نفّذت التنظيمات الجهادية المتمركزة في جبل التركمان وريف حماة الشمالي وسهل الغاب، من أطراف إدلب، عمليات عسكرية محدودة خلال الأسبوعين الماضيين ضد مواقع مليشيات النظام، بعد توقف دام لأكثر من شهر بعد توقيع اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، حول ادلب. وما تزال هذه التنظيمات متواجدة في المنطقة العازلة “منزوعة السلاح”، وتحتفظ بمواقعها ونقاط رباطها المتقدمة في خطوط التماس مع المليشيات. ولم تنجح المساعي التركية حتى الآن في إبعادها عن المنطقة سلماً، بل زادت التحركات الأخيرة للتنظيمات الجهادية، المخاوف التركية من استمرار عملياتها وحصول تصعيد غير متوقع.
وخاض تنظيم “حراس الدين” الجزء الأكبر من العمليات وأشغل محاور متعددة باشتباكات متقطعة مع مليشيات النظام في جبل التركمان وسهل الغاب، واستهدف بقذائف الهاون والمدفعية مواقع المليشيات. وفي آخر عملياته، أعلن “حراس الدين” الذي يقود “غرفة عمليات وحرض المؤمنين” عن قتله العقيد سامر أديب سلوم، وجرح 10 عناصر من المليشيات على الأقل بعدما استهدف بالمدفعية معسكراً تابعاً للمليشيات قرب جورين في 6 تشرين الثاني/نوفمبر.
وكانت عمليات تنظيمي “جنود الشام” بقيادة مسلم الشيشاني، و”الحزب الإسلامي التركستاني”، ومجموعات جهادية أخرى أصغر حجماً، أقل حدة من عمليات “حراس الدين”. ومن عادة هذه التنظيمات الصغيرة العمل بصمت، وتنفيذ عملياتها بشكل سري بعيداً عن الإعلام بخلاف التنظيمات الجهادية الأخرى كـ”تحرير الشام” و”حراس الدين”.
لم تكن التنظيمات الجهادية الصغيرة قادرة على تنفيذ عملياتها الأخيرة ضد المليشيات في خطوط التماس، من دون رضا “تحرير الشام”، أو بدفع منها. “تحرير الشام” كانت قد منعت وقوع أي تحرك مشابه ضد المليشيات، من قبل تلك التنظيمات الجهادية ذاتها، على مدى شهر تقريباً، بعد توقيع الاتفاق. ويعود ذلك إلى وقوع أغلب مقار وأماكن انتشار عناصر هذه التنظيمات في مناطق نفوذ “تحرير الشام”، وهي الأمر الناهي فيها. وحدث أن منعت “الهيئة” تنظيم “حراس الدين” مطلع تشرين الأول/أكتوبر من القيام بأكبر عملية هجومية وحملات قصف مدفعية مفترضة في ريف اللاذقية ضد مليشيات النظام، بل وأجبرته على سحب عتاده الثقيل نحو مناطق العمق بعيداً عن الحيز الجغرافي للمنطقة العازلة “منزوعة السلاح”.
المواجهات الأخيرة جرت بأمر من “تحرير الشام”، أو قادة بارزين فيها يعرف عنهم رفضهم تطبيق الاتفاق التركي-الروسي. ولقيت الهجمات وعمليات القصف التي شنتها التنظيمات الجهادية مباركة واستحسان مجموعة كبيرة من القادة في “تحرير الشام”. التحرك العسكري للتنظيمات الصغيرة حتماً يخدم “تحرير الشام”، وتزامن مع العملية التي نفذها “جيش أبو بكر” التابع لها ضد مواقع المليشيات غربي أبو ضهور في ريف ادلب الشرقي قبل أيام. وكذلك مع المناورات العسكرية التي أجرتها “الهيئة” في ريف ادلب الجنوبي، وأخيراً المناورات العسكرية في ريف ادلب الغربي.
وعلى الرغم من نجاح التيار الأقوى في “تحرير الشام”، الموافق على تطبيق الاتفاق، في امتصاص غضب التيار المناهض له في صفوف “الهيئة” وإضعافه، إلا أن الخلافات بينهما طفت إلى السطح. واستغل أنصار التنظيمات الجهادية الصغيرة، خاصة “حراس الدين”، تلك الخلافات، لمهاجمة قيادة “تحرير الشام” وقادتها من أنصار الاتفاق، فوصفوها بالعمالة، والبراغماتية، وتغيير خطابها بما يناسب مصالحها. وعملت التنظيمات الصغيرة على جذب التيار الرافض للاتفاق ضمن “تحرير الشام”.
وبدت قيادة “تحرير الشام” مضطرة لإفساح المجال أمام التنظيمات الصغيرة، والقادة وجماعة المهاجرين في صفوفها المناهضين للاتفاق، للقيام بعمليات محدودة ظاهرياً للتخفيف من الاحتقان وسط التيار الجهادي. في الوقت ذاته، هي فرصة ذهبية لقيادة “تحرير الشام” لإيصال رسائل إلى المسؤولين في المخابرات التركية المسؤولين عن ملف ادلب الذين رفضوا كل العروض التي قدمتها “الهيئة”. وفي الوقت ذاته، تقوم بعملية فرز للجماعات في صفوفها، ودفع المُقربين من التنظيمات الجهادية الصغرى للالتحاق بها.
وحاولت “تحرير الشام” من خلال مناوراتها عسكرية بالأسلحة الحية ومشاركة “جيش النخبة” وتشكيلات ذات تدريب عالٍ، بريف ادلب، الظهور بمظهر القوي الذي بإمكانه حماية الاتفاق وضبط التنظيمات الجهادية ودفعها للالتزام به، أو تعطيله إن أرادت ذلك. وفي الاتجاه ذاته، أرادت “الهيئة” توظيف زيارة القائد العسكري والأمني أبو مالك التلي، إلى جبهات جبل التركمان قبل أسبوع برفقة قائد “جنود الشام” مسلم الشيشاني.
ويعتبر التلي العصا التي ترفعها قيادة “تحرير الشام” بوجه العناصر والجماعات التي تعارضها في الوسط الجهادي. إذ نفذ الرجل، سيئ الصيت، لصالح “الهيئة” عمليات أمنية وحملات دهم واعتقال مؤخراً ضد مجموعات وعناصر مهاجرة ومحلية في ادلب وريفي حماة واللاذقية. كما قاد التلي مؤخراً حملات أمنية في ريف حلب الغربي. ولدى التلي تشكيلة واسعة من العناصر من مختلف البقاع السورية التي انسحبت منها مجموعات “تحرير الشام”.
من مصلحة “تحرير الشام” الإبقاء على التنظيمات الجهادية الصغيرة في محيط ادلب على وضعها وانتشارها الحالي حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، على الأقل، واستغلالها والاستفادة من تحركاتها، إلى أن تتوصل مع المسؤولين الأتراك في ملف ادلب وقوى المعارضة المسلحة في “الجبهة الوطنية للتحرير” على اتفاق يضمن مصالحها، ويحقق الحد الأدنى من مطالبها. وفي حال تحقق لها ذلك قد يكون لها تأثير عملي لصالح إبعاد هذه التنظيمات عن المنطقة العازلة وتفكيكها في ما بعد.
المصدر: المدن