القوة الناعمة و القوة الصلبة وسيلتان في الصراع الإنساني عبر العصور إلى يومنا ، تسلك الدول أو حركات التحرر من الهيمنة والاستبداد إحدى الوسيلتان للوصول للهدف ، طبعاً و القيادة الناجحة الذكية أو القيادة الأخلاقية لاسيما في حركات التحرر والثورات ضد الظلم والاستبداد أو الاحتلال التي تهدف للتخلص من حالة الوثنية السياسية المهيمنة على المجتمع تستعمل وتركز على القوة الصلبة التي لا غنى عنها أن تمتلكها بكل تأكيد لأن عدم امتلاكك للقوة الصلبة يُجرّء عليك الآخرين ، لكن اهمال القوة الناعمة التي لها أعمق الأثر في التغيير و الوصول للهدف بأقل التكاليف .
فالقوة الناعمة هي القدرة في الحصول على ماتريد عن طريق الجاذبية و ليس الإرغام وعن طريق الترغيب و الاقناع و ليس الترهيب ، فنحن بحاجة لأن نكون مهابين لكننا أحوج أن نكون محبوبين و مقنعين بأهدافنا و مشاريعنا وترتكز القوة الناعمة القيم و السلوك و الأخلاق وهي القوة الجاذبة لاسيما أمام الغطرسة و التوحش ..
و في فن القيادة هناك قائد محبوب و هناك قائد مرهوب و هناك من يجمع بين الأمرين و هذه صفة عظيمة قلّ من يتمتع بها .
وقبل أربع قرون نصح نيقولا ميكافلي أحد أبرز منظري مدارس التحليل السياسي ، نصح الأمراء بوقته أن يكون الأمير مرهوباً أهم من كونه محبوباً .
لكن في عالم اليوم نحن بحاجة الصفتين معاً .
و رسالة الدينات السماوية جاءت و هدفها الأساس دعوة الناس و ليس قتالهم ، وكثيراً ما جمع الأنبياء بين القوة الصلبة و أهمية امتلاكها لكن كان سلوكهم مركز على القوة الناعمة عبر جذب الناس و ليس إرغامهم و تغيير قناعاتهم بالحجة و البرهان بالتي هي أحسن ..
و هكذا الفتوحات التي دخلت البلاد بالقوة الناعمة و بالجاذبية للفكرة و اعتناقها وكيف تفاعل معها أهل البلد و بين المنطقة التي التي فتحت بالسيف كم بقي فيها حالة عدم استقرار لفترة طويلة ، أو على الأقل كان تفاعل الناس مع الفكرة أقل أو عادت البلاد كما كانت ..
و في الصراع الإنساني عندما تتمكن من جعل الآخرين يعجبون بمُثلِك و يريدون ماتريد فإنك لن تضطر إلى الانفاق كثيراً على العصي و الجزرات أي على الإرغام و الإغراء .
فالتركيز على القوة الصلبة فقط يفقدك أحياناً حتى حلفاءك ، ففي أعقاب الحرب الأمريكية على العراق أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للبحوث هبوطاً مفاجئاً حاداً في شعبية الولايات المتحدة الأمريكية بالمقارنة مع الحالة قبل ذلك بعام حتى في بلدان حليفة للولايات المتحدة مثل اسبانيا و ايطاليا
كما هبطت مكانة أمريكا هبوطاً عمودياً في البلدان الإسلامية من المغرب لتركيا إلى جنوب شرق آسيا ..
كما أن استمرار التعامل بالشكل الصلب مع الانتصار يعكس آثار سلبية جداً في المجتمع و المحيط و المتابع فالزهو بالانتصار و التعامل مع المغلوب بقسوة مفرطة غير مبررة تنعكس سلبياً على المنتصر وتظهر أمامه حالات التمرد و المقاومة و التخريب ، ولو كانت قضيتك قضية عادلة و قضية مظلومية لكن الزهو و الاستعلاء و الثأر يجر حالات من التمرد و التخريب و نقص التأييد ، لذلك نلاحظ أن الأنبياء و القادة العظماء تعاملوا بالصفح و الكرم و الخلق الحميد بعد الانتصار و بهذا لهم بعد نظر ثاقب واستراتيجي بكسب القلوب و المجتمعات واستمرار تأييد القضية وهدفها لأنها أعطت نتائج إنسانية رحيمة للغاية ..
كما أن القوة الناعمة هي أقل تكلفة و أعظم نتائج لكنها تحتاج الصبر الاستراتيجي و العقل الاستراتيجي و النظرة الثاقبة و التغلب على التعامل بمفهوم الثأر و التشفي فنجاح القضية عموماً أهم من بعض التفاصيل الفرعية .
وهناك أيضاً مايسمى بالقوة الذكية وهي حالة من المزاوجة بين القوة الصلبة و القوة الناعمة و متى استعمال كل منها أحياناً بنفس الوقت عبر محاور مختلفة و أحياناً بأدوار متعاقبة وهذه تحتاج قيادة فريدة و تحتاج جمهور منضبط يثق بقيادته و بحكمتها والذي يتابع النجاحات العظيمة في التاريخ يجد أن القادة العظماء يستعملون القوة الذكية وهي الذكاء في استعمال القوتين الصلبة و الناعمة ..
و لو نظرنا إلى حال الثورة السورية بعدالة قضيتها لأنها قضية مظلومين مسلوبي الحقوق و الكرامة و الحرية و انطلقت ناصعة الصفاء و كسبت تعاطف عريض جداً في الوسط العربي و الإسلامي و العالمي ..
ثم بدأت تظهر حالات من السلوك تشبه أحياناً سلوك الظالم و غالباً كان الظالم نفسه أي النظام نفسه هو الذي دفع لذلك وشجع على ذلك و كان غياب الوعي سبب في نجاح هذه الخطط كما أن ظهور الجماعات المتطرفة وسلوكها و استعمالها القوة الصلبة بكل القضايا حتى من المناضلين و الثوار أنفسهم أدى هذا إلى ضعف التعاطف و انحساره و لو تدريجياً ، كما أن غياب القيادة الواعية ذو التفكير الاستراتيجي كانت سبب بقيادة الصراع خلال أشخاص طيبي النوايا لكن يفتقرون للحكمة في التعامل في إدارة دفة الصراع و هي دفة خطرة للغاية و حساسة لأن القضية السورية تحولت إلى قضية لها أبعاد إقليمية و دولية فعدم وجود القيادة الرشيدة ، وحال وجود بوادر لهكذا قيادة كان يتم تصفيتها من الساحة بشكل سريع ، عدا عن الانتشار لفكر الغلاة في الساحة و سلوكهم المخيف لأبناء الثورة قبل غيرهم ، كان السبب في تناقص عدد المنشقين عن النظام و تناقص المتعاطفين و حتى الحلفاء و الأصدقاء للشعب السوري ، و أدى هذا أيضاً لحالة من التراجعات العسكرية و السياسية ، ولولا أن الخصم و حفاؤه كانوا متوحشين بشكل عنيف لكان الأمر أشد صعوبة و سوءاً أمام القضية السورية ..
فإذا عرفنا القوة كأداة بأنها القدرة على التأثير في أسلوب الآخرين لجعل تلك الأشياء تحدث . لكن هناك طرق عديدة للتأثير في سلوك الآخرين
فإيمان الناس بمشروعية الهدف و اقتناعهم بذلك يكسبك تأثيراً عريضاً وعميقاً كما أن الحالة الفطرية للبشرية تتعاطف مع المظلوم بالعموم ..
كما أن تخويف النظام للأقليات من بعض خطابات للغلاة أو بعض القيادات غير الواعية أدى لحشد النظام لطائفته على الأقل في تلك المواجهة وكنا بأمس الحاجة لاستمرار القوة الناعمة بموازاة مع القوة الصلبة التي تدافع و هذا الذي أضعف و أدى إلى تراجع الانتشار و التأييد والتي أعتقد أن النظام ساهم بذلك بشكل مباشر أو غير مباشر لكن كان ميدان الثورة مساعداً وذلك بسبب افتقار الوعي و القيادة الرشيدة التي تتنبه لكل هذه الممارسات و تضع لها حداً قاطعاً للحفاظ على الموجود و قد كان تقدماً كبيراً ..
فتحويل الموارد و الفرص و التعاطف إلى قوة متحققة بمعنى الحصول على النتائج المرغوبة تتطلب خططاً استراتيجية جيدة التصميم و قيادة بارعة
لكن السؤال المهم هل من الممكن استعادة القوة الجاذبة (الناعمة) و توظيفها بشكل فاعل .؟
الجواب نعم بالتأكيد لطالما القضية هي عادلة و هي تستنكر كل الأفعال السيئة التي ظهرت في صفها سواء مدفوعة من الخصم أو نتيجة غياب وعي و التبرء من الغلو و أعماله و إعادة الاستفادة من نصاعة القضية و نقاءها أمام توحش كبير و عنيف لم يتوقف يوماً و هناك سجل كبير ملئ بالمآسي فيمكن الاستفادة من تلافي كل الماضي والاصرار على طرح القضية و الدفاع عنها وعن قيمها و الرمزية الأخلاقية التي لها وجانب الظلم الكبير و المتوحش الذي وقع على المدافعين عن هذه القضية وهناك كم كبير من المعتقلين إلى الأيتام إلى استخدام كل ماهو محرم وممنوع دولياً لكن هذا حقيقة يحتاج عزم و إرادة و قيادة بارعة قادرة على تصحيح الأخطاء و إعادة الطرح و الاستمرار مع الصبر الاستراتيجي و استعمال القوة الناعمة الجاذبة تجاه هذه القضية فهي قضية رابحة لكن تحتاج محامين ناجحين حاذقين …..