رستم محمود
لا تبدو “المناوشات” التي تشهدها مدينتا القامشلي والحسكة في مناطق شمال شرقي سوريا بين النظام السوري والإدارة الذاتية في تلك المنطقة مشابهة لأحداث سابقة شهدتها تلك المنطقة بين الطرفين خلال فترات سابقة. “التظاهرات” التي نفذها مؤيدو النظام السوري خلال اليومين الماضيين، والتي أدت إلى وقوع قتيل وثلاثة جرحى في مدينة الحسكة أمس (31/01/2021) كشفت عمق الأزمة بينهما، إذ زادت الأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية من مستويات تطويقها للمربعات الأمنية التابعة للنظام السوري في المدينتين، بينما رفعت الأجهزة الدعائية والسياسية التابعة للنظام السوري من وتيرة تحريضها ضد الإدارة الذاتية و”قوات سوريا الديموقراطية”، إلى جانب التهديد بإخراج المزيد من مؤيديها للتظاهر.
مصدر مقرب من “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) قال لـ “النهار العربي” إن “النظام السوري يحاول فقط خلق مستويات من القلاقل الأمنية والعسكرية في منطقة شمال شرقي سوريا، لإظهار الإدارة الذاتية الديموقراطية في تلك المنطقة وكأنها خالية من أي شرعية، من خلال تصويرها وكأنها تمنع المواطنين في تلك المنطقة من حرية التعبير والحصول على المواد الأولية والأساسية”.
وأضاف المصدر أن الأساس لما يجري يعود الى رغبة النظام السوري في خلق أكبر مستوى من الضغط الأمني على الإدارة الذاتية و”قوات سوريا الديموقراطية”، لدفعها الى تقديم تنازلات سياسية وعسكرية للنظام السوري، وأن الأمر تضاعف بشكل استثنائي بعد “فشل” المشروع المشترك الذي تناغم فيه النظام السوري مع تركيا في بلدة عين عيسى حيث اشترك الطرفان قبل أقل من شهر في عملية الضغط على “قوات سوريا الديموقراطية” في تلك المنطقة، لدفعها للتنازل للنظام السوري للسيطرة على البلدة الاستراتيجية، وتالياً قطع الطرق بين مناطق الإدارة الذاتية، فقاد ذلك الفشل إلى زيادة مستويات “الابتزاز” في المدن الرئيسية، لخلق الأجواء نفسها، حسبما ذكر المصدر.
جذور المسألة تعود إلى أوائل العام الحالي، حينما صارت النقاط الحدودية التابعة للنظام السوري تمنع شحنات الوقود والمواد الأولية من التوجه من مناطق منبج الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديموقراطية”، نحو “مناطق الشهباء”، الخاضعة بدورها لهذه الإدارة، لكن المحاطة بمناطق شاسعة خاضعة للنظام السوري، في شمال مدينة حلب. الأمر الذي دفع الإدارة الذاتية لتطويق المربعات الأمنية في مدينتي القامشلي والحسكة.
رغم مرور شهر كامل على بداية الأحداث، لم تتمكن كل الوساطات السياسية والعسكرية الروسية من إيصال الطرفين إلى اتفاق على النقاط الخلافية، بالذات من خلال إرجاع الأمور إلى ما كانت عليها من قبل.
“النهار العربي” جال في شوارع مدينة القامشلي صباح أمس، ولاحظ أن الحصار الذي يتهم النظام السوري “قوات سوريا الديموقراطية” بتنفيذه على أحياء المدينة ليس دقيقاً تماماً، وأن حركة البضائع والمواد الغذائية نحو تلك الأحياء لا تزال جارية، وأن الدوريات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية أنما تمنع دخول الشاحنات الكبيرة فحسب إلى تلك المنطقة.
الباحث عبدالله السلمان قال لـ “النهار العربي” إن “جذر المسألة سياسي، ولا يتعلق بالخلافات الخدمية التفصيلية، فقد تعايش الطرفان طوال عشر سنوات كاملة من بدء الثورة السورية”. وأضاف: “يسعى النظام السوري الى خلق توتر من لا شيء، فقط لإقناع مؤيديه بأن الأزمات الخانقة التي يعاني منها النظام هي بسبب سلوكيات الإدارة الذاتية الكردية التي تمنع وصول القمح والمشتقات النفطية إلى باقي المناطق السورية”.
الصورة الأكبر للمشهد تظهر هذه الأحداث وكأنها استعداد أولي من النظام السوري لقدوم الإدارة الأميركية الجديدة، وتذكيرها بمستويات نفوذ النظام السوري، حتى في المناطق الخاضعة للهيمنة الأميركية شمال شرقي البلاد، وتالياً دفع الإدارة الأميركية للتعاطي الإيجابي مع النظام السوري. وفي المستوى نفسه، فإن الأحداث الأخيرة تُعتبر بمثابة رسائل واضحة الى تركيا، المناهضة للإدارة الذاتية، قد تدفعها الى مزيد من “الحوار” مع النظام السوري، والتخلي عن دعم المعارضة السورية التابعة لها.
أحد الأعضاء المنخرطين في الحوار الثنائي بين الطرفين، والذي جرى طوال الأيام الثلاثة الماضية، وبرعاية روسيا في القاعدة العسكرية الروسية في مطار القامشلي، قال إن وفدي الطرفين تفاجآ بمدى الـ “الحيادية” التي أظهرها الطرف الروسي خلال تلك المفاوضات، وكيف أن الروس أظهروا النظام السوري وحيداً، وذلك لدفعه للمزيد من تلبية مطالبهم في ملفات أخرى غير متوافق عليها بينهما.
لكن العضو المشارك في ذلك الحوار أشار إلى أن النظام السوري أظهر ثقة بالنفس أثناء المباحثات، وأوصل رسائل تقول باعتماده الكامل على الدعم الإيراني، وتوافقه مع تركيا في هذا الملف.
الباحث المتابع لشأن علاقة الطرفين حماد السبعاوي قال لـ “النهار العربي” إن “المسعى الأساسي للنظام السوري ربما يكون خلق زوبعة أمنية في تلك المنطقة، للتغطية على حدث الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال المستقبل المنظور، وذلك لحرف الأنظار والانتقادات الموجهة إليه من القوى الدولية في هذا الملف. فالشهور الثلاثة القادمة، بحسب السبعاوي، ستشهد مزيداً من التصعيد، بالذات من خلال الإيحاء بوجود صراع قومي، عربي-كردي، في تلك المنطقة، ودفع بعض القواعد الاجتماعية السورية للالتصاق به”.
المصدر: النهار العربي