يقول الباحث طلال مصطفى ” شخصية الشبيحة هي الشخصية التي تتسم بسلوك عدواني وتسلطي ودموي، وهو نمط من السلوك الذي يتصف بالغش والخداع والتهور والاندفاعية بدون اعتبار للنتيجة لسلامته وسلامة الآخرين، فضلًا عن القسوة الزائدة على الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، وعدم تقدير المسؤولية مع الاستهتار الشديد وعدم إبداء أي اهتمام لمشاعر أو حقوق الآخرين.”.
شاعت في الآونة الأخيرة وتعممت الشخصية التشبيحية، وهي التي نمت وترعرعت في ظل القتل والهدر لإنسانية الإنسان على يد الإجرام الأسدي. وهو ما شجع الكثير من الباحثين والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين إلى البحث في ماهية هذه الظاهرة، التي نتجت عن واقع قمعي طائفي أراده النظام السوري من أجل تثبيت أركانه وتعميق هيمنته على المجتمع لفترة زمنية قادمة، قد تطول أو تقصر كما يحب ويشتهي، رغمًا عن أنف الناس الذين يرفضون هذه السياسة.
الشخصية التشبيحية باتت من الظواهر المقلقة للناس كل الناس، ولم يعد بالإمكان تجاوزها، أو إلغاءها ببساطة، من هنا جاءت أهمية التعاطي مع هذه المسألة، ودراستها علميًا، وسياسيًا، وصولًا إلى إنهاء هيمنتها على المجتمع السوري، كظاهرة سيئة تعيق أية عملية إنجاز لانتقال سياسي في المستقبل، إن حصل.
جيرون توجهت لبعض الباحثين والمهتمين والمتابعين لهذه الظاهرة وسألتهم عن تصورهم لسمات هذه الشخصية؟ وكيف تشكلت؟ ومن ثم ماهية علاقاتها مع الناس في ظل هذا الهدر والاستباحة لكل شيء في المجتمع السوري؟
الباحث طلال مصطفى أستاذ علم الاجتماع أكد لجيرون بقوله”حتى نقدم نظرة شاملة للشخصية التشبيحية (الاجرامية) لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العوامل الآتية: – تاريخ الشخصية التشبيحية منذ ولادته، وطرق تربيته ومجموع الخبرات المكتسبة التي تؤثر في تكوين شخصيته وتعد هذه النقطة من العوامل الهامة في كيفية انحرافها وتشبيحها. – العوامل الداخلية والمتمثلة في مجموع الصفات الشخصية التي يتسم بها الشخص التشبيحي، حيث يكون مزودًا بها وهي ذات تأثير على طباعه وسلوكه وعلاقته بالآخرين. – المؤثرات الخارجية وتشمل مجموع المثيرات البيئية التي يستقبلها الشخص التشبيحي ويستجيب لها وتؤثر في تصرفاته. فالشخصية التشبيحية هي نتاج مجموعة من العوامل المتشابكة التي تشمل الجوانب الوراثية والاجتماعية والاقتصادية، والقدرات العقلية والخبرات المكتسبة، والحالة المزاجية والانفعالية، فضلًا. عن العوامل البيئية والثقافية الأخرى.” وبناء على ذلك عرف مصطفى الشخصية التشبيحية قائلًا
” هي الشخصية التي تتسم بسلوك عدواني وتسلطي ودموي، وهو نمط من السلوك الذي يتصف بالغش والخداع والتهور والاندفاعية بدون اعتبار للنتيجة لسلامته وسلامة الآخرين، فضلًا عن القسوة الزائدة على الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، وعدم تقدير المسؤولية مع الاستهتار الشديد وعدم إبداء أي اهتمام لمشاعر أو حقوق الآخرين. أما في سورية فيعود مصطلح الشخصية التشبيحية إلى الثمانينات، وتحديدًا في مدينة اللاذقية وريفها، وكان يرتبط بشباب عائلة الأسد، الذين يعملون بالتهريب، لكل ما هو ممنوع في سورية، من خلال الحماية التي وجدوها بحكم حافظ الأسد، وقد مارسوا كل أنواع السلطة والعنف والقهر بحق السوريين، وكانت تقمع هذه الظاهرة من قبل النظام عند حدوث اصطدام بالمصالح بينهما، ومثال ذلك الاصطدام الذي حصل بين باسل الأسد عام 1983 وعصابات العائلة الأسدية، حيث كان يتم تحضيره لوراثة أبيه بدل عمه رفعت الأسد، هذا من ناحية تاريخ النشأة، أما انتشارها الكثيف في كل أنحاء سورية فظهر عام 2011 بعد انطلاق الثورة السورية، وكان إيعاز تشكيل هذه المجموعات التشبيحية ذات الصفات الاجرامية، تم من أعلى المستويات وبالتحديد من تعليمات بشار الأسد. بحيث تم اصدار العفو العام من رئيس الجمهورية عن كافة المجرمين والمنحرفين في السجون السورية، والتوجه لتجنيدهم كشبيحة في مواجهة السوريين المتظاهرين في المدن والبلدات السورية، بكافة أنواع العنف، بما فيه التصفية الجسدية بالرصاص، وأيضًا روج النظام أن نتيجة مطالبة البعض من السوريين بالحرية، كانت هذه النتيجة، وهي تشكل عصابات التشبيح. وقد تم تشكيلها من قبل كافة المرضى والمنحرفين اجتماعيًا والمنبوذين من أسرهم، والفاشلين تعليميًا ومهنيًا، وبالتالي لديهم عداء مضمر للمجتمع وللناس.” وانتهى مصطفى إلى القول ” بهذه التشكيلات العسكرية التشبيحية غير المنطوية تحت أي لائحة قانونية أو أخلاقية وجدو الوسيلة التي يعبروا بها عن شخصياتهم الحقيقية المقموعة بقوة الضوابط الاجتماعية قبل 2011.”.
الشاعرة والأديبة السورية نائلة الإمام قالت لجيرون ” اعتقادي إن أسباب هذا التشبيح تعود إلى عوامل كثيرة متداخلة، لا تقتصر على الفقر والبطالة ونظام العصابة، الذي أفسد كل جوانب الحياة، من الاعلام والتعليم والحياة الاقتصادية، وتدخل حتى في الدين، فحاربه وشوهه واشترى ضمائر الكثير من مشايخ السلطان والعلماء، الذين روجوا لفساده ورسخوا حكمه واستبداده فأصبح مبدأ، (قَبِّل اليد راكعًا وادع عليها بالكسر)، هو الرائج، وبسبب القهر والفقر ساد النفاق والسعي وراء كسب العيش بطرق غير مشروعة، واعتمادًا على إطلاق هذا النظام يد اللصوص المقربين من عائلته، وبسبب مراكزهم في أجهزة أمنه بطشوا بالمواطنين، وأشاعوا الخوف من مصير من سبقهم ممن قضوا تحت التعذيب، ناهيك عما فعلته مجازر هذا النظام الرهيبة في النفوس” ثم قالت الإمام ” نحن بحاجة بعد سقوط هذا النظام، إلى تكاتف جهود المربين ورجال الإعلام والعلماء والمفكرين والأدباء لبناء أجيال جديدة على الحرية والكرامة والجرأة والصراحة ورفض الذل والنفاق والإيمان، والعمل لبناء سورية الغد، والقضية تحتاج إلى وقفة أكثر تأنيًا وعمقًا وهذا ما يجعلني أفكر بقصيدة عن ذلك .”
عبد الرحمن دقو الاختصاصي النفسي تحدث لجيرون عن الشخصية التشبيحية قائلًا” تجمع الشخصية التشبيحية سمات كل من الشخصية العدوانية والمنعدمة الضمير ويمكن تسميتها (الشخصية السادية السايكوباتية). عدم الاحساس بمشاعر الذنب فيما تقوم به، التلذذ بما تسببه من أذى للآخرين. لا تعترف بالقانون أيًا كان مصدره، قانوني، أخلاقي، ديني، وهو لا يمتلك حدود إشباع شهوته في النيل من الآخر أيًا كان موضوع تشبيحه، يستخدم كل ما هو متاح له لتنفيذ سلوكه التشبيحي ، يستخدم المنطق، الدين، الاختصاص العلمي، الوظيفة، المهنة، وهي تتواجد في كل بيئة اجتماعية سواء موالية أو معارضة ، علمية تربوية ، سياسية ، تجارية ، مهنية ، اجتماعية ، ومن الصعوبة اكتشافها أو ظهور أعراضها بشكل علني إنما إن ظهرت تفعل أي شيء غير متوقع ، قتل ، دمار ، سرقة ، نهب ، اغتصاب ، تشنيع ، النيل منال ممتلكات خاصة أو عامة .ليس لها محددات جسدية تميزها عن غيرها .يمكن أن تكون ضحيتها أيًا كان من أسرته ، أقاربه ، أصدقائه ، جيرانه ، بمدرسته ، بعمله ، لا تؤمن بأية قيم روحية على اختلاف الأديان ، وتترصد ضحاياها وتنقض كالضباع عليهم و تؤذي اللاجئين والمعتقلين والمغيبين والمخطوفين والناشطين والأحرار “. وأضاف دقو ” أنواع الشخصية التشبيحية تبعًا لمجالات نشاطها: شخصية تشبيحية سياسية، للنيل من السياسيين المخالفين لمن يستأجره، شخصية تشبيحية مادية: للتعفيش بكل أشكاله، شخصية تشبيحية إدارية وقانونية: للنيل من حقوق ومراكز الضحايا ممن ترك وظيفته أو اعتقل بسببها أو من ممتلكات الغائبين عبر التلاعب بوثائق ملكياتهم شخصية تشبيحية دينية: للفتاوى وتقليب الرأي العام ومصادرته لحساب من يدفع أكثر ويصب في جيوبهم ولمصالحهم شخصية. تشبيحية علمية: في مجال التربية والتعليم وضحاياهم من الطلبة والمعلمين والعاملين في هذا المجال. وهكذا يمكن إضافة أصناف أخرى تبعًا للمجال المشبوح.” وعن تشكيل أو تشكل الشخصية التشبيحية قال “ يبدو أنه لا توجد دراسات أو بحوث علمية تتناول هذا النمط من الشخصية إلى الآن لتحديد عوامل تشكل الشخصية التشبيحية، ولكن يمكن تحليل هذه الظاهرة وتقدير العوامل المشكلة لها :عامل سياسي بمعنى صناعة أمنية بامتياز، إما بشكل مباشر أو غير مباشر .عامل حزبي تبعًا لمنهجية التنظيم السياسي الممول للشبيح ، عامل أخلاقي تبعًا لانضمام فرد ما إلى بيئة تشبيحية فيتم إعداده وتأهيله للتشبيح ، بدعوى الجهاد أو بدعوى الدفاع عن النظام، أو بمبررات الغنائم أو التخوين أو التكفير، ومنشأ الشخصية هو منشأ كامن منظم من جهة أمنية متخصصة يتم إطلاق العنان لنشاطها في المظاهرات والثورات والتمرد على الطغاة” أما عن علاقاتها مع الناس في ظل الهدر والاستباحة لكل شيء في المجتمع السوري فقال ” يبدو أن العلاقة بين الشخصية التشبيحية وبين المواطن السوري قائمة على :الرعب والترهيب حيث يتجنب المدنيون من الناس لكل من يمارس التشبيح في غياب القانون والضابطة لمثل هذه الأشكال من السلوك أو التسليم المطلق للشبيحة من باب القبول بالأمر الواقع والاكتفاء بما خسروه”.