تغيرت لهجة روسيا تجاه التزام تركيا بتطبيق “اتفاق سوتشي” قبل أيام على اللقاء الذي سيجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في أنقرة، والذي حدد يوم غد الاثنين، حسب الرئاسة التركية.
وأشارت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، يوم الخميس، إلى أن “عملية فصل المتشددين عن فصائل المعارضة المعتدلة في المنطقة منزوعة السلاح في منطقة إدلب السورية لم تتحقق بعد”، معتبرة أن العملية التي بدأت في إطار اتفاق بين الدولتين في17 أيلول (سبتمبر) “لم تنجح رغم الجهود التي بذلتها أنقرة”.
واستبق زاخاروفا المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، بانتقاد أنقرة، معلقاً على تطبيق الاتفاق، قائلاً: “العسكريون الأتراك لم ينجحوا بعد في تنفيذ جميع التزاماتهم بموجب اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب وفق الاتفاق الروسي التركي”.
وأكد أن موسكو “تتابع الجهود المبذولة من قبل أنقرة بموجب الاتفاق”، لافتاً إلى أن انتهاكات وقف إطلاق النار في منطقة “خفض التصعيد” في إدلب انخفضت إلى الربع تقريبا في شهر تشرين الأول (أكتوبر).
وأكدت تركيا على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، أنها ستكون “أول المتدخلين ضد المجموعات الراديكالية والإرهابية في محافظة إدلب في حال تصرفت بشكل مخالف لاتفاقية سوتشي”.
وفجر قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري، يوم الخميس، موقفاً جديدا لبلاده، يفيد ببقاء القوات الإيرانية في سوريا.
وأعلن نية طهران “إرسال قوات حفظ سلام إلى إدلب ومنطقة شمال غرب حلب بناء على طلب من الحكومة السورية”. وأضاف أنه “بناء على مفاوضات السلام الجارية بشأن سوريا، فقد طلبت دمشق من إيران إرسال قوات حفظ سلام إلى المنطقتين المذكورتين”.
وتابع قائد الحرس الثوري الإيراني أن “من المقرر أن يُرسل عدد محدود منها إلى تلك المناطق”، مذكراً بأن “جميع أفراد القوات الإيرانية في سوريا متطوعون وغالبيتهم مستشارون”. وهذه هي الرواية الرسمية التي حافظت عليها طهران منذ تدخلها في سوريا عام 2012، عندما اتخذت القيادة الإيرانية قرار التدخل المباشر إلى جانب النظام وكلفت قائد لواء القدس، قاسم سليماني، بالملف السوري.
ويعتبر تصريح جعفري بمثابة رد واضح على كل القائلين بقرب انسحاب إيران أو إخراجها من سوريا، وخصوصا أمريكا وإسرائيل حيث يعد اخراج إيران بمثابة العمود الفقري لاستراتيجيتها الجديدة في سوريا. فيما يبرز الإعلان الإيراني كرد على إسرائيل التي خاضت جولات متعددة من القصف الجوي على المواقع العسكرية في سوريا، ظنت معها أنها حدت من قوة دور طهران في سوريا وقلمت أظفارها بعد الهجوم على مطار التيفور والبيت الزجاجي في مطار دمشق (مقر العمليات الإيراني الرئيسي في دمشق)، وقاعدة جبل عزان التي تعتبر غرفة القيادة المركزية لحزب الله والميليشيات الشيعية والمحلية المدعومة ايرانياً.
ويؤشر كلام قائد الحرس الثوري إلى رغبة متوقعة في تواجد إيران على الطرق الدولية M-4وM-5، أي طريق حلب ـ اللاذقية وحلب ـ دمشق على التوالي، من خلال إشارته إلى أن تلك القوات هي “قوات حفظ سلام”، أي قوات حفظ أمن على الطرق الدولية.
الضغط الإيراني الهادف إلى إشراك طهران في تطبيق “اتفاق سوتشي”، سيحرج تركيا دون شك، فهي رفضت الآلية الروسية المقترحة من أجل تشكيل دوريات مشتركة للتفتيش في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل (منطقة الـ20كم) وفرضت على موسكو إبقاء الجزء المتعلق بالمراقبة الجوية بطائرات التجسس والاستطلاع وطائرات الدرون التي لم تفارق المنطقة يوماً وترصد تحركات الفصائل المعنية بالاتفاق، سواء لجهة السلاح الثقيل المتعلق بالفصائل المعتدلة، ممثلة بـ”الجبهة الوطنية للتحرير” أو “جيش العزة”، أو للفصائل التي سميت “إرهابية وراديكالية” حسب نص الاتفاق. وهي “تحرير الشام” و”حراس الدين” وباقي الفصائل الجهادية الصغيرة.
تطبيق الاتفاق:
ارتفعت خروقات الاتفاق مع الهجوم الذي شنته وحدة المهام الخاصة المشتركة الإيرانية وحزب الله ضد “جيش العزة” قبل عشرة أيام والذي أسفر عن مقتل وجرح العشرات من مرابطي الفصيل المذكور في منطقة الزلاقيات شمال حماة. وتعرضت المنطقة القريبة من نقطة المراقبة التركية في “تل الطوكان” بعد أيام من العملية ضد “جيش العزة” إلى عملية تسلل مشابهة لتلك التي حصلت في الزلاقيات، استغل خلالها المهاجمون الضباب الكثيف وسوء الرؤيا، لكن حذر مقاتلي “تحرير الشام” المرابطين هنا حال دون تمكن المهاجمين من خرق الجبهة والسيطرة على نقاط متقدمة باتجاه “الكتيبة المهجورة” قرب “المشيرفة” إلى الجنوب من نقطة المراقبة التركية.
كذلك، جرت اشتباكات عنيفة صباح الجمعة، شمال سهل الغاب، على محور قريتي فورو والسرمانية بين قوات النظام والفصائل “الجهادية” المنضوية في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، والتي ينضوي فيها كل من “حراس الدين وأنصار الإسلام وأنصار الدين وأنصار التوحيد”، فشل خلالها مقاتلو تلك الفصائل من إحراز أي تقدم على النقاط التي هاجموها.
وامتدت الخروقات لتشمل بلدة جرجناز التي تعرضت لقصف مدفعي عنيف من قوات النظام رغم قربها من نقطة المراقبة التركية في “الصرمان” في ريف معرة النعمان الشرقي، سقط خلال القصف سبعة قتلى من المدنيين.
وشهدت منطقة الراشدين والبحوث العلمية غربي حلب اشتباكات عنيفة، صد خلالها مقاتلو “الجبهة الوطنية للتحرير” هجمات متكررة باتجاه مناطقهم. وهذه هي المنطقة القريبة من نقطة المراقبة الإيرانية في الراشدين بوابة ريف حلب الغربي، والتي تقع على تقاطع الطرق الرئيسية خصوصاً M-4 و M-5وتتمركز النقطة على البوابة الجنوبية لمدينة حلب وتتمكن من رصد الحركة القادمة إلى حلب والخارجة منها في حال تشغيل الطرق الدولية حسب نص الاتفاق التركي ـ الروسي.
في سياق منفصل، علمت “القدس العربي” من مصدر سوري معارض مقرب من أنقرة، عدم توصل التقنيين الروس والأتراك إلى توافق فيما يتعلق بأسماء “اللجنة الدستورية” المكلفة صياغة دستور جديد في سوريا، وأن الخلاف كان حول أسماء مرشحي المجتمع المدني أو التكنوقراط الذين اقترحهم المبعوث الدولي الى سوريا استيفان ديمستورا. وتم تأجيل البحث في الأسماء ليعرض على الاجتماع المقبل للرئيسين اردوغان وبوتين، حسب ما أفاد المصدر.
التطورات التي استبقت القمة وتحديدا الهجمات الإيرانية، ستؤخذ بعين الاعتبار على أجندة الرئيسين، لكن يبقى بند تشغيل الطرق الدولية، وبند محاربة الفصائل “الإرهابية والراديكالية” على رأس مطالب الرئيس بوتين من الرئيس اردوغان. وربما يكون استعجال انقرة فتح الطرق وتأمينها برعاية تركية بمثابة قطع طريق على المطالب الإيرانية قبل تعقد المشهد وزيادة الضغط الإيراني.
المصدر: القدس العربي