[vc_row][vc_column][vc_column_text][amo_member id=”1155″ item-width=”250″ align=”left” item-margin=”20″ full-width=”yes” panel=”right”][/vc_column_text][vc_column_text]
للخطر رائحة تشمها هي من غريزة الكائنات التي أسقطت من حدسنا المثقوب، كنت كلما شممت رائحتها امتلأت بشعور الطريدة وهي تدرك أن لا مناص، غير أني أحفر نفقًا في صخرة المستحيل وأجترح انعتاقًا.
الرائحة شممتها للمرة الأولى بيوم عيد وأنا عائد من رحلة بحث عمن أستدين منه مصروفًا لدراستي الجامعية عندما اعتقلتني قوى الهجانة ورافقتني أنا النكرة بثلاث سيارات لتسليمي لقسم المخابرات وكأنني صيد ثمين وبعد وصولي هربت زحفًا وحبوًا وعاري الصدر، قويت روحي بعواء الذئب الذي قلدته بوجه كلاب القمامة المفترسة التي لم تخف من قطع معمول العيد”الكليجة” اليابسة التي رميتها بها، لم أشعر بالتوحش بل بالوحشة من تراب أهل وبلاد لفظت رفاتي.
نبحتني كلاب القرى، كلما قلت عبرت النهر يلتف كأفعوان يحصرني وعبرته لسبع مرات ولم أجد من يستقبلني سوى أن الفتاة التي كنت أعشق آوتني بزريبة الدواب ليومين ونسيت أن تأخذ الـ”تراجي” – الحلق – التي تعلقت بمحرمة البدوي التي لثمته بها. أجمل ما في المرأة أنها تضمد المجروح فيك وتهدهد القلق في روحك سواء كنت مارقًا أو قاتلاً أو صعلوكًا هي تحتضن نزعتك للخروج على القانون، قانون الدول والممالك وأعراف القبائل وهي تتلمس الإنسان فيك، الإنسان الذي خبأته عن الشارع وعن الناس والحراس.
كنت كلما شعرت باقتراب خطر آخذ إيمار وأليسار إلى الحديقة أصور معهما أعود للبيت بالصور التي ما تفتأ زوجتي تقرأ فيها ملامح غياب قريب وتشم الرائحة
قلت لطفلتي إيمار ذات يوم سأغيب طويلًا ربما أعود بعد أن تكوني أصبحت في الجامعة سأنتظرك في الشارع وأنت تعودين قالت لن تعرفني فرددت سأتكئ على إحساس الأب بأبنائه يا بنيتي عانقتني ومضت واعتقلت بعد ذلك بأسبوعين، إذ جاءت من ساحة لعب قريبة عند أذان العشاء ودقت الباب وأخبرتني أن ضيوفًا ينتظروني أسفل البناء ويطلبون أن أطل عليهم من البلكون وإذ بهم دورية لطيفة بسلاح مخبأ ولباس مدني رفضوا الصعود وأشاروا بضرورة أن أغير ثيابي وأنزل هم لا يعرفون وجهي وعلى مسافة من المدخل تعطيني فرصة الهرب إن شئت وكأنهم يختبرون ثقتي ولكأني أخذت فرصتي في إحساس الطريدة عانقت إيمار وهي الوحيدة في البيت، وقلت اسبقيني لبيت جدك وعليك أن تسمعي كلام أمك وتطيعيها وتصلي لأجلي. في سيارتهم لاحظت إيمار تسير على حافة الرصيف بخطى من يسير على حبل وتفرد جناحيها لئلا تسقط عن حافة الرصيف المدهونة بخط رفيع، كذلك لم أودع الصغرى التي كانت تكرج حافية على الباب لئلا يشعر الكلاب أني أضمر شيئًا يشي بغياب طويل. أدير ظهري لما يُقبل عليه الآخرون بنهم الجاهل هي الحياة كذلك، وإن أقبلت كي أتعلم الورد ييبس في كتابها هي حكمة المغادرين عما قليل في آخر العمر أو باكرًا أتدبر معنى في الغياب.
لعل الفكرة هنا نزوع الذات نحو تحقيق شيء ما يعتمل في المخيلة ولكنها لابد وأن تمر من برزخ يفضي لباب تلج عالم الموجودات من عالم محسوب على العدم، أحيانًا لا تحس بالشيء حتى يرتطم بك، أو ينكسر بين يديك، شخصًا أو معنى، تحتاج صدمة الفقد كي تهجي حفيف حروفه الأولى وليس غريبًا ربط كل ما قبل الباب بالعدم لمن حمل عبء أن يحبس عن الضوء والهواء ويبقى الصوت والجدران هي عالمه مع بعض أجساد مكثفة مكتظة بزنزانة كالسمك المضغوط في علب السردين، بعض الأجساد هذا يتكاثر ليصبح عالمًا يضيق بك ويضيق عليك حتى تعجز عن القرفصاء بزنزانة منفردة متر بمترين لي؛ وبعد يوم، اثنين، ثلاث صرنا أربعة ثم قفز العدد لخمسة عشر بمساحة 13 سنتمتر للواحد لمدة سنة من لحظات التنفس المتقطع والتعرق والحصر، إذ ننام بطريقة متخالفة لتضم الزنزانة عددًا أكبر، سبعة مندقّون في الفراغ واقفين كقضبان حديدية مرنة تحاول التوازن لئلا تنطوي من التعب وتسقط أو تنكسر وسبعة كأسمال مبتلة لا يملكون فسحة الاسترخاء بل رقود متوتر على أجنابهم بطريقة (التسييف) كسيوف متخالفة الخامس عشر لم أنس عده لكن لا مكان له هو فائض عن المكان وعلى ساق واحدة نتبادل الفراغ الذي يشغله، يداي مسبلتان لا تصلان لوجهي تصبح قدم الشريك وسادة أو وجهًا حميمًا لأنه من لحم ودم، القدم التي كانت تتلقى العصي حفيفها على وجهك أدفأ من برد الجدار. ليس مضحكًا أبدًا أن أطلب من زميل الزنزانة أن يحك لي أنفي بإصبع قدمه الملاصقة لخدي، ولي أن أتذكر رواية باترك زوسكيند العطر حتى أستنهض حواسي التي أعطبت حينها.
في كل حب هناك تجاوز للحدود اعتداء أيضًا اعتداء مرغوب به ربما الجميل فيه أن يكتسح مساحات كبيرة من الجهل بالنفس ويفتح آفاق معرفة جديدة هذا الاعتداء قد يرضي نهم مساحات فارغة منتظرة لا يمكن إشغالها الا باكتساح ما حب الأنثى حب الوطن في المعتقل هناك حالة قهر صعبة تفتق فيك طاقة تجهلها ينقصك اكتشافها فقط وتلمسها كي تنبت وتتبرعم إذا لم تمر عليها ستموت كأنثى أو طائر لم تعتني به فطار لغيرك.
بعد عامين أطلقوا سراحي لكن أفسدوا حلمي بإغراق جسدي بحمامات الشام وجلو جلدي أو تقشيرة لأتخلص من فائض أنسجتي، حرمت من تشذيب روحي بالمشي عبر أزقة دمشق القديمة مددوا حبسي انتظارًا لاكتمال الجنزير ذاك المعنى الجديد علي واكتشفته سلسلة معدنية يوثق بها السجناء كالدواب أو كأسرى حلبات الموت الرومانية يتسع لأربع وعشرين شخصًا استثمرت الفترة في استرجاع صوتي إذ كان علينا أن نلتزم الصمت في الزنازن والتحدث همسًا للسجان والمحقق، والصراخ تحت السياط ،الصرخة هناك ليست نتاج حبالك الصوتية هي الألم المحتقن في أجزاءك المستهدفة بالضرب والضغط والتجريح تجد صدرك وأنفاسك معبرًا وحيدًا من بئر الوجع هذا، الصرخة نزوع عصي على الاقتضاب في حياة مكتظة ببكوريتها يرغمونك على الوصول لها لا لتعبر عن ألمك بل لتنفذ إلى أرواح الآخرين وتشي لهم بالانهيار، كنت فاحشًا بها أمام المحقق ليشعر بانهياري وعدم إخفائي لمعلومة وكتمتها مع السجانين لقهرهم كان كتم أثر الوجع يجعل أنينًا ما يرتد إلى أعماقك ويتألق بروحك يمنحك معنى قوة العين أمام حدة المخرز، حين يقفز السجان وينزل مع عصاه متلذذا بصرختك المنتظرة أنتك الخفيفة تخيبه تجلده تصيب روحه الضحلة عندما انفلتت يمامات روحي من الجنزير في دير الزور وهناك على ناصية شارع قرب صنم هُبَل كما يسميه أبناء الدير، في اتصال مع زوجتي وهم في الطريق إلي قلت لن تعرفوني فقد تغير شكلي تمامًا لكن ثيابي هي نفسها البنطال الكحلي الذي أصبح باهتًا والقميص القرميدي كذلك والـ…؛ خطفت إيمار الهاتف من يد أمها وقالت : سأعرفك بإحساس الطفل بأبيه ألم تقل لي ذلك يومًا يا بابا .
[/vc_column_text][rs_post_grid cats=”145″ post_per_page=”2″][/vc_column][/vc_row]