رائد الصالحاني
أصدرت “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة” السورية، الأربعاء، أمراً إدارياً يستبعد الاحتياطيين المدعوين، غير الملتحقين، من مواليد عام 1981 وما قبل، وينهي الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد من المواليد ذاتها. وأوضحت “القيادة” في بيان لها: الأمر الإداري ينهي الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد المحتفظ بهم والاحتياط المدني من مواليد العام 1981 وما قبل.
مصادر “المدن” في وزارة الدفاع وصفت القرار بـ”الأكثر جرأة”، إذ سُرّح بموجبه آلاف المقاتلين الذين تجاوزت أعمارهم 38 عاماً، وكذلك أنهى الاستدعاء الاحتياطي للمطلوبين غير الملتحقين للشريحة العمرية ذاتها. أي، أسقطت الخدمة والدعوة، الاحتياطية، لكل من تجاوز عمره 38 عاماً. ومن كان مُتخلفاً عن الخدمة الاحتياطية، سيعود مدنياً غير مُكلف أو مُلاحق أمنياً، اعتباراً من 15 شباط/فبراير.
وشمل القرار الصادر عن قيادة الجيش، إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط المُحتفظ بهم والاحتياطيين، سواء التحقوا أم لم يلتحقوا، ممن هم من حملة شهادة الدكتوراة، من دون تحديد عُمرٍ مُعين لتطبيق هذا القرار. ما يعني تسريحهم من الجيش، ليعودوا مدنيين.
ويأتي هذا القرار المُفاجئ بعد أسبوع واحد من قرار سبقه أُعفي بموجبه كل من أتم 42 عاماً، من الخدمة الاحتياطية، وأنهي الاحتفاظ بالمُلتحقين منهم. وبعد أربع أشهر من تكثيف حملات الاحتياط، وإصدار قوائم عبثية، شملت من تجاوزوا الـ45 من العمر، في مُخالفة واضحة للقانون العسكري الذي يحصر حالات الدعوة الاحتياطية بالفئات العمرية تحت سنّ الـ42.
مصدر عسكري في وزارة الدفاع، قال لـ”المدن”، إن القرار المفاجئ الذي تزامن مع أضخم حملة أمنية لسوق الشبان والرجال للعسكرية، يعود إلى تنازع القرار العسكري في سوريا، بين أطراف متعددة. ووصف المصدر آلية اتخاذ القرارات خلال الآونة الأخيرة، بـ”لُعبة شد الحبل”، بين ثلاثة أطراف؛ الضباط العلويون من أصحاب القرار، وضباط روس وسوريون موالون لهم، وإيران وحاشيتها. وتعيش هذه الأطراف صراعاً واضحاً على السلطة واتخاذ القرارات، خاصة المُتعلقة بتسريح المقاتلين وإلغاء التجنيد والحملات الأمنية.
وكانت “المدن” قد نشرت سابقاً مقالاً عن تحالف من ضباط النظام العلويين، استطاع نسف مرسوم العفو الجمهوري عن 800 ألف مطلوب، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، لتعاد صياغته بحسب فهم التحالف. وأطلق تحالف الضباط العلويين حينها يد الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية، لاعتقال المطلوبين، وسط تعميم قوائم عشوائية بأسماء آلاف المطلوبين للتجنيد الاحتياطي.
القرارات الصادرة منذ مطلع العام 2019، لتسريح وإنهاء استدعاء الفئات العمرية الكبيرة، جاءت بأوامر روسية بعد ضغط كبير على قيادة الجيش ووزارة الدفاع. مصادر “المدن” أشارت إلى وجود ضغط روسي على بشار الأسد، شخصياً، لـ”تمرير القرار من دون شوشرة”، وفرضه على رافضي موضوع التسريح وإيقاف التجنيد العشوائي. وضغط الروس ليكون القرار غير قابلاً للتعديل أو التفسير المُغاير لما جاء فيه.
ووفقاً لمصادر “المدن”، فإن أروقة وزارة الدفاع شهدت حالة من التخبط فور إعلان القرار الإداري الجديد، الذي صدر من دون علم كثير من الضباط في الوزارة الرافضين لتسريح وإعفاء الفئات العمرية الكبيرة، خاصة في حالات التواري. ويميل أولئك الضباط لإبقاء المُحتفظ بهم في الخدمة، رغم مرور أكثر من ست سنوات على مجندي الخدمتين الإلزامية والاحتياطية.
وأخبر الروس ضباط وزارة الدفاع من رافضي القرار، وفقاً لمصادر “المدن”، أن الجيش ليس بحاجة لمن قاربوا الأربعين من عمرهم، خاصة مع وجود مئات آلاف المجندين في الخدمة الإلزامية ممن سيلتحقون بقوات النظام، في غضون شهرين بعد انتهاء تأجيلهم الدراسي، أو مع انتهاء مهلة “التسوية” في مناطق “المصالحات”.
وأكدت مصادر “المدن” أن الروس طالبوا استخبارات النظام بوقف “العبث” في الأمور التي تتعلق بمصير الدولة، مؤكدين أنهم يسعون جاهدين لإعادة سوريا إلى موقعها السياسي العربي والدولي، وإن وقف التجنيد والاعتقال وسحب الناس من الشوارع، وإعطاء الأمان لعودة الهاربين من التجنيد، يُعتبر من الأمور الأولوية والهامة من أجل ذلك.
وبحسب مصادر “المدن”، فإن مجموعة من القرارات والمراسيم الخاصة بالجيش، وإنهاء الاحتفاظ، ستصدر خلال فترة قريبة. وأشارت المصادر إلى أن الضباط العلويين والإيرانيين، سيحاولون إيقاف تلك القرارات، وتعطيل المساعي الروسية، بأي وسيلة كانت، ما يعني استمرار عمليات التجييش والتجنيد إلى أجل غير مُسمّى.
القرارات الأخيرة، وإعفاء كل من تجاوز عمره 38 عاماً من الخدمة الاحتياطية، سيفتح باب العودة لشريحة من السوريين، المغتربين أو اللاجئين، في الخارج. فالقرار بات رسمياً، بضغط روسي، وليس ممكناً التراجع عنه، إذ لم يُذيّل كسابقه بعبارة: “الطلب عند الحاجة”.
المصدر: المدن