[vc_row][vc_column][vc_column_text][amo_member id=”987″ item-width=”250″ align=”left” item-margin=”20″ full-width=”yes” panel=”right”][/vc_column_text][vc_column_text]
في رواية (جنود الله ) يضع الروائي المعروف فواز حداد يده على مفارقة عصرية هامة، شكلت محور فلسفة روايته وحوارها الأساسي، وبخبرة الروائي العريق، قدم لنا معرفة ثمينة، كشفت عن ظاهرة من أخطر الظواهر السياسية الاجتماعية المعاصرة، والمتمثلة بنمو وحش الإرهاب .
في روايته (جنود الله ) الصادرة 2010 عن دار الريس ، يضع الروائي المعروف فواز حداد يده على مفارقة عصرية هامة، شكلت محور فلسفة روايته وحوارها الأساسي، وبخبرة الروائي العريق، قدم لنا معرفة ثمينة، كشفت عن ظاهرة من أخطر الظواهر السياسية الاجتماعية المعاصرة، والمتمثلة بنمو وحش الإرهاب الإسلامي، الذي ما هو في المحصلته النهائية إلا منتجاً ثقافياً، نما وتطور في أوساط الجيل الشاب، تحت إشراف ورعاية مشرفين دوليين، استفادوا من فراغ الساحة من الأيديولوجيات،التي تناطحت زماناً، ثمّ أفلست تباعاً، ليتمّ بعدها وأحياناً عبرها استلاب كامل للوعي الشبابي، وتأهيله سايكلوجياً ومعتقداً للاستغراق في هلاميات غيبية، تتغذى على وعي بدائي (غريزي انفعالي) ومن ثمّ، ليصبح العديد من شباب جيل ما بعد العولمة أهم أدواته ومسيريه وقرابينه في آن واحد، وذلك حسب ما تجلّى في تفكير الكاتب وفي خياله وقواه النفسية كلها، لذا رأيناه ممثلاً براو هو ( محمد) (ملزوزاً ) محرجاً، يطرح أسئلة الحاضر الإشكالي المأزوم، باعتبار هذه الأسئلة، ماهي إلا مبضع جراح استكشافي، لابدّ منه للوصول إلى تشخيص العلة التي عانينا منها ولم نزل بعد أن تنقّلت بين عواصمنا عبر خريجي سجون الأنظمة، ثمّ راحت تتهاداها الدول المتنافسة والمتخاصمة وتدوّرها فتستثمر فيها، قبل أن تغدو في فم الوحش الذي أشرفت على تربيته فهم بابتلاعها، فهرعت إلى متابعته بقصد الاهتداء إلى طريقة علاجه، حيث صار العلاج بالثقافة والتربية هو علاج من جنس الداء نفسه، حتى وإن لم يعد كافياً أمام الخطر المتعاظم يوماً بعد يوم .
يقدم الكاتب في روايته رؤيته الخاصة، باعتبارها نقطة تقاطع وإجماع لرؤية المثقف النقدي، حين يتصدّى لمهام الثقافة، ابتداء من نقد ركائزها وبالصعود المتدرج إلى مجمل ما بنت عليه واستثمرت فيه، قبل أن يثبت أنها ثفافة منتهية الصلاحية، وقبل أن تطرح بمثقفها وبثقافته خارج العصر، في وقت بات الجميع فيه أحوج ما يكونون إليها، في سبيل مواجهة مجمل التحديات، بعد أن ادعوا أو توهموا زمناً، أنهم يملكون الأجوبة العلمية والأخلاقية الشافية والمتوافقة مع قوانين التطور ومآلاته، وتبعاً لذلك الوعي الإيماني المبسط ، كان اصطفافهم إلى جانب صورة منقوصة للعدالة وأخرى مشوهة للحرية المفترضتين، ولاسيما أنها قادتهم إلى الاصطفاف خلف ما أتاحته لهم هوامش الحرب الباردة بين النظامين المتصارعين والمتنافسين في مجال التقدم والإنتاج ووسائل الدمار، بل وفي جملة القيم والأخلاقيات، التي كان يروج لها ويعد بها كل طرف، باعتبارها الحل المثالي لمستقبل البشرية ، قبل أن يتواجهوا بعمق الأزمة الأخلاقية المريعة في ثقافة كل من طرفي ذلك الصراع !
وإذا كنت سأكتفي بالوقوف على المحور الرئيسي للرواية من دون الدخول المعمق في تفصيلاتها الفنية والنقدية، فلأن ذلك المحور، ينصب على غاياتها ومقاصدها، وفق ما جسدته سردية الكاتب الروائية، ليكون بطله الافتراضي ( محمد ) أبعد وأعمق من مجرد إسقاط ثقافي، يرمز إلى وعي جيل، أفلتته الأيديولوجيا الماركسية والأحزاب الشيوعية، وقد ترهلت وفرغت فبان جوفها الخاوي المريع، بعد أن كانت، تشكل أكبر حالة استقطاب أيديولوجي سياسي، لجيل آمن بالعدالة والاشتراكية والطبقة العاملة، وحين كشفت البروسترويكا والغلاكنست ستر هذه الأيديولوجيا المتخشبة والملفقة وعيوب نخبها البيروقراطية المتسلطة باسمها، اصطدمت الرؤوس بجدار المفقودات الكبرى (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان) وسقط أنصارها ومراهنوها في فراغ من العقم وفقدان المثل وضياع البوصلة، وراعهم أنهم لم يعودوا منظّرين وقادة فكر قادرين على الدفاع عن قيم، روّج لها ولصورته النضالية التطهرية المتقشفة والمشحونة بالوعود الخلبية، فارتكس الوعي وارتد شعوراً بالخيبة والفشل والإحباط، وانتزعت يد التاريخ الأدوار من مبشريه وقادته وتابعيه.
وكان مما عمق أزمة النخب الثقافية في بلادنا، و بشكل إضافي عن مثقفي الغرب الديمقراطي، أن توافق هذا السقوط المدوي لمثله الاشتراكي، بأعظم نجاح وأقوى فورة، تحققها الإمبريالية العالمية، بعد أن راحت قيم العولمة، تكتسح ثقافة العالم المتخلف وتتحداه، سواء في مجال الاتصالات أو في ثورة المعرفة، بينما ظلت هي، ترزح تحت ثقل ثقافة نضالية تقليدية متقشفة قليلة الجدوى، حتى بان للجميع عرجها وعماها وتخبطها وقلة حيلتها، ومن ثم استسلامها كدول وكنخب أمام الوافد المنتصر، والكل بات مقتنعاً أنه، لم يعد كفرد ولا كنخب مثقفة ولا كأحزاب، ممن يحملون مفاتيح العصر وقادته، بل أدركوا أنهم أول ضحاياه وأرخصها، ولكنها ورغم عيوبها، ظلّت مطالبة، بأن تتوافق مع الوعي الجديد والثقافة وقيم العصر المستحدثة، لا باعتبارها الأقرب إلى أخلاقه ووعيه، بل لأنّها ضريبة هذا الدخول، وحينما اخترقت هذه الظواهر الغربية حتى بنيته الأخلاقية وهتكّت وعيه ومجمل ظروف عيشه، عادت تطرح عليه المواجهة باعتبارها تحدياً، لا بدّ منه، بعد أن سلبته ابنه الوحيد، وصار هذا الابن( الجيل) في موقع العداوة الأخطر لأبيه، ليس بمعنى صراع الأجيال، بل في صراع الثقافات، بين ثقافة صاعدة بقوة المثل المستقى من وعي سلفي جهاي مسلح، وثقافة ادعت العلمية والتحكم بجدل التاريخ ومساره، لكنها تهتكت وتخلّى عنها روادها، وبات الصراع بينهما امتدادًا لصراع الحضارات، أو إحدى استطالاته الخطرة.
هنا تكمن أهمية الرواية باعتبارها رسالة الكاتب، وحصيلة ثقافته ووعيه بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، بالدرجة الأولى، وهي تعدل مسؤولية الأب عن حماية أولاده، بشمول مفهوم الحماية أو بانصرافه، إلى الحماية الثقافية للجيل وتحصينه من الانزلاق في ورطة العصر مع الإرهاب، وقد تمركزت بؤرته الأخطر في العراق بعد الغزو الأميركي، بعد أفغانستان وصار وقوده أبناؤنا الذين تجلببوا بجلباب القيم الدينية المدعاة، بعد أن فرغت يداه من أية ثقافة أخرى، تحصّنه من اختراق الثقافات الدينية الجهادية الرائجة، ووجد في نسختها المتجددة تفريغاً لوعيه المشحون بالانفعال وردّ الفعل والكراهية، وفي إطار تأكيد الذات، وجد في تلك الثقافة الدينية وجباته الجاهزة أو عُمل على تجهيزها، من موائد التاريخ القصي، ملبية وعيه الغريزي البدائي، وبما أنه لا يمكن لأحد استعادة التاريخ، إلا بصورة أكثر مأسوية، كانت المأساة !
لقد وجد (محمد) الشخصية الافتراضية الرئيسية، التي تنوب عن الكاتب فتتحدث بضمير المتكلم، وتدعي أبوتها لسامر، كابن افتراضي وحيد، استقطبه المجاهدون إلى بغداد، لمحاربة الأميركي، وفي هذا السرد بضمير المتكلم وبنسبة الابن الضال لأبيه الماركسي الشيوعي سابقاً واللامنتمي لاحقاً، تكمن مسؤولية ثقافة الأب النخبوية عن اختراق هذه الثقافة الهجينة وإسقاطها، والكاتب يؤكد هذه المسؤولية ويرفض أن يتبرأ حيال الثقافة اليسارية المهزومة من مسؤوليته الأخلاقية والتربوية أو أن يتنحى عن المواجهة مع هؤلاء الأبناء، لحمايتهم من أنفسهم، ولحماية مجتمعاتهم منهم، لذا كان تطوّع الأب للتفتيش عن ابنه وانقاذه واضطراره إلى الدخول في علاقات سرية مع رجال أمن سوريين وعراقيين وأميركان، في سبيل الوصول إلى ابنه لمنعه من مغادرة الأراضي السورية أولاً، ثم لإعادته من الأراضي العراقية ثانياً، ولذا كانت دعوة الكاتب للجيل اليساري وجيل الآباء عامة، كي يتحملوا المسؤولية في المواجهة، حتى ولو كانت مكلفة وخطيرة، وهنا في خيار المواجهة هذا، تتجلى أخلاقية الكاتب وثقافته ومن أجله هجر الحبيبة والحب ولاب في التفتيش والأسئلة، وهوالسبب الكامن خلف عدم رغبته بولادة جديدة، من حبيبته سناء المنتظرة في سورية عودته من مغامرته في عراق الموت والدمار.
إنّ الكاتب يحمّل تلك الثقافة الفاشلة ومثقفيها مسؤولية تحصين مجتمعاتهم من شرورها. هذه رسالة الكاتب الثقافية والمعرفية والأخلاقية، وهو يؤكدها، بقوله: ” إنني المسؤول عن كل ما فعله سامر وما سيفعله، لقد أخذوه مني وأنا سأسترده، لن أنكر أبوتي له وأقابل عقوقه بالجحود” ص 299 ، ومن الأبوة الفيزيولوجية وهي المدار الحامل للسردية، إلى الأبوة الثقافية والمعنوية، تبدو رواية ( جنود الله) لفواز حداد ممهدة لروايات سورية جديدة، تدخل عوالم الإرهاب مكملة لها، ولرواية خالد خليفة (مديح الكراهية) إذ أنّ الروايتين ومن مدخلين مختلفين، تعالجان الموضوع ذاته وإن بدخولات مختلفة، أما الرسالة والغاية عندهما، فهي في المواجهة الثقافية لظاهرة الإرهاب، التي باتت تشكل خطراً وجودياً وثقافياً على الفرد والمجتمع .
[/vc_column_text][rs_post_grid cats=”110″ post_per_page=”2″][/vc_column][/vc_row]
You have remarked very interesting points! ps decent website.Blog monetyze
Muchas gracias. ?Como puedo iniciar sesion?