جابر عمر_ عدنان أحمد
جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أن بلده مستعد لتنفيذ “عملية عسكرية مشتركة في إدلب”، أغلب الظن أن تكون عملية تركية ــ إيرانية ــ روسية، لتفتح على احتمالات عديدة قد تشهدها تلك المنطقة السورية الخاضعة لتنظيمات تدور في فلك جبهة النصرة، في موازاة مواصلة قوات النظام السوري قصفها العشوائي لما قررت أنقرة وموسكو أن تكون “منطقة عازلة”، بهدف تهجير سكانها المدنيين، ربما تمهيداً للسيطرة عليها عسكرياً. وفاجأ أردوغان، في طريق عودته من اجتماع سوتشي الذي عقد يوم الخميس الماضي مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، الصحافيين بالقول إنه “لا يوجد أي مانع لتنفيذ أي عمل عسكري في إدلب، وفق التطورات الحاصلة هناك في حال استمرار الخروقات في المحافظة”. ونشرت صحيفة “حرييت” التركية أمس السبت تصريحات أردوغان من طائرة العودة من روسيا إلى تركيا، في إطار رده على سؤال حول إدلب، والخطوات المشتركة المقررة مع روسيا وإيران لإزالة الخروقات في المنطقة، موضحاً أن الدول الضامنة (لمسار أستانة، أي روسيا وإيران وتركيا) حازمة في موضوع تطبيق الاتفاق حول إدلب وحمايته، ويتم تبادل الزيارات بين الهيئات التقنية التركية والروسية. تصريحات أردوغان، وهي الأولى من نوعها لناحية الإعراب عن موافقة تركية مبدئية حيال احتمال شن عملية عسكرية في إدلب، ربما توضح ما قصد به قادة الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة عندما قالوا يوم الخميس إنهم “قرروا اتخاذ إجراءات مشددة” لضبط الأوضاع في إدلب، وهو ما قد يُفهم منه احتمال شن عملية عسكرية ثلاثية مشتركة بين تركيا وروسيا وإيران.
في غضون ذلك، واصلت قوات النظام قصف المناطق الواقعة في “المنطقة العازلة” المفترضة في محيط محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، حتى باتت اليوم شبه خالية من السكان نتيجة عمليات النزوح الواسعة، وسط ظروف صعبة يعيشها النازحون بسبب عدم توفر الخدمات الأساسية، وغياب المنظمات الدولية التي كانت تقدم بعض المساعدات للمدنيين. وكانت روسيا وتركيا قررتا إنشاء هذه المنطقة التي يفترض أن تكون أيضاً منزوعة السلاح الثقيل في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، في إطار الجهود المبذولة لتجنيب المحافظة عملية عسكرية واسعة كانت قوات النظام المدعومة من روسيا وايران تخطط لشنها عليها.
وقد قصفت قوات النظام مجدداً مناطق عدة في هذه المنطقة، فاستهدفت بالمدفعية قرية البويضة وبلدات اللطامنة ومورك وكفرنبودة في ريف حماة الشمالي، وبلدة جرجناز بريف معرة النعمان الشرقي وبلدات وقرى الخوين والزرزور وأم جلال والشعرة بريف إدلب الجنوبي الشرقي، بالتزامن مع قصف على محيط الراشدين جنوب غرب حلب. وقتل 4 أشخاص وجرح آخرون ظهر السبت جراء تجدد القصف المدفعي والصاروخي من قوات النظام السوري على مدينة خان شيخون الواقعة ضمن هذه المنطقة. وكانت قوات النظام قد قصفت مدينة خان شيخون مساء الجمعة ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين وإصابة آخرين بحسب ما أفاد الدفاع المدني السوري في إدلب، وهو ما دفع المجلس المحلي في المدينة الى مطالبة تركيا بالإيفاء بتعهدها في حماية المناطق الخاضعة لاتفاق سوتشي في إدلب. وتشير احصائيات محلية الى مقتل نحو 250 شخصاً في هذه المناطق منذ توقيع اتفاق سوتشي الخاص بإنشاء المنطقة العازلة، منهم نحو 100 مدني.
مناطق منكوبة
وقد توالى الإعلان عن المزيد من البلدات كمناطق منكوبة بدءاً من شرق إدلب إلى جنوبها، فضلاً عن ريف حماة الشمالي. وكانت آخر البلدات المنكوبة هي التمانعة في ريف إدلب الجنوبي وفق ما أعلن مجلسها المحلي، نتيجة قصف قوات النظام. وقال رئيس المجلس المحلي في البلدة، باسل البكري إنه خلال الشهرين الماضيين تعرضت البلدة لقصف كثيف بشتى أنواع الذخائر، مما ساهم برفع نسبة الدمار في البلدة إلى 96 في المائة، وخلوها من كل معالم الحياة، بعد تدمير أربعة آلاف منزل فيها إضافة للمباني العامة والمرافق الحيوية، ما تسبب بموجة نزوح لأهالي البلدة الذين يتجاوز عددهم 22 ألف مدني في ظل ظروف مناخية قاسية وتوقف العديد من المنظمات عن تقديم خدماتها للنازحين في الآونة الأخيرة. وحسب مياد الغجر، رئيس المجلس المحلي لبلدة التح في إدلب، فان معظم الأهالي نزحوا جراء القصف إلى المزارع المحيطة وقرى وبلدات محافظة إدلب البعيدة، وهو ما دفع المجلس المحلي في البلدة الى إعلانها “منكوبة” إثر تعرضها لقصف يومي طوال شهرين متتاليين. كما أعلن المجلس المحلي في بلدة جرجناز جنوب مدينة إدلب، البلدة منكوبة أيضاً.
وقال بيان نشره فريق “منسقي الاستجابة في الشمال” إن وتيرة الأعمال العدائية تزايدت على مناطق ريف إدلب الجنوبي الشرقي ومناطق ريف حماة الشمالي والغربي، ووثق استهداف أكثر من 25 منطقة في أرياف إدلب و26 في أرياف حماة و10 مناطق في أرياف حلب. وحذر الفريق من كارثة إنسانية في الشمال نتيجة موجة النزوح التي تشهدها المنطقة، مشيراً الى أن “العمليات العدائية تسببت بنزوح أكثر من 85 في المائة من السكان المدنيين إلى مناطق أكثر استقراراً، كما تسببت في دمار كبير في البنى التحتية والأحياء السكنية في تلك المناطق وإعلان بعض القرى والبلدات أنها منكوبة”. كما ذكر رئيس المجلس المحلي في قلعة المضيق، إبراهيم الصالح، في تصريح صحافي، أن “عدد النازحين من البلدة ومحيطها يقدر بنحو 700 عائلة، وعدد منهم توجه إلى مخيمات النزوح في الشمال”.
وقدرت مصادر محلية نزوح نحو 50 في المائة من سكان ريف حماة الشمالي وخصوصاً من بلدات كفرزيتا ومورك واللطامنة وقرية الأربعين، بسبب تواصل القصف وتدهور الوضع الإنساني، في ظل إغلاق المدارس والمراكز الطبية، وتدمير آبار المياه والبنية التحتية، وترافق ذلك مع عدم وصول المنظمات الإغاثية إلى المنطقة، وطقس الشتاء البارد.
وأوضح عضو منظمة “منسقو الاستجابة”، طارق الإدلبي، لـ”العربي الجديد”، أن “أشكال النزوح تختلف، فهناك عائلات تلجأ إلى أقاربها في القرى المجاورة، ما يجعلنا نرى أكثر من عائلة تقيم في منزل واحد، وهناك عائلات تنصب خياماً بالقرب من البلدات والمخيمات القائمة. كما أن هناك عائلات تلجأ إلى أبنية مهجورة أو شبه مدمرة، وقلة من العائلات ذات الوضع المادي المقبول تتمكن من استئجار منازل”. ولفت إلى أن غالبية النازحين يتوجهون إلى مناطق ريف معرة النعمان، باعتبارها أقرب “منطقة آمنة” بالنسبة للمناطق التي تتعرض للقصف.
إغلاق المدارس وغياب الإغاثة
وفي ظل هذه الأوضاع، أعلنت “مديرية التربية الحرة” في محافظتي إدلب وحماة (شمالي)، تعليق الدوام في المدارس التابعة لمجمع مدينة خان شيخون ومدارس مجمعي شمال وغرب حماة، نتيجة قصف قوات النظام السوري وروسيا على المنطقة. وما زاد من تفاقم هذه الأوضاع الإنسانية المتردية، غياب معظم المنظمات الإغاثية الدولية التي كانت تنشط في المنطقة وذلك بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على معظم أراضي محافظة إدلب. وبعد قرار الحكومة الألمانية وقف مساعداتها الإنسانية للمنطقة، حذر مسؤولون في القطاع الصحي بإدلب من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى أوضاع طبية كارثية. ويطاول القرار الألماني 33 مؤسسة طبية عاملة في المنطقة. وقال الطبيب مصطفى العيدو، من مديرية صحة إدلب التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” (التابعة للمعارضة) إن “الوضع في إدلب سيئ للغاية”. وأضاف العيدو لوكالة الأنباء الألمانية أن “قرار تعليق المساعدات إلى القطاع الصحي في إدلب سيؤدي إلى كارثة إنسانية”. وقالت وزارة التنمية الألمانية إن 17.4 مليون يورو كانت قد خصصت لمشاريع في المحافظة للعام الجاري 2019، تم تعليقها مؤقتاً، وإنها لم تلغَ. وحسب مصادر محلية، فان إدلب وريف حلب يحصلان على دعم صحي من خلال 50 مستشفى وعيادة، ويتم تمويل الرواتب والخدمات والمعدات الطبية والأدوية من خلال منظمات غير حكومية وحكومات غربية، لكن معظم الفرق الطبية باتت تعمل من دون رواتب، وكذلك المدرسون.
المصدر: العربي الجديد