أحمد مظهر سعدو
بعد التصريحات الإيرانية التي تتهم روسيا بتعطيلها المقصود وعبر قواتها العاملة في سورية لمنظومات الدفاع الجوي أثناء الضربات الإسرائيلية التي تطال القوات والميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية، بقولهم إن ” الروس رفضوا تمكين جيش الأسد من تشغيل منظومات الدفاع الجوي (أس 300)”، التي زودتها موسكو للنظام، معتبرين أن الخطوة الروسية وفرت بيئة مساعدة لإنجاح الغارات الإسرائيلية. إضافة إلى الاشتباكات الجارية في سهل الغاب بين قوات مدعومة إيرانيًا وأخرى مدعومة روسيًا.
حول هذا المحور كان أن سألنا بعض الساسة والكتاب والباحثين السوريين: هل ستتطور الأمور إلى حالة صراع حقيقية بين الطرفين داخل الأراضي السورية؟ وهل بات في حكم المؤكد أن الروس ينفذون تعهداتهم إلى الإدارة الأميركية بطرد الإيرانيين من سورية حسبما قيل بعد قمة هلسنكي التي جمعت ترامب / بوتين؟ ومن ثم هل يستطيعون ذلك؟
محيي الدين بنانا الأكاديمي السوري ووزير التربية والتعليم السابق في الحكومة السورية المؤقتة قال ” أعتقد ومنذ مجيء ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية أن السياسة الأميركية قد تغيرت في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، وخاصة العلاقة مع إيران، حيث إن الإدارة الجديدة ترى أن إيران تشكل خطرًا على المصالح الأميركية في المنطقة، وبما أنني أرى أن الهيمنة في المنطقة ستكون أميركية ولفترة طويلة، لذلك فإن كل ما يجري هو تنفيذ للخطة الأميركية”. ثم تابع يقول ” الأميركيون هم من يصدرون الأوامر إلى الروس وغيرهم للتمهيد للمرحلة الانتقالية في سورية، وبشكل آخر في العراق واليمن ولبنان، وعلى إيران أن تخرج من المنطقة وتعود إلى حدودها، وإلا سيوجه لها ضربة قوية بكل الوسائل. وعلى هذا الأساس فإن ما يحصل في سورية هو نتاج للأوامر التي تصدر من أميركا للروس فيما يتعلق بالوجود الإيراني، والتي تتجلى بين الحين والآخر بالاقتتال بين الضباط السوريين الموالين لإيران والآخرين الموالين للروس. وأرى أن الوجود الإيراني سيتقلص بشكل تدريجي في سورية. وأعتقد أنه لابد من تنفيذ ذلك، وبالطبع عندما نتكلم عن الهيمنة الأميركية فهي بالتالي خدمة للمصالح الاسرائيلية أيضًا”.
أما الدكتور عبد الله لبابيدي أستاذ جامعي فأكد لجيرون قائلًا ” بكل تأكيد ستتطور الأمور إلى حالة صراع حقيقية بين الطرفين لأن النظام السوري يدرك بأن مصالحه مع الروس هي أفضل وأقوى إقليميًا ودوليًا وعسكريًا من استمرار مصالحه مع الإيرانيين، في ظل اشتداد العقوبات الدولية عليها، ومع ذلك هنالك تيار داخل النظام السوري مؤيد للوجود الإيراني ومدعوم عسكريًا واقتصاديًا من قبل الإيرانيين، بعد التغلغل العسكري والاندماج بين عدد من القطع العسكرية السورية والإيرانية، وبالتالي سيؤدي هذا إلى حالة صراح حقيقي، وهذا ما نسمع أنه يحصل في منطقة سهل الغاب بين قوات مدعومة إيرانيًا وأخرى مدعومة روسيًا.” ثم قال لبابيدي ” روسيا تعي تمامًا أن إيران تشكل خطرًا على استراتيجية روسيا في سورية على المستويين العسكري والسياسي، وبالتالي عليها تنفيذ هذه التعهدات فمنظومات الدفاع الجوي أثناء الضربات الإسرائيلية لدمشق لا تعمل، وهي رسالة واضحة لإيران ودعم واضح للإدارة الأميركية بأن الروس يبذلون أقصى جهدهم لطرد القوات الإيرانية. وربما لن يستطيعوا ذلك ولكنهم بكل تأكيد سيحجمون التواجد الإيراني ولن يكون كسابق عهده، وهذه هي سياسة الكرملين عبر عملية التوازن على الأرض السورية بين جميع الأطراف، إلا أن هذا التواجد بدون غطاء روسي سيبقى عرضة لمخاطر الاستهداف. ويبقى بقاء الأسد في منصبه هو الذي يُساوم عليه بين الأطراف المتنازعة على الأرض.”
عبد الرحيم خليفة الكاتب السوري تحدث لجيرون بقوله” روسيا تملك تصورًا كاملًا للحل في سورية وفق مصالحها وتعهداتها التي صاغتها بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، وبمفردها، وهي، حتى الآن، تقاطعت مع إيران، ولكنها بدأت، في الآونة الأخيرة، تتناقض ولو جزئيًا مع إيران، وأعتقد إن إيران لن تذهب بعيدًا في تحدي روسيا، التي هي بأمس الحاجة لها الآن وأكثر من أي وقت مضى، في ظل ما تعانيه من حصار وضغوط أميركية، وما يتهددها من أزمات داخلية.” ثم تابع قائلاً ” روسيا راغبة في تحجيم الدور الإيراني في سورية، ولكن ليس إلى الحد الذي ينهي دورها كاملًا بالمنطقة، فهي لا تريد خسارة حليف قوي وسوق كبيرة لها، وعليه فاني أعتقد أنه سيكون هناك تفاهمات بين الطرفين، تحفظ مصالح كافة الأطراف دون مواجهة عسكرية وسياسية مفتوحة تضعف كافة الأطراف. وإيران تدرك في المآل حجم قوتها وامكاناتها وستعمل على التخفيف من معاركها وصراعاتها في المنطقة تجاوزًا لهذه المرحلة الدقيقة من المواجهة بانتظار فرص قادمة. الروسي يحتاج الإيراني والعكس صحيح وبالأصل إيران تحاول فتح جسور حوار مع الغرب وإسرائيل عبر أطراف عديدة للخروج من عنق الزجاجة. والتسويات الكبرى هي المنتظرة في المنطقة وإن مرت عبر حالات كباش قوي وصدامات مضبوطة وتحت السيطرة.”
الكاتب والمعارض السوري سامر كعكرلي أكد لجيرون بقوله ” منذ بداية التدخل الروسي في سورية، والذي جاء بعد فشل التدخل الايراني في حماية نظام بشار الأسد، كان واضحًا للمتابع الدقيق لمجريات الأمور في سورية بأن كلًا من المشروعين الروسي والايراني في سورية مختلفين، وأنهما في طريقهما للتصادم. فالمشروع الايراني هو مشروع توسعي فارسي عقدي أي يعتمد على العقيدة (أو بالأحرى يتستر بها) ومن أحد وسائل هذا المشروع التغيير الديموغرافي وهذا ما حدث وما زال يحدث في كثير من المناطق السورية، أما التدخل الروسي فيمكن أن نسميه تدخل مافيوي يسعى لهدفين المال أولًا، وإعادة فرض الوجود الروسي على ساحة الصراعات الدولية ثانيًا. الهدف الثاني تحقق لروسيا وربما ترسخ بتأسيس قاعدتي حميميم وطرطوس. أما الهدف الأول وهو المال فقد تحقق في بداية التدخل الروسي في سورية، حيث أغدقت الأموال الايرانية للمافيا الحاكمة في روسيا”. ويشير كعكرلي أنه ” تحت ضغط العقوبات الاقتصادية على إيران وترنح اقتصادها بدأ هذا السيل من الأموال بالجفاف، وتعلم روسيا جيدًا أن المشروع الايراني في سورية هو مشروع طويل الأمد لا يمكن تحقيقه بعدة سنوات بل يحتاج لعشرات السنين، وربما لمئات حتى تستطيع إيران تغيير عقيدة السوريين بالشكل الذي يخدم مصالح تأسيس الامبراطورية الفارسية. وأيضًا فروسيا في النهاية دولة كبيرة لها مصالحها التي ربما يتفهمها المجتمع الدولي، وهي بكل الأحوال دولة ليست مارقة حسب رؤية المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة (وليس حسب رؤيتنا نحن السوريين) أما ايران فهي دولة مارقة بالنسبة للمجتمع الدولي وتعتبر بؤرة أزمات (منذ أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بطهران، ومرورًا بتفجير الكنيس اليهودي في الأرجنتين) كل ذلك تعلمه روسيا، ولكنها كانت بحاجة لمعجزة تساعدها بالتخلص من إيران، وقد جاءت هذه المعجزة بالانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 والذي أدى لانعطافه شديدة بالموقف التركي بعيدًا عن الغرب وقريبًا من روسيا، فأصبح للروس متكأً إقليميًا لتنفيذ سياساتها بعيدًا عن ايران. لا سيما أن روسيا تعلم بأن لا أطماع توسعية لدى تركيا. ولذلك فإن ما نراه اليوم من تصادم روسي ايراني على الأراضي السورية ما هو سوى نتيجة طبيعية لما سبق ذكره، فروسيا ستعمل جاهدة على خروج إيران من سورية بعد أن ضمنت مصالحها، فليس من صالح روسيا أن تصنف هي الأخرى بدولة مارقة.” ثم قال ” ونظام الأسد الذي هو خارج هذه المعادلات تمامًا فإنه يعلم بأن روسيا المافيوية على استعداد لبيعه في أي لحظة مقابل صفقة ما، على عكس إيران التي سوف تتمسك به لآخر لحظة، لأنه المفتاح الرئيسي لتحقيق مشروعها الامبراطوري سواء ببشار الأسد بشخصه أو عائلة الأسد، أما بالنسبة لروسيا فإن الأسد ضرورة مرحلية فقط لأنه ربما الوحيد القادر على الطلب من إيران الخروج من سورية، ولذلك فإن روسيا تحافظ عليه شكليًا ولكن في نفس الوقت تعمل على إضعافه حتى يصل لمرحلة الموافقة على طلب خروج إيران من سورية وبهذا تكون روسيا قد أوفت بالتزاماتها دوليًا وأميركيًا وأهم شيء اسرائيليًا. وما المعارك المحتدمة في سهل الغاب بين الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد وبين الفيلق الخامس الذي صنعته روسيا سوى صورة مصغرة من الصراع الكبير بين روسيا وإيران ولكن بأيادي سورية “.
الطبيب والمعارض السوري أحمد ليلى تحدث لجيرون بقوله ” لا أظن أن روسيا تريد طرد الإيرانيين من كل سورية بل هي تسعى إلى محاصرة نفوذها في منطقة الجزيرة ( حيث تنشط حركات التشييع بدون تغطية حقيقية من إعلام الثورة للأسف ) و يبدو أن روسيا مصرة على وضع يدها على (سورية المفيدة ) و تترك المجال للطيران الصهيوني جوًا ثم للميليشيات التابعة لها برًا لتساعدها على إتمام ذلك، وهذا الأسلوب الماكر الذي بدأت الكثير من الدول التي تضع يدها في الشأن السوري تتبعه ، هو درس تعلمته من أميركا التي مارست مثل تلك الألاعيب من قبل في أفغانستان ثم العراق ، لذلك لا حاجة لروسيا أن تتورط في مواجهة مباشرة مع إيران تزعزع الحلف الذي تشرف عليه والذي ترسخ في حلف الآستانة “. ويرى ليلى أن ” روسيا لا تقوم بهذه العملية تنفيذًا لتعهد تجاه أميركا أو إسرائيل، بل هي تقوم باتباع مصالحها الاستراتيجية ومخططها الذي يهدف في النهاية إلى وضع يدها وبسط نفوذها بشكل كامل (سورية المفيدة) تاركة بعض المصالح على الأطراف لحليفتيها إيران (على الحدود الشرقية لسوريا) وتركيا (على الحدود الشمالية) بل وحتى إسرائيل على الحدود الجنوبية الغربية”.
المصدر: جيرون