خالد الخطيب
أعلن مجلس مدينة حلب استئناف عمليات نقل المقابر العشوائية في الأحياء الشرقية، والتي تضم جثث القتلى أثناء فترة سيطرة المعارضة، بعد عام من قرار مماثل قضى بنقل أكثر من 5 آلاف قبر في 38 نقطة تقريباً موزعة على المنصفات الطرقية والحدائق العامة وأراضي المشاع وساحات المساجد.
وكانت المعارضة قد لجأت إلى دفن قتلاها، وضحايا قصف مليشيات النظام من المدنيين، في الحدائق ومنصفات الطرق وحدائق المنازل. وفي حلب الشرقية 8 مقابر معروفة، كانت قد امتلأت، في حين كان الوصول إلى المقبرة الإسلامية الكبيرة شرقي المدينة أمراً صعباً بسبب قربها من خط الاشتباك.
وكانت “هيئة الطبابة الشرعية” بحلب، التابعة للمعارضة، هي المسؤولة عن عمليات توثيق الضحايا ودفنهم، وأنشأت مقبرتين في أرض مشاع على أطراف حي السكري. وكانت “الطبابة” تنوي نقل كل القبور العشوائية إلى المقبرة الإسلامية شرقي المدينة، مع الاحتفاظ بالتعريف عن هوية أصحاب القبور، وبحضور ذويهم، وتوثيق سبب الوفاة. المشروع لم يتحقق، وخرجت المعارضة من الأحياء الشرقية نهاية العام 2016، وبقيت المقابر العشوائية.
عمليات الدفن العشوائية جرت بشكل كبير في العام 2016، خاصة في الربع الأخير، تزامناً مع تقدم مليشيات النظام العسكري، مدعومة بالطيران الروسي، ومتبعة سياسة الأرض المحروقة في منطقة شديدة الكثافة البشرية. المئات دفنوا في المنازل، وبقيت جثث المئات تحت الأنقاض. ومن حالفه الحظ من القتلى دُفِنَ في أقرب حديقة أو ساحة مسجد.
قرار مجلس محافظة حلب، في كانون الثاني/يناير 2018، بتشكيل “لجنة نقل المقابر العشوائية”، خصص 55 مليون ليرة سورية (الدولار 520 ليرة) لتكاليف عمليات النقل، والتي تم اقتطاعها من أموال مخصصة لـ”إعادة الإعمار”.
قرار النقل تجاهل عمليات التوثيق للقبور، وتحديد هوية المدفونين فيها، ولم يتم تحديد المقابر التي سيتم النقل إليها. كما تجاهل القرار غياب أغلب ذوي القتلى المهجرين عن المدينة. وبدا الأمر كمحاولة لطمس معالم الجرائم التي ارتكبها النظام في الأحياء الشرقية، ولحرمان الأهالي من التعرف على قبور أبنائهم.
ولأن عملية نقل القبور ونبشها محرمة في التشريع الإسلامي، سارع النظام لاستصدار فتوى من مفتي حلب محمود عكام، في نيسان 2018، أكد فيها أنه يجوز فتح القبر على المتوفى قبل مضي المدة الشرعية وهي 8 سنوات.
وكانت “لجنة نقل القبور”، قد بدأت عملها بنقل القبور مباشرة في نيسان 2018، بشكل بطيء. وركزت اللجنة في ما بعد على نقل القبور من حديقة القباقيب، التي دُفن فيها العشرات من ضحايا مجزرة نهر قويق في كانون ثاني 2013 في حي بستان القصر. ولم تُعرف الجهة التي نُقِلَت إليها تلك القبور.
مجلس مدينة حلب، أعلن نيته مؤخراً استئناف نقل المقابر العشوائية، وطالب الأهالي، ذوي القتلى المدفونين في القبور العشوائية بأن يراجعوا دائرة دفن الموتى الواقعة في حي حلب الجديدة.
مدير “هيئة الطبابة الشرعية” في حلب محمد كحيل، أكد لـ”المدن”، أن عملية نقل القبور غير قانونية، إذ أن آلاف العائلات المهجرة من حلب ستفقد قبور أبنائها، لأن عمليات النقل ستتم بشكل عشوائي، وفي غيابهم، ولن يتمكن أحد منهم من الحضور إلى دائرة دفن الموتى التابعة للنظام، حتى أولئك الذين يقطنون الأحياء الشرقية حالياً، إذ لا يجرؤ أحد منهم على ذلك خوفاً من الاعتقال والمساءلة.
وأشار كحيل إلى أن “هيئة الطبابة” أصدرت بياناً منتصف شباط 2018، ناشدت فيه هيئات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، عدم السماح بنقل هذه القبور إلا تحت إشراف هيئات ومنظمات حقوقية محايدة. وأوضحت ضرورة توثيق كل حالات النقل وفق المعايير المتبعة في عمليات التوثيق المتعارف عليها دولياً.
وأوضح كحيل أن “الهيئة” أبدت استعدادها للتعامل مع لجان حقوقية أو جهات دولية لتوثيق عمليات نقل القبور، إذ لديها خرائط دقيقة للقبور العشوائية والنقاط التي تتوزع بها داخل الأحياء الشرقية. وتابع: “على الغالب ستتم عمليات النقل كما يريدها النظام، هو بذلك يخفي آثار جرائمه، ويحاول الترويج لروايته بأن القبور التي يتم نقلها هي مقابر جماعية لأشخاص قتلتهم المعارضة، وذلك بخلاف الواقع”.
وبحسب احصائيات “الهيئة” فإن 90% من المقابر هي لضحايا قصف النظام الجوي والمدفعي والصاروخي، وأقل من 10% تعود لمقاتلي المعارضة خلال المعارك. و”لا وجود لمقابر جماعية لمدنيين قتلتهم المعارضة كما يروج النظام، إذ كنا نوثق وندفن قتلى المليشيات الذين يقتلون في المعارك بطريقة صحيحة في مقبرة خصصناها لهم في أطراف حي السكري”، كما ختم كحيل كلامه.
المصدر: المدن