تتوارد المعلومات مؤخرًا من مدينة الرقة التي تشير إلى انتشار كبير للمخدرات في المدينة وما حولها. حيث ” أصبحتْ زراعة الحشيش وترويجه وتعاطيه، وترويج وتعاطي حبوب “الكبتاغون”، ظواهر واسعة الانتشار في أوساط الشباب والمراهقين في الرقة، التي انتقلت من نطاق سيطرة (الدولة الإسلامية) إلى سيطرة مليشيات (قوات سورية الديموقراطية)، بعد حرب دموية مُدمّرة.” ويبدو أن هناك من يعمل ويشجع على ذلك خاصة بين المراهقين والشباب. عن ذلك سألنا السوريين وخاصة أهل الرقة عمن وراء انتشار المخدرات في مناطق سيطرة قسد. ومن يتحمل المسؤولية. ولماذا كل هذا الانتشار؟ وهل ينعكس على قضايا أخرى؟ ولمصلحة من تخدير الشباب والمراهقين هناك؟
الكاتب الصحافي صبحي دسوقي وابن الرقة قال ” بعد أن مكنت أميركا قوات قسد من إحكام سيطرتها على مدينة الرقة، وبعد أن أعلن التحالف الدولي قبل عام عن تحرير الرقة من داعش، بعد أن دمر التحالف مدينة الرقة بنسبة تتجاوز 80 بالمئة، وبعد قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، أرادت قسد التشبه بداعش بإدارتها للرقة، فسيرت الدوريات وأوجدت ما يشبه ديوان الحسبة، فسيرت دوريات نسائية، لمنع النساء من لبس الحجاب، وهي تتخبط حتى في قراراتها الإدارية، فتارة تصدر الأوامر بالسماح للأهالي بترميم بيوتهم، وتارة تزيل جميع الأبنية المرممة التي يشيدها أبناء الرقة، وتطلب منهم الحصول على التراخيص اللازمة، وتلاحق الشباب وتعتقلهم، وترسلهم إلى أماكن القتل تحت تسمية الخدمة العسكرية”. وأضاف دسوقي ” كذلك من خلال محاولتها تسويق نفسها كدولة ديمقراطية، شجعت على افتتاح أماكن اللهو والتسلية، ومن يخدم هذه الأماكن هن نساء هدفهن الترويح عن الزبائن، كذلك شجعت على افتتاح محلات بيع الخمر، وفي كل مكان بالرقة تنتشر بؤر لبيع المخدرات والحشيش، حيث تباع بأثمان رخيصة لتشجيع الشباب والمراهقين على الانحراف في ظل انعدام الأمان وتفشي ظاهرة السرقة والخطف”.
الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة طلال مصطفى أكد لجيرون أنه ” من المعروف تاريخيًا أن انتشار ظاهرة المخدرات تحصل في مناطق الحروب بكثرة، مقارنة بالمناطق الآمنة، والأمثلة كثيرة منها أفغانستان ولبنان، وخاصة المناطق التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني، والسبب الرئيسي أن زراعة الحشيش والاتجار بالمخدرات تدر مبالغ مالية ضخمة للميليشيات العسكرية، التي تكون سلطة الأمر الواقع، وهذا ما ينطبق على العديد من المدن السورية، وخاصة الرقة نتيجة سيطرة داعش في المرحلة الأولى من الثورة، ومن ثم مليشيا قسد فيما بعد. حيث تقول التقارير الميدانية أن معظم المناطق المزروعة بالحشيش هي مناطق عين عرب وتل أبيض التي تسيطر وتشرف على زراعتها عناصر قيادية من مليشيا قسد. بالإضافة إلى افتتاح العديد من المقاهي والكفتريات والصيدليات التي تروج للمخدرات، و أسباب انتشار ظاهرة الزراعة والتعاطي للحشيش في مناطق مدينة الرقة يعود إلى تفتت البنية القيمية المحلية لسكان الرقة نتيجة الحرب التي شنها في البداية النظام، ومن ثم داعش وأخيرًا قسد، وبالتالي عدم وجود مؤسسات متخصصة تخضع للقانون، وإنما لسلطة الأمر الواقع، التي تؤمن الحماية والترويج والجباية، وعادة ما تكون موردًا ماليًا لتمويل التنظيم المسلح” وعن استهداف المراهقين قال ” استهداف المراهقين والشباب بكثرة مقارنة بالفئات العمرية الأخرى يعود إلى سياسة ممنهجة بهدف حرفهم عن التفكير المنطقي بالواقع المعاش، وعدم التفكير بالمستقبل، من خلال سهرات الزهزهة للتعويض عن مصاعب وآلام الحياة، لعدم وجود فرص عمل حقيقة بسبب غياب المشاريع التنموية الفاعلة، والسبب الأهم يعود إلى إمكانية تجنيد وتحويل هؤلاء الشباب والمراهقين في صفوف المليشيات المسلحة نتيجة الحاجة إلى المال لشراء المواد المخدرة، وأيضًا تجنيدهم فيما بعد يمكنهم القيام بارتكاب مجازر وأعمال وحشية تحت تأثير المخدرات، حيث تمنحهم بعض النشوة في ظروف الحرب القاسية، كما يساعدهم على تخفيف التوتر والخوف أثناء الاشتباكات العسكرية”.
الكاتب السوري عبد الباري عثمان أكد أيضًا أن ” السبب الاول بانتشار المخدرات هي الحرب الدائرة في المنطقة وخاصة بعد احتلال داعش لمدينة الرقة وتغيير الوضع الاجتماعي السائد وكم الافواه وحجز الحريات العامة وخلق نوع من التفاوت بالتربية المجتمعية وحين طرد داعش من الرقة بمساعدة قوات التحالف الدولية بوجود قسد على الأرض، خلقت حالة اجتماعية جديدة واعطت حرية اكثر للجيل الشاب للتحرك والخلاص من إرث داعش وبذلك سمحت بهذا التغيير من دخول تجار المخدرات ومروجيها الى الرقة، وهذه الحالة ليست منتشرة في الرقة وحدها بل في اماكن تواجد النظام، واهم سبب لانتشار المخدرات و في انحراف الشباب هو التربية غير السوية من طرف الوالدين والفـراغ عند الشباب وخطـورته والرفقة السيئة والبيئة المحيطة بالشباب فالمسؤولية جماعية، ولكن على السلطة الحاكمة (قسد) تقع المسؤولية الكبرى وذلك لعدم اصدار قوانيين صارمة بحق المروجين والتجار وكذلك المستخدمين “.
أما السيدة إلهام حقي رئيسة منظمة سوريات من مدينة الرقة فأكدت أنه ” منذ استلام قسد لسدة الحكم في الرقة، لم نستبشر خيرًا بالرغم من ادعاءاتهم بالديموقراطية، فهم أبعد ما يكون عن كل شيء، قسد امتداد للنظام وداعش، ولكن بلباس مغاير، لازالت الرقة في الحضيض، ولم يمد لها يد العون أي من الدول، وكل المنظمات بالداخل تعطي ما ندر للسكان، والباقي يتقاسمونه، فيما بينهم، نحن على اطلاع مباشر مع ناسنا وأهلنا هناك، الأمور من سيء لأسوأ وأصبحت مرآة لداعش مقلوبة، الفلتان وتعاطي المخدرات بالعلن، ولم يستتب الأمن، ولا الأمان، يتفاقم الفقر والجوع” ثم انتهت إلى القول ” الرقة بصراحة من يوم يومها مهضوم حقها، وكل ما كان يميزها طيبة أهلها، وكرمهم كان الله في عونهم”.
فواز مفلح معارض وناشط سوري أكد لجيرون أنه ” انتشرت وبشكل كبير زراعة نباتات تنتج من خلالها المخدرات في مناطق سيطرة ال pyd (قسد) منذ العام 2012 في منطقتي المالكية في شمال شرق الحسكة وعين العرب في شرقي حلب، وازدادت انتشارًا بعد سيطرة ال pyd على مناطق واسعة وأصبحت من المصادر المهمة قي تمويلهم، وتصلنا أخبار مؤكدة بانتشار واسع في استخدامها والطلب عليها في كل المناطق، ففي بلدة اليعربية الحدودية مع العراق ذات المجتمع المحافظ أصبحت مركزًا لترويج المخدرات بين جيل الشباب، وتهريبها إلى بلدات وقرى العراق الحدودية القريبة منها، وكذلك الحال في مدينة القرى ويتم العمل على ذلك بشكل ما عمدًا ووفق سياسة مدروسة من التنظيم الإرهابي، لتدمير جيل الشباب وزيادة متطلباته واحتياجاته المادية، ومن ثم استغلال تلك الحاجة لتجنيده، لكي يوفر المال اللازم لشراء ما يحتاجه من المخدرات، التي أدمن عليها ولم يعد يستطيع مقاومتها”. وأكد أيضًا ” إن مسؤولي ال pyd المسيطرين الحقيقيين والمسيرين لقسد هم من يتحملون المسؤولية عن ذلك الفعل المستهتر بحياة جيل كامل، وقد يدفعون المراهقين في نفس الاتجاه لتغيير سلوكهم وزجهم باتجاه معسكراتهم التدريبية، التي تحتاج للمزيد من المقاتلين دون النظر بالمخاطر الصحية والمجتمعية التي سيتسببون بها جراء هذه السياسة الخطيرة، التي باتت تهدد حياة الشباب من عمر 14 وحتى 30 عام، إن زراعة وإنتاج المخدرات وبشكل متعمد تأتي كعامل مساعد للدعم المالي لهذا التنظيم الإرهابي، وسيكون ذلك تدميرًا حقيقيًا للمجتمع والروابط الأسرية التي يعمل التنظيم على تفتيتها منذ سيطرته على مناطق واسعة تصل إلى 30% من مساحة سورية ويقطن فيها وتحت سيطرته اليوم ما يقارب 3.5 مليون سوري “.
المصدر: جيرون