عقب اجتماعات استمرت على مدى يومين، أقرت اللجنة المركزية لـ”حزب البعث العربي الاشتراكي” برئاسة رئيس النظام في سورية بشار الأسد، ثلاثة مشاريع طاولت هيكلية الحزب، وهي النظام الداخلي الجديد للحزب في سورية، واللائحة الداخلية للجنة المركزية، واللائحة الداخلية للجنة الرقابة والتفتيش الحزبية، منهيًا بذلك هيمنة “البعث” التنظيمية على الأحزاب التابعة له. وبالتالي إنهاء مشروع توسع الحزب تنظيميا داخل البلدان العربية، فيما لم يطرأ أي تغير في مسلك الحزب وتغوّله إلى جانب منظماته على المؤسسات العامة وحياة السوريين.
وقال البيان الختامي لاجتماعات اللجنة المركزية، إن “النظام الداخلي الجديد للحزب في القطر العربي السوري يستند إلى القواعد التنظيمية العامة التي أقرها المؤتمر القومي الرابع عشر المنعقد في دمشق في الرابع عشر من مايو/أيار عام 2017 والمبنية على أساس مبدأ -استقلال التنظيم ووحدة الفكر – وبما يسهم في تطوير التنظيم القومي للبعث من جهة، وتنظيماته الوطنية القطرية من جهة أخرى”.
وأضاف البيان أن “من أهم المستجدات في النظام الداخلي الجديد، تطوير بعض المسميات الأساسية في هيئات الحزب ومسؤولياته، حيث أصبحت مصطلحات التراتبية الحزبية كما يأتي: المؤتمر العام بدلاً من المؤتمر القطري – الأمين العام بدلاً من الأمين القطري – اللجنة المركزية تبقى على حالها – القيادة المركزية بدلاً من القيادة القطرية – الأمين العام المساعد بدلاً من الأمين القطري المساعد. أما مسميات القيادات المتسلسلة من الفرع وحتى الفرقة تبقى على حالها دون تغيير”.
وحافَظَ الأسد على زعامته للحزب بصفة الأمين العام، ومحمد سعيد بخيتان بصفة مساعد الأمين العام، في حين حصل هيثم سطايحي في ختام الاجتماعات على المنصب المحدث باسم “أمين سر اللجنة”.
ومن أبرز شخصيات اللجنة المركزية رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، وشقيق رئيس النظام وقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، ومدير الإدارة السياسية الناطقة باسم وزارة الدفاع السورية اللواء أسامة خضور، وقائد القوى الجوية والدفاع الجوي اللواء الطيار أحمد بلول، ووزير الدفاع العماد علي عبد الله أيوب، وغيرهم من الشخصيات المتربعة على مراكز مهمة في الدولة عسكريا ومدنيا.
وأد المشروع العابر للحدود
ويعتبر إنهاء القيادة القطرية من قبل حزب البعث الخطوة الأخيرة لوأد مشروعه التنظيمي العابر للحدود والذي أطلق عام 1947، بعدما تم حل القيادة القومية في شهر أيار/ مايو عام 2017، والتي تم تحويلها لـ”مجلس قومي” يحمل صفة استشارية، وذلك إثر عقد حزب البعث مؤتمره “القومي” الـ14 في دمشق، بعد انقطاع دام 37 عاماً، في وقت كانت “القيادة القطرية” حينها قد تسلّمت مكاتب وممتلكات تابعة لـ”القيادة القومية” في عام 2016، حيث عللت وسائل إعلام مقربة من النظام حينها حل “القيادة القومية”، بـ”غيابها وضعف دورها خلال الأحداث التي شهدتها سورية في السنوات الست الأخيرة”.
ويضم “المجلس القومي”، “الأمناء القطريين” للحزب الموجودين في تونس وموريتانيا والسودان والأردن وفلسطين ولبنان واليمن وممثل للحزب في العراق، وتم حينها إقرار “القواعد التنظيمية العامة”، ومن بين تلك القواعد التنظيمية إتاحة المجال في كل قطر لتنظيمات “البعث” لإطلاق أحزاب مستقلة في عملها القطري ولائحتها التنظيمية ونظامها الداخلي، وتم إيراد تلك الأفكار في البيان الختامي.
وتتناغم تعديلات اللجنة المركزية على اللوائح التنظيمية لحزب البعث مع قانون تشكيل الأحزاب في سورية الصادر في المرسوم رقم 100 لعام 2011، حيث تنص مادته الخامسة فقرة “ز” على “ألا يكون الحزب فرعا أو تابعا لحزب أو تنظيم سياسي غير سوري”.
إلا أن حزب البعث ما زال يخرق قانون الأحزاب دون أي مساءلة، ففي حين ينص القانون في مادته الخامسة فقرة “و”، على “ألا ينطوي نشاط الحزب على إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية علنية أو سرية أو استخدام العنف بأشكاله كافة أو التهديد به أو التحريض عليه”، يمتلك هو مليشيا “كتائب البعث” العسكرية، وهي إحدى المليشيات الكبيرة عدديا التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية.
هيمنة مستمرة لحزب البعث
كما لم يلتزم الحزب بما نص عليه الدستور السوري المقرر عام 2012، والصادر ممهورا بتوقيع الأسد، والذي أسقط المادة الثامنة التي كانت تنص في الدستور الذي سبقه على أن البعث هو قائد الدولة والمجتمع، في حين يبدو من ممارسات الحزب عكس ذلك، بحسب حديث معارض من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، مع “العربي الجديد”، قائلا “ما زالت منظمات البعث تهيمن على المدارس وتجبر الطلاب على ترديد شعاراته كل صباح، وما زالت لديه فرق حزبية داخل الجامعات والمؤسسات العامة، وهي أملاك عامة لا تعود إليه”.
وأضاف “والأكثر إشكالية أنه ما زال يهيمن على الجيش والقضاء، ويتدخل بالانتخابات ويعين الناجحين قبل إجراء الانتخابات، كما فعل في انتخابات الإدارة المحلية أخيرا، حيث فرض مرشحيه بعيدا عن نتائج الانتخابات التي يشرف عليها بشكل مباشر”.
ولفت إلى أن “هناك أنباء منذ تسلم الأسد عام 2000 بأنه كان يمتلك توجهات بإعادة إنتاج منطلقات جديدة للحزب، وبالفعل جرت عدة نقاشات حول ذلك قبل عام 2011، إلا أنه لم يستطع بسبب المقاومة التي أبدتها القيادات البعثية، وقيل أيضا إن لديه توجهات ليبرالية، وقد استطاع فرض اقتصاد السوق الاجتماعي في عام 2005، كهوية للاقتصاد السوري، الذي كان يعرف عن نفسه أنه اشتراكي ضاربا باشتراكية البعث عرض الحائط، عبر اتباع سياسة الخصخصة التي كانت تصب في جيوب فئة محددة”.
المصدر: العربي الجديد