قدم منشق عن مشفى 601 العسكري شهادة استثنائية، فصل فيها مجريات كثير من الأمور والأحداث التي جرت في هذا المكان، باعتباره فرعا مخابراتيا ومركزا لـ”تجهيز” جثامين آلاف المعتقلين، قبل “توريدها” إلى المحارق.
المنشق الذي خص “زمان الوصل” بشهادته، قدم -فضلا عن كم المعلومات الكبير- لائحة من أسماء العاملين في مشفى المزة العسكري (601)، متهما أكثرهم بالمشاركة في تصفية المعتقلين وإخفاء معالم جرائم النظام، كما زود جريدتنا بمخطط مبسط يظهر مواقع الأبنية التابعة لمشفى المزة (المسمى للمفارقة المؤلمة: مشفى الشهيد يوسف العظمة).
*المنشق الأول والضحية الأولى
المصدر الذي كان شاهدا على ما يجري في مشفى المزة منذ بداية الثورة، قال إن المشفى تحول بعد نحو شهر من اندلاع ثورة السوريين إلى مركز للتعذيب والقتل، وبات لاحقا “يضاهي” أكبر فروع المخابرات في هذا الأمر، حتى إن المشفى خرج منه خلال فترة تقل عن سنتين (21 شهرا) قرابة 6 آلاف جثة!
المصدر أكد –وخلافا لما قد يكون رائجا- أن الغالبية العظمى من الجثامين كانت تعود لمعتقلين جرى تعذيبهم وتصفيتهم في “المشفى” نفسها وليس في فروع الأمن، في حين إن نسبة قليلة كانت تأتي من بعض الفروع، وبناء عليه يمكن وصف مشفى المزة العسكري بأنه كان “خط إنتاج للموت” مستقل وقائم بذاته، تحت إشراف ثلة من الضباط و”الأطباء” يتقدمهم مدير المشفى “العميد الطبيب غسان حداد” وضابط الأمن “العميد طه الأسعد”، وضابط الإدارة “العقيد شادي زودة”، الذي حل مكان “العقيد حسين ملوك”.
كان العساكر المجندون في المشفى مجبرين كل أسبوع تقريبا على تلبية الدعوة لاجتماع بأمر من ضابط الإدارة من أجل “تحميل” ما مجموعه وسطيا 70 جثة لمعتقلين بدت ملامحهم مرعبة إلى حد يفوق التصور، وهذا ما دفع عددا لا بأس به من هؤلاء العساكر للانشقاق مبكرا عن المشفى نأياً بأنفسهم عن المشاركة في جرائم بشعة، رغم صعوبة الانشقاق ومخاطره العالية.
وكشف المصدر ولأول مرة عن أول ضحية عسكرية قضت في سبيل الانشقاق عن المشفى المسلخ، قائلا: “كان هناك مجند اسمه زياد العلي من دير الزور، وقد حاول الانشقاق مبكرا عن الجيش المرتزق، لكن المخبرين تنبهوا له، فما كان من الأمن إلا أن اعتقله ليمكث عندهم 4 أيام، وفي واليوم الخامس تم جلبه إلى المشفى جثة هامدة من كثرة التعذيب، وقد شاهدنا زميلنا زياد بهذه الهيئة… المخابرات قامت بهذه الحركة لإخافة المجندين وردعهم عن الانشقاق، لكن بعد نحو أسبوع انشق 5 مجندين واستطاعوا النجاة من المصير المرعب لزميلنا زياد”.
أما المجند “خبات حسو” فله قصة مختلفة تماما، فرغم أنه كان خادما مطيعا للضباط المجرمين ومتعاونا معهم، فقد قتل على يد مساعد من جبلة يدعى “أبو سليمان”، نتيجة ما قيل إنه كان “مزحة” بالسلاح، حيث خرجت طلقة من بندقية المساعد واستقرت في رأس “خبات” الذي لقي مصرعه.
ولأن المساعد من جبلة فإنه لم يمكث في التحقيق والاحتجاز سوى فترة قصيرة، وخرج بعدها طليقا، بعدما أفاد أنه قتل “خبات” لأنه “شتم الجهات العليا”، وهو ما كان مبررا كافيا لتبرئة ساحته، إذ لو قال إن الحادث وقع نتيجة المزاح لكان عليه أن يقضي سنوات في السجن!
اللافت أن “خبات حسو”، ابن مدينة رأس العين، جرى نعيه من قبل النظام في أيلول/ سبتمبر 2015، بوصفه “شهيدا” قتل على يد قناص من “الجماعات الإرهابية المسلحة”، وفق ما نقل ضابط في النظام لذويه قبل تسليم جثته.
وفي سياق حديثه عن المجندين، نوه المصدر بمعلومة غاية في الحساسية، مفادها أن النسبة العظمى من العساكر المجندين هم من “السنة”، بل يندر إلى حد الانعدام وجود مجند “علوي”، فيما يشكل “العلويون” غالبية الضباط وصف الضباط المتطوعين، وهؤلاء هم أصحاب السلطة الرسمية والمشاركات الفعلية في جرائم تصفية المعتقلين وغيرهم.
ولم تكن وسائل تصفية المجندين “المشكوك بهم” تقتصر على تسليمهم للمخابرات حتى تقتلهم، بل كان يجري أحيانا نقلهم إلى الجبهات بتوصية من ضابط أمن المشفى (طه الأسعد)؛ ليلقوا هناك حتفهم سريعا، كونهم لايمكلون خبرة القتال وليسوا مؤهلين له.
وتابع المصدر: كنا على أيام خدمتي نحو 50 مجندا، لم يبق منا سوى 10 تقريبا، أما الآخرون فكانوا بين منشق وقتيل.. انشق حوالي 25 مجند، و15 مجندا حولهم ضابط الأمن إلى الجبهات، رغم أن 90 بالمئة من المجندين الإلزاميين هم من مستحقي “الخدمات الثابتة”، وهي عبارة تعني بقانون الجيش عدم صلاحيتهم للخدمة الميدانية وأعمال القتال.
*من باب “أسماء”
بعدما روى الشاهد بعضا مما لديه، خضع لما يشبه “الاستنطاق” الذي استمر ساعات طويلة على مدى 8 أيام، كانت “زمان الوصل” فيها تسأل والمصدر يجيب، مزودا جريدتنا بلائحة تحوي 37 اسما، من اختصاصات ورتب ومناصب، ممن يعملون في المشفى 601، وممن كان لهم دور –قليل أو كثير- في جرائم تصفية المعتقلين أو التستر عليها.
فعند سؤال مصدرنا عن “أكبر المجرمين”، أجاب بأن في مقدمتهم مدير المشفى “غسان حداد” ثم ضابط الإدارة السابق “حسين ملوك” وخَلَفُه “شادي زودة”، أما ضابط الأمن “طه الأسعد” المتحدر من محافظة طرطوس فهو حسب توصيف المصدر “كبير الإرهابيين والقتلة”، رغم أنه كان لا يظهر ولا يغادر مكتبه إلا نادرا.
“الأسعد” لم يكن على الأرجح بحاجة لمغادرة مكتبه من أجل “ضبط الأمن”، فلديه جيش كامل من المساعدين والجواسيس الذين يعاونونه على أداء مهامه القذرة، ومنهم: المساعد محمد ديوب، المساعد أحمد خضور، المساعد إسماعيل، المساعد محسن، المساعد محمود زهوة، رامي حمود، علي برازي، وحسام موسى.
وحول طبيعة “عمله” في المشفى قال المصدر المنشق إنه كان يساهم مع غيره من المجندين في “تحميل” جثامين المعتقلين من باحة “الرحبة” إلى السيارة الشاحنة التي تنقلهم خارج المشفى، مؤكدا أن العدد الوسطي يقارب 70 جثة أسبوعيا، وإذا ما ضربنا هذه الرقم بعدد الأسابيع التي خدمها المصدر قبل انشقاقه (84 أسبوعا)، فسيتبين لنا أنه “حمل” وغيره من العساكر المجندين قرابة 5 آلاف و900 جثة، وهو رقم يؤكد المصدر أنه قريب من الواقع الذي كان شاهدا عليه وجزءا منه.
المصدر: زمان الوصل