مصير_ خاص
الفلتان الأمني في محافظة ادلب، وفي الشمال السوري خارج سيطرة النظام، يزداد اضطرادًا، ولا يمضي أسبوع إلا ونشهد كما يشهد سكان المحافظة أكثر من عملية تفجير، وأكثر من عملية خطف. وهذه المسألة باتت مقلقة جدًا، لجميع القاطنين في ادلب. ويتساءل الجميع لماذا كل هذا الفلتان، وهل بات من الصعب حله إلى هذا الحد، حتى أضحت مسألة التنقل من قرية إلى أخرى (ليلًا) شبه مستحيلة. ويتساءل الناس لماذا وإلى متى، وهل يمكن إيجاد الحلول لهذه الاشكالية، وهل تطبيق اتفاق سوتشي يحل القضية؟
بدورنا سألنا بعض النشطاء والفاعلين في المحافظة عن كل ذلك وقلنا هل سيستمر هذا الفلتان الأمني حتى لو تم تطبيق اتفاق سوتشي الخاص بإدلب كاملًا؟ وما أسباب هذا الفلتان؟ وكيف ترون الحلول الناجعة خروجًا من هذه الحالة؟
الدكتور منذر حاج درويش الطبيب المعروف في أريحا ومحافظة ادلب قال لمصير: ” أرى أن الفلتان الأمني في محافظة إدلب يعود إلى 1ــ غياب السلطة القوية الواحدة الفاعلة وغياب أجهزة الأمن الجنائي لكشف المجرمين ومحاسبتهم 2 ــ كثرة الفصائل والمجموعات المسلحة المتناحرة مع توافر السلاح لدى الغالبية 3 ــ تعدد الولاءات والانتماءات .4 ــ محاولة تصفية حسابات سابقة ولتأمين الموارد المالية من عمليات الخطف ولا ننسى أن هذه الأفعال تصب في مصلحة النظام. وأخيرا لابد للخروج من هذا النفق من سلطة قوية قادرة وفعالة ومدعومة عسكرياً وأمنياً. وإبعاد العناصر والمجموعات المسلحة عن الساحة قدر المستطاع. وأخيرا إعادة الحياة الطبيعية للمحافظة في ظل العدالة والحرية والأمان. واتفاق سوتشي قد لا يرى النور بسبب الخلافات والاعتراضات.”
الناشط والمعارض الدكتور أحمد ليلى يرى أن “هذا الفلتان له أرضيته الخصبة واستمراريته لا تتوقف على تطبيق اتفاق سوتشي من عدمه ، و أسبابه كثيرة منها تعدد الفصائل العسكرية في الشمال السوري وعدم وجود قيادة موحدة ، وجود ضعاف النفوس الذين كانوا معروفين قبل الثورة بميولهم الإجرامية وانضاف إليهم من ساقتهم سوء أحوالهم الاقتصادية وانتشار البطالة إلى تأمين لقمة العيش بأي ثمن وعلى حساب المبادئ والأخلاق ، انتشار ظاهرة التفكك الاجتماعي في المناطق المحررة وانعدام مفهوم الانتماء العائلي والقبلي الذي كان يشكل خطًا ثانيًا رادعًا عند المواطنين لأي عمل يستنكره المجتمع والناس ، ثم الفوضى الأمنية التي تعم كافة الشمال السوري فيحدث أن تتنقل في جميع الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام بدون أن تُسأل من قبل الحواجز العسكرية التابعة للفصائل والمنتشرة بكثرة عن أي إثبات للشخصية أو تفتيش للعربات المتنقلة بحثًا عن أي سلاح أو عبوات ناسفة ، وأيضًا غياب التنسيق والوحدة حتى بين تشكيلات الفصيل العسكري الواحد ، فترى مجموعات ضمن الفصيل لا تخضع لأية أوامر من قيادتها المشتركة أو حتى يكون انتماءها لفصيل معين هو غطاء على جرائمها وممارساتها الخارجة كهيئة تحرير الشام مثلاً .” الدكتور ليلى يعتبر أن الحل يكمن في ” إنشاء قوة أمنية موحدة بين الفصائل يتم اختيارها بعناية شديدة بحيث يجمع أعضاءها بين صفات الحس الأمني العالي وأسلوب التعامل اللطيف والمحترم مع الأهالي والمواطنين ، وأن يتحمل كل فصيل يدعي السيطرة على منطقة معينة المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة هذه المنطقة بتجمعاتها وطرقها ويكون هو المرجعية في حالة حدوث أية خروقات أمنية في المناطق التي يدعي السيطرة عليها، وضبط ظاهرة انتشار حمل السلاح و ارتداء الأقنعة، ومحاسبة كل من يقوم بأحد هذين العملين عبر محاكم علنية تردع كل من يفكر بممارسة مثل هذه التصرفات غير المسؤولة ، ثم نشر التوعية الاجتماعية بين المواطنين بإشراف المجالس المحلية ضمن كل بلدة ومنطقة ومدينة لأهمية الحفاظ على السلم الأمني وانعكاسه الايجابي على الحالة الاقتصادية والاجتماعية ضمن أي تجمع ، وانتشار الدوريات الأمنية الطرقية وضمن التجمعات السكنية خاصة في الليل والتي تساهم في ردع المجرمين وتضفي طابع الطمأنينة والارتياح عند الأهالي “.
عمر قربون الضابط السابق في احدى الفصائل العسكرية العاملة في ادلب قال لجيرون ” لا أعتقد أن تطبيق اتفاق سوتشي سينهي حالة الفلتان الأمني أو أي اتفاق آخر مالم تعالج أسباب هذا الفلتان، والتي تتلخص بعدة أسباب أهمها :عدم وجود جسم معارض موحد ينبثق عنه جهاز أمني تكون له سيطرة حقيقية على كامل الشمال المحرر بالإضافة إلى افتقار الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل إلى أدنى مقومات المهنية بالتعامل مع الأخطار والجرائم والقضايا التي تسبب الفلتان الأمني، ولا ننسى أن حالة الاقتتال بين الفصائل تؤثر بشكل كبير، فلكل فصيل منطقته التي يسيطر عليها، وبالتالي فإن المنفذين لعمليات الخطف أو التفجير أو أي جرم آخر يستفيدون من هذا الوضع من خلال التنقل بين هذه المناطق للهروب من الملاحقات الأمنية”. وأضاف قربون ” ما أعنيه بتشكيل جسم يجمع الفصائل ليس جسمًا عسكريًا وإنما جسمًا مدنيًا لإدارة المحرر، يكون متفقًا عليه من قبل الفصائل، وهنا يجب العمل على توسيع أو إعادة تشكيل حكومة الانقاذ لتمثل كل المعارضة في الداخل المحرر “. وعن الحلول الممكنة قال ” تكمن في معالجة المسببات التي ذكرت وعلى رأسها تشكيل الجسم الذي يجمع كل الفصائل وتوحيد القضاء وخضوع الجميع له واصدار أحكام رادعة بالإضافة إلى خضوع العاملين بالأجهزة الأمنية إلى دورات تخصصية في مجال عملهم أضف إلى ذلك الخلل الموجود بالمحاكم الموجودة والذي يتلخص بعدم إصدار أحكام رادعة بحق من يقوم بهذه الجرائم فبكل تأكيد إن من يأمن العقاب يسيء الأدب”.
أما رضوان الأطرش الرئيس السابق للهيئة السياسية في ادلب فأكد لنا أن ” الفلتان الأمني الذي يشهده الشمال السوري والذي بات يتكرر بشكل شبه يومي على صورة قتل أو تفجير أو اختطاف، مقابل فدية مالية، والذي بات يشكل مصدر قلق ورعب وخوف للمدنيين، كل هذه الظواهر السلبية تتكرر رغم سريان اتفاق سوتشي القاضي بوقف إطلاق النار، وأعتقد أن هذا الأمر سيتكرر، والسبب هو حالة التنافر الموجودة بين الفصائل وغياب التنسيق فيما بينها ولو بالحد الأدنى، مع عدم قدرة الشرطة الحرة على القيام بهذه المهمة، وربما هذه الظاهرة تطال كوادرها، ولابد من إيجاد حل جذري لهذا الفلتان والمتمثل بتفعيل أكبر لدور الشرطة الحرة ووجود جهاز أمن جنائي مختص وذو خبرة كافية في هذا المجال، هذا الجهاز الأمني يكون مدعومًا شعبيًا بالدرجة الأولى. ومغطى ماليًا من قبل الجهات المعنية”.
الناشط والمدرس رائد زين أحد مسؤولي المقاومة الشعبية في ادلب أكد لجيرون ” الفلتان الأمني في محافظة إدلب، وفي الشمال السوري خارج سيطرة النظام يزداد اطرادًا ، ولا يمضي أسبوع إلا ونشهد أكثر من عملية تفجير أو خطف وذلك بسبب الضعف اﻷمني الذي لا يبدو أن له أي حل قريب، فالخلاف الفصائلي وتوزع المناطق بين فصائل متناحرة يمنع التكامل اﻷمني في المنطقة، حيث يمكن ﻷي مجرم أن يهرب من منطقته ويسكن في منطقة فصيل آخر يعادي فصيل منطقته، كما أن حالة الفقر والبطالة أدت إلى انتشار العصابات المسلحة التي تصطاد فرائسها، وتمول نفسها دون أي رادع يذكر كذلك فإن وجود الجماعات التكفيرية التي تبيح لنفسها كل شيء يزيد أيضًا من نسبة الجريمة ، باﻹضافة إلى وجود خلايا نائمة لعصابة الأسد تقوم ببعض اﻷعمال التي تهدف منها إلى زرع الفتن في المحرر.” ثم تابع يقول ” حاليًا لا يبدو أن هنالك حلًا قريبًا في الأفق ، إلى أن تتحد اﻷجهزة اﻷمنية في المحرر ولا توجد مؤشرات حقيقية على وجود نية لذلك”.