عمار الحلبي
يرى المدير المساعد للمرصد الروسي الفرنسي إيغور دولانويه، أن إلحاق ثمانية (أطفال أيتام) سوريين بالأكاديمية العسكرية لخدمة العتاد والتقنية (سان بيترسبورغ) في بداية سبتمبر/ أيلول 2018 لكي يتلقوا تكوينهم كضباط، يعد مؤشرا على سعي روسي لإعادة هيكلة جيش النظام السوري، الذي تعمل موسكو على دمج الوحدات شبه العسكرية التي جهزتها وكوّنتها داخله لجعلها مستقبلا رأس حربته.
وتعول روسيا على القرب الثقافي التاريخي الموجود بين الدوائر العسكرية السورية والروسية، من أجل ترسيخ النفوذ وصناعة نواة صلبة مستقبلية في الجيش السوري، بحسب ما جاء في مقال نشره موقع أوريان 21 لدولانويه المتخصص في الشؤون الروسية المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع.
صقور الصحراء
في يناير/كانون الثاني 2017 جرى إدماج وحدة “صقور الصحراء” المكونة من جنود سوريين سابقين، والتي تكفل الروس بتجهيزها بالعدة والعتاد في الجيش السوري كما أوضح الخبير دولانويه، ويأتي هذا القرار بعد 4 أعوام من صدور مرسوم تشريعي عن رئيس النظام السوري، برقم 55 في السادس من أغسطس/آب 2013، يقضي بمنح التراخيص لشركات الحماية الأمنية والحراسة الخاصة، والذي تأسّست “صقور الصحراء” بعده لتبدأ عملها بحماية حقول نفطية في ريف حمص الشرقي بتمويل من أيمن جابر (زوج ابنة كمال الأسد ابن عم بشار الأسد)، المعروف بين الموالين بعلاقاته الوثيقة بموسكو، والمدرج منذ 29 أبريل/نيسان عام 2011، على قائمة العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (“OFAC”) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، بموجب الأمر التنفيذي 13572 “بسبب تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية”، وبالرغم من أن أيمن جابر ظهر إعلاميا باعتباره مؤسس “صقور الصحراء” إلا أن “من يقود المليشيا شقيقه محمد جابر”، وذلك وفقاً لما جاء على الصفحة الرسمية لـ “صقور الصحراء” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
وانتقلت المليشيا من حماية المنشآت النفطية لتقاتل ضد المعارضة في ريف دير الزور وعلى الحدود السورية العراقية وفق إفادة الصحافي السوري أحمد الحمو، الذي كان مقيماً في دير الزور عند دخول “صقور الصحراء” على خط المعارك وفي مرحلةٍ لاحقة، توسّع عمل المليشيا وباتت تحارب في حلب وحمص وريف دمشق والبادية السورية ومحافظة اللاذقية، بحسب مقاطع فيديو نشرتها على صفحتها.
وتكشف الصور ومقاطع الفيديو عن حصول “صقور الصحراء” على أحدث الدبابات الروسية من طراز “تي-72 بي 3” ومركبة المشاة القتالية “بي إم بي- 2 والمركبة المدرعة “فيسترل” (الطلقة)، التي ظهرت على الجبهات خلال معارك صقور الصحراء، وهو ما يشير إلى الدعم الروسي المكثّف للمليشيا التي ذكر موقع “فيستنيك موردافي” الروسي (المتخصّص بالأخبار العسكرية الروسية) أن مدرّعاتها شاركت في معارك بمحافظة حماة.
وتتبع معد التحقيق التسليح الروسي لصقور الصحراء عبر صورها المنشورة وكان من بين أهم عتادها قواذف من طراز RBG22 المضاد للدروع والدشم المحصنة، بحسب صور منشورة على وكالة “Abkhazian Network News Agency” الروسية (متخصّصة بتغطية أخبار المعارك) في أواخر العام 2015، لمعارك في ريف اللاذقية قرب قرية جبلية في الساحل السوري.
سر التسليح النوعي
يؤكّد قيادي سابق في المليشيا مقيم في محافظة حمص، رفض الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي، أن النظام سمح لصقور الصحراء بالتمدّد بسبب الحظر الدولي على تسليحه وحاجته لشخصيات لديها صلاة مالية خارجية مثل الأخوين محمد وأيمن جابر، واللذان لديهما شركات ومؤسسات تجارية، لافتاً خلال محادثة “واتساب” مع “العربي الجديد” إلى أن صقور الصحراء أكثر تنظيماً من الجيش السوري، إذ تتلقّى إلى جانب السلاح النوعي تدريباً متقدما من قبل الضباط الروس.
وهنا فسر المحلّل العسكري العقيد الطيار عبد الرحمن حلّاق، منح روسيا أسلحة نوعية لـ”صقور الصحراء” وتدريب المليشيا، بأنها تسيطر على قرار هذه المليشيات، وبالتالي قادرة في أي لحظة على استرجاع الأسلحة وحل المليشيا، أو دمجها بجيش النظام مثلما فعلت.
لكن ماذا عن تسليح دولة لمليشيا سورية بعيدا عن جيش النظام؟ يرى حلاق ذلك، بأن روسيا تسيطر على سورية، ولا تحتاج إلى التنسيق مع الدولة السورية، لافتاً إلى أنه عندما تبيع دولة ما، أسلحة لدولة أخرى فإن هناك عقودا واتفاقات تتضمّن آلية استخدام هذه الأسلحة وشهادة المستخدم الأخير، وغيرها من الشروط، مضيفا “بالطبع تلك الأمور لا يلتزم بها الروس ولا معنى لها مع تسليح تلك المليشيات”.
دمج مغاوير البحر وصقور الصحراء
يعد أيمن جابر الرئيس الفخري لجمعية “الوفاء للوطن” التي تقدم المساعدات والمعونات لعائلات ذوي قتلى جيش النظام السوري، وشكل رجل الأعمال جابر وشقيقه محمد مليشيا “مغاوير البحر” التي نشطت ضمن صفوف ما يسمى بقوات الدفاع الوطني السوري (مليشيا تنفذ عمليات قتالية بالتنسيق مع الجيش الذي يوفر لهم الدعم اللوجستي والمدفعي)، وبالرغم من تكريم قائد القوات الروسية في سورية ألكسندر دفورنيكوف، لجابر مع عدد من عناصره، بعد سيطرة قوات النظام السوري على قرية ربيعة في ريف اللاذقية، إلا أن النظام السوري قرر سحب “900 عنصر من الجنود الذين يؤدون الخدمة الإلزامية، ضمن صفوف (مغاوير البحر)، في حين أبقت قوات النظام على العناصر المتطوعة ضمن صفوف هذه المليشيات، بسبب حادثة تشبيح تعرض لها موكب رئاسي على يد إبراهيم جابر شقيق قائد “المغاوير والصقور” وعقب ذلك جرى إلحاق الفصيلين بما سمي الفيلق الخامس للجيش السوري بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
الفيلق الخامس اقتحام
بعد شهر من دخول روسيا إلى سورية في سبتمبر/أيلول من عام 2015، خرج وقتها رئيس أركان جيش النظام العماد علي أيوب (أصبح وزير الدفاع في يناير 2018) وأعلن من داخل قاعدة حميميم العسكرية الروسية عن تشكيل “الفيلق الرابع – اقتحام” وضم قوات الدفاع الشعبي والمليشيات الموالية للنظام لكن عدم التنسيق والاندماج بين القوات الدفاع الشعبي والمليشيات والقوات النظامية أثر على عمل الفيلق الرابع وفشله، بحسب تحليل منشور على موقع مجلس الأطلسي البحثي في يناير من عام 2017.
فشل تجربة الفيلق الرابع دفع القيادة العامة للقوات المسلّحة السورية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016 للإعلان عن تشكيل “الفيلق الخامس – اقتحام” بتمويلٍ وتدريبٍ روسي لنحو 45 ألف عنصر موزعين على وحدات مشاة وهندسة وآليات واقتحام، وفق ما جاء في بيان جاء فيه: “إن تشكيل الفيلق يأتي استجابة للتطورات المتسارعة للأحداث، وتعزيزًا لنجاحات القوات المسلحة الباسلة”.
واشترط البيان على المنضمين، أن يكون الشخص أتم الثامنة عشرة من عمره، وغير مكلف بخدمة العلم، أو فارًا من الخدمة، وأن يكون لائقًا صحيًا، كما أوضح أن الموظفين يمكنهم الالتحاق بموجب عقد لمدة سنة ويحتفظ الموظف، بجميع الحقوق والمزايا التي يحصل عليها في مكان عمله إلى جانب تلقيه راتبا من الفيلق يبلغ 300 دولار أميركي شهرياً، وفق إفادة أدلى بها لـ”العربي الجديد” مقاتل في الفيلق، رفض ذكر اسمه من أجل الموافقة على الحديث، مضيفا أن الضبّاط الروس هم من يدربون مقاتلي الفيلق، ويتولون شؤونه اللوجستية والتسليحية، وهو ما يراه العقيد محمد الأحمد الناطق باسم الجبهة الشامية (فصيل من الجيش الحر)، محاولة لمواجهة فشل جيش النظام في معاركه التي خاضها نتيجة نقص كفاءته ومن أجل الحفاظ على ما تم احتلاله من مناطق سبق تحريرها على يد المعارضة، وهو ما يتفق مع ما ذهب إليه المدير المساعد للمرصد الروسي الفرنسي دولانويه، والذي قال إن الروس “يعولون على نمط جيش ضيق التعداد ولكنه مجرب ومتمرس لمواجهة احتمالات عودة الجهاديين”.
ويوافق العقيد الطيار مصطفى بكور القيادي في الجيش السوري الحر، قائد عمليات جيش العزة في ريف حماة الشمالي على ما سبق قائلا إن “الروس سيطروا على أهم المفاصل العسكرية والأمنية لقوات النظام، وأبعدوا الضباط الذين رأوا أنّهم لا يصلحون لتحقيق المصالح الروسية وكل الدعم المقدم لتلك المليشيات يقلص من سلطة الأسد على الجيش والقوى الأمنية ويدعم نفوذ موسكو في سورية”.
مواجهة إيران
بالإضافة إلى ما سبق يرجع العقيد عبد الرحمن حلاق، سبب التغلغل الروسي في جيش النظام ودعم وتسليح صقور الصحراء والفيلق الخامس، إلى أن موسكو تريد أن تسبق إيران، قائلاً: “هذه إحدى أدوات الضغط الروسية على إيران، والتي لديها من يواليها مثل ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، والتي اشتبكت عدة مرات مع الفيلق الخامس في ريف حماة أحدثها في مطلع فبراير/شباط الجاري”.
ويتوقع حلاق أن روسيا ستعمل على أن يكون لوجودها العسكري والأمني في سورية دور كبير خلال أي تسوية مقبلة عبر اتفاقات تشرع ذلك الوجود، ودعم للقوات التي دمجتها لاحقاً بجيش النظام، والضباط المستقبليين الذين تعمل على إعدادهم والذين تتوقع النائبة في مجلس الاتحاد ورئيسة اللجنة الفرعية للتعاون العسكري التقني الدولي، أولغا كوفيتيدي أنهم سيغدون نخبة في الجيش السوري، مضيفة في تصريحات لقناة روسيا اليوم في أغسطس/آب من عام 2018 أنه “في غضون من 10 أعوام إلى 15 عاما، سيحمي هؤلاء حدود سورية بعد أن خضعوا لنفس التعليم العسكري الذي خضع له أقرانهم الروس”.
المصدر: العربي الجديد