أحمد مظهر سعدو
منذ انطلاقة ثورة الحرية والكرامة في آذار / مارس 2011 وحتى الآن. جرت المياه الكثيرة تحت الجسر، وحصلت تحولات كبرى، وتغيرت رؤى، وتبدلت اصطفافات، حتى باتت مسألة شكل الحكم المستقبلي في سورية متعددة الأشكال، ومتنوعة المسارات، بتنوع الأيديولوجيات، وتعدد الأثنيات، لذلك فإن هذه المسألة بقيت مجالا رحبًا لإبداء الرأي، ولكثير من وجهات النظر.
جيرون من جهتها سألت بعض السياسيين السوريين والباحثين لتقف على رؤياهم الجديدة، وتجول في كينونة سؤال: كيف يرون طبيعة وشكل الحكم المستقبلي في سورية؟ وهل ما حصل يخلق شكلًا مختلفًا ومتجددًا للحكم في الجغرافيا السورية حقًا؟
الباحث والسياسي السوري المعارض حسن النيفي أجاب قائلًا ” مع الأهمية التي يحظى بها مثل هذا السؤال، إلّا أنني لا أعتقد أنه يختزل الإشكالية الأم، أو القضية الجوهرية في الثورة السورية، فمشكلة السوريين لا تتمحور حول ماهية أو شكل نظام الحكم، بل تتجسّد في كيفية ممارسة الحكم، ذلك أن نظام الأسد الاستبدادي يمارس السلطة بعيدًا عن أي معايير أو ضوابط قانونية أو دستورية، ولكن فقط عبر منهجية القبض على جميع مفاصل السلطة، فضلًا عن امتهان البطش كوسيلة ضامنة للبقاء في سدة الحكم. ولكن مع ذلك، وبالعودة إلى سؤالكم، يمكن القول إن شكل الحكم البرلماني يمكن أن يكون ( من الناحية العملية ) هو الأقرب إلى تطلعات السوريين ، باعتبار السوريين جميعًا قد حرموا خلال عقود مضت من حقهم في صناعة القرار وممارسة السياسة.” وأضاف النيفي ” النظام البرلماني يعتمد على نشاط الأحزاب والكتل السياسية وعلى الحراك المدني والمجتمعي، وهذه الأمور لم يعهدها السوريون من قبل، ولكن يمكن التساؤل أيضًا، هل المجتمع السوري تتوفر فيه حالة حزبية ناضجة؟ ربما يقودنا هذا السؤال أيضًا إلى الإنصات لشريحة ليست قليلة من السوريين، ترى أن نظام الحكم الرئاسي يمكن أن يكون أكثر ملاءمة للحالة السورية، خاصة إذا وُجد دستور جديد للبلاد يحدد بدقة صلاحيات رئيس الجمهورية، أي لا تكون كما كانت مطلقة، وكذلك يعطي صلاحيات أكبر لرئيس الوزراء، أي لا تكون رئاسة الوزراء (كما هي الآن) مجرد حالة إدارية، بل مؤسسة سيادية. أكرر القول، زاعمًا أن شكل الحكم لن يكون كما لم يكن من قبل هو المشكلة، بل المسألة الأهم أن يكون الدستور والقانون هو الناظم للعلاقة بين الفرد والدولة في سورية الجديدة.”
الكاتب والمعارض السوري جبر الشوفي قال لجيرون ” لاشكّ أنّ ما وصلنا إليه من توزيع للجغرافيا السورية بين مناطق احتلال ونفوذ وتابعيين سوريين لكل حالة أو دولة، بما فيها الدول الضامنة للنظام، هو بحدّ ذاته أكبر المعوقات والعقبات في طريق الوصول إلى حلّ سياسي، يتبنى إقامة حكومة وحدة وطنية انتقالية، وفق 2454 وقرار جنيف1 الذي يحتاجه ويرغب به السوريون، باعتباره الحل الأكثر عقلانية وواقعية وصولًا إلى تحقيق شروط العودة الآمنة إلى الديار وإعادة إعمار النفوس والحجر والمصالح المشتركة، وتأمين السلم الأهلي والاجتماعي ومحاسبة من أجرموا بحق الشعب السوري عبر آليات العدالة الانتقالية. ومن الواضح أن تحقيق العدالة والمساواة وأخذ الحقوق القومية الخاصة للكرد والإثنيات المختلفة، وكذلك لجميع العقائد والديانات، ليست هي مجرد رغبات رومانسية وليست مفاهيم مسبقة وجاهزة، بل هي الحل الواقعي الممكن والوحيد، لإيجاد حلول دائمة للنزاع السوري السوري، وضمان الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها واستقلالها، ومنع أي شكل من أشكال التقسيم أو الاستبداد من العودة إليها .وأكد الشوفي أيضًا ” أن التطلع إلى قيام الدولة الوطنية ( دولة الحق والقانون) يرتبط واقعيًا بالتحرر والسيادة على القرار الوطني وإنهاء الأدوار الملتبسة لكل من يراهن على آستانة وسوتشي والدور الروسي وما يتوافق معه، وأمام صعوبات الواقع السوري وتعدد الرؤى، يمكن أن تكون الدولة الاتحادية وسيلة للوصول إلى الدولة الوطنية التعددية، باعتبارها تفسح في المجال للمناطق ذات الخصوصيات للوصول لنوع من الإدارة الذاتية بصلاحيات موسعة واستثنائية وفقًا لكل حالة، مع الحفاظ على وحدة الجيش والسياسة الخارجية والأمن والمالية كقطاعات مشتركة ومركزية.” ثم يقول وينبه إلى أن ” الهام هو الخروج من هذا الضياع خلف مسارات تفاوضية غير مجدية، وسحب شرعية المفاوضين المرتهنين لإرادة دول، وقوى تدّعي أنها تسعى لمصلحة السوريين والوضع السوري قبل ذلك. ثانيًا : إن قبولنا بالحدّ الأدنى الواقعي والممكن، ما كان له أن يكون مطلبًا للثورة السورية ولا يحقق مصالح السوريين ومطالبهم التي قاموا وقدموا الضحايا من النفوس والأموال من أجلها، ولكن خديعة الدول الحليفة وتخليها وترك المجال للدول الحليفة للنظام لتحقيق تقدمًا في الصراع العسكري، وكسب المزيد من الأراضي، وارتكاب مزيد من الجرائم من دون وجود قوى رادعة أو حتى داعمة لقوى الثورة السورية في التصدي للعدوان، وأمام التهجير والوضع الإنساني المتفاقم، تبدو هذه الحلول البراغماتية أفضل الممكن والمتوفر، بل يجعله مطلبًا عزيزًا، إذ لم يتضح حتى الآن، أن هناك نوايا حقيقة عند الروس وإيران ودول أخرى للوصول إلى هذا الحد الأدنى كمرحلة أولى من مسار الحلول الدائمة، والتي لا تنتهي ما دام نظام البراميل والكيمياوي قائمًا، وسيكون صعبًا قيامه من دون دعم دولي حقيقي للانتقال السياسي وإعادة الإعمار والاستقرار لبلادنا “.
الكاتب والأديب السوري أسامة الحويج العمر تحدث لجيرون بقوله ” عندما بدأت الثورة السورية عام ٢٠١١ كنت متفائلًا لجهة التخلص من نظام استبدادي حول سورية إلى مزرعة خاصة له والشعب السوري إلى عبيد، اعتقدت بأن الأمر لن يأخذ أكثر من بضعة أشهر لتتحول سورية إلى نظام ديمقراطي يضمن للشعب حقوقه، لكن شيئًا فشيئًا بدأت تتضح الصورة لأكتشف كم كنت مخطئًا بعد القمع الوحشي الذي تعرض له المتظاهرون السلميون من قبل النظام وظهور جماعات متطرفة كداعش وغيرها وتدخل القوى الكبرى وإيران لصالح الابقاء على النظام بأي ثمن دون أن يأخذوا بعين الاعتبار مصالح الشعب السوري وحقه في الحرية والديمقراطية”. ثم قال العمر بوضوح ” أنا لست متفائلًا بشأن الحكم المستقبلي في سورية فالحكم الأسدي سيزداد وحشية وتسلطًا أكثر من ذي قبل والفساد سيزداد تجذرًا والطائفية التي زرع الأسد الأب بذورها ستنمو وتنتج ثمارها السامة أكثر وأكثر، طالما بقيت سياسة الإفلات من العقاب هي السائدة في العالم، وطالما بقيت العصابة الأسدية ومن يقف معها هي التي تتحكم برقاب السوريين”.
المصدر: جيرون