً بأن الأمر مخطط له سابقاً، ولم يكن ينقصه إلا الذريعة فقط، التي تمثلت في اعتذار المقاتلين عن عدم المشاركة في معركة إدلب. اعتذار منطقي للغاية، فمن الطبيعي أن يرفض المقاتل الذي انتسب إلى “الفيلق الخامس” بهدف عدم المشاركة في أي معارك خارج محافظة درعا، أي طلب للتوجه إلى ساحة قتال من المؤكد أنها ستكون عنيفة جداً كما في إدلب. كما أن الطلب الروسي لم يُرافقه أي ضغوط، بل على العكس، كان خيار الالتحاق طوعياً بالكامل، مع تقديم مكتسبات ورواتب إضافية للملتحقين.
تقسيم “الفيلق الخامس” إلى قسمين؛ الأول في شرق درعا والثاني في غربها، ثم إصدار قرار بحلّ القسم الغربي، لا يمكن أن يكون مبنياً على ردود فعل فقط، فمن غير المعقول أن تخطط روسيا لبناء تشكيل عسكري وتخصص له المستلزمات العسكرية واللوجستية والمالية، ثم تتخذ قراراً بتغيير جذري، لمجرد أن 250 مقاتلاً رفضوا الالتحاق بمعركة كان قرار المشاركة فيها اختيارياً.
كذلك، فإن ملامح التقسيم كانت ظاهرة منذ فترة؛ فالانتشار الروسي والتنسيق العالي على مستوى القادة والتنقلات والحواجز والخدمات المدنية، كان واضحاً بشكل كبير في الريف الشرقي على حساب الريف الغربي، كما أن الصلاحيات التي امتلكها أحمد العودة ومقاتلوه، والتي وصلت إلى حد الاشتباك مع عناصر أجهزة النظام الأمنية واعتقال عناصر منها لمبادلتهم بقيادي من “شباب السنة” تم اعتقاله، كانت أوضح وأكبر من الصلاحيات لدى محمود البردان ومقاتليه في الريف الغربي، الذين لم يستطيعوا منع فروع الأجهزة الأمنية من اعتقال المدنيين ومقاتلي المعارضة السابقين على حد سواء.
يُضاف إلى هذه المعطيات، أن قوات النظام المتمثلة بـ”الفرقة الرابعة”، عملت خلال الأسابيع الماضية، على نشر عشرات الحواجز العسكرية في مناطق عديدة من الريف الغربي، والتي يُفترض أنها مناطق انتشار لـ”الفيلق الخامس”، على عكس مناطق نفوذ “الفيلق” في الريف الشرقي.
لا يمكن الجزم بما تخطط له روسيا في جنوب سوريا، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون هذا القرار بمثابة خطوة نحو “تحجيم” نفوذ عدد من قادة الفصائل المعارضة سابقاً، وتكريس “قائد “شباب السنة” فقط، ليصبح صاحب النفوذ الأوحد بين قادة “فصائل التسوية”. ومن الممكن أيضاً، أن يكون قرار إنهاء تشكيلات “الفيلق الخامس” في ريف درعا الغربي، مجرد قرار سابق على حلّ “الفيلق” في ريف درعا الشرقي لاحقاً.
المصدر: المدن