على تعدد المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ماتزال الحاجة مُلِّحة لمساحات حرة، تمتحن مضامين وأدوات الوعي بحرية التعبير، في فضاءات مفتوحة ومتحررة من سطوة الرقباء، وتزداد هذه الحاجة بعد أن ورثت العديد من المنابر المناوئة للاستبداد، قدراً لا يستهان به من حمولات ايديولوجية ضاغطة، ومن توظيفات “خطابها التحرري” وفق سياسات الدعم والتمويل التي أطاحت باستقلاليتها، ما ضيّق حدود التفكير الموضوعي، والحوار البناء رغم تعدد تلك المنابر. لعلّ إطلاق موقع ” مصير ” في ظل واقع وطني وعربي، ينهض على متغيرات عاصفة، تضعنا أمام مسؤولية تتجاوز مهمته كمنبر إعلامي رسمي ” لتجمع مصير ” بقدر مساهمته في أن يكون منبراً واسعاً لكل الآراء والمواقف المنحازة بكل وضوح، لقضايا الحرية والعدالة والديمقراطية في مجتمعاتنا العربية. تفرض تلك المسؤولية فتح كافة بوابات الموقع، لإضافات نوعية على صعيد الفكر والسياسة والثقافة والأدب، وتحفيز لغة الحوار حول مختلف قضايا ومشكلات الواقع. انطلاقًا من الإيمان بحرية الإنسان أولاً، التي هي السبيل لتحرر المجتمع، والشرط الأساس لمشاريع النهوض والتغيير في عالمنا العربي. إن تركيز موقع “مصير” على متابعة وقائع وتحولات الثورة السورية وتحديّاتها، يعني بالضرورة التركيز على كافة جبهات الحرية والتغيير في دول الربيع العربي، ومفاعيل الثورات المضادة على مستقبل شعوبنا جمعاء، وتظهير الأبعاد الجدلية بين الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني، وكفاح الشعوب العربية ضد كافة أشكال الطغيان. إذ التحدي في إنضاج فهم عميق لمجمل هذه القضايا الكبرى، هو رسالة موقع “مصير” وسيتوقف نجاحنا في التعامل معها على القدرة في إنضاج معرفة موضوعية، تستند إلى قراءات علمية للواقع، وفهم عميق للأزمات التاريخية وامتداداتها في تجلياته الراهنة، ونبش في أسباب الاستعصاء التي تواجه أطروحات التغيير وتجاربها الواقعية.
إن موقع ” مصير ” يدعو وبكل رحابة صدر كافة أصحاب الآراء والأقلام الحرة، للمساهمة في ورشة البحث والتفكير والنقاش المفيد، التي نأمل أن تغطي بوابات الموقع بلا قيود أو شروط للنشر، سوى احترام عقل المتلقي وذائقته الجمالية. وندعو على وجه الخصوص من يحتاجون إلى مدى مفتوح لنشر أعمالهم وموادهم، التي تحاكي مختلف القضايا الوطنية والإنسانية، ونؤكد أن استقلالية هذا المنبر، هو الضمانة في مخاطبة العقول والضمائر بمنأى عن أي توظيف أو تسييس، وهو مصدر الثقة بالشراكة الرصينة مع كل المكافحين من أجل أوطان حرة وكريمة.
إن تحيز “مصير” للحقيقة والدفاع عنها، في زمن انقلاب الحقائق وضياع الاتجاهات، ليس مجرد وصفة مهنية نقتدي بها، بل هو واجب على كل المؤمنين بخيار الحرية، دونه لن نكون قادرين كشركاء في إغناء رسالة الموقع، سواء بالدفاع عن خيار الحرية والتغيير، أو الدفاع عن ضحايا الاستبداد وقوى البغي، والاستدلال إلى دروب الخلاص والبناء. ثمة فارق كبير ينبغي الإشارة إليه بين البحث عن الحقيقة وبين ادعاء امتلاكها، وكلما كان البحث عن اللا مفكر فيه هو ديدننا، لابد حينها أن ننبش في المسكوت عنه، وأن تنال شكوكنا المشروعة، كل البديهيات والمسلمات التي تم تصليبها لاغتيال العقل ومعه الحقيقة.
يبقى أن هذا الموقع محاولة للتواصل والتفاعل الخلّاق بين المهجوسين بأوطان حرة، يعيشون همومها وأوجاعها، ويتطلعون لحريتها بالكلمة المؤثرة في بناء مداميك الوعي، التي سيتوقف عليها التصدي عملياً لكافة الصعوبات والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا، فمن هدموا بصرخاتهم وعذاباتهم ودمائهم، أسوار الخوف والصمت والعبودية، هم البوصلة التي نسير على هداها، في مواصلة العمل على اجتراح أفق الحرية مهما طال ليل الظلم..