تم الكشف مؤخرًا عن وجود تحقيقات واسعة تجري على مستوى كبير في دمشق، حول شبكة تزوير شهادات جامعية عليا، تطال بعض المسؤولين ممن يشغلون مناصب هامة من بينهم مسؤولين في حزب البعث. وأكدت مصادر مطلعة، أنه تم توقيف أكثر من 15 شخصًا من أصحاب الشهادات المزورة خلال الأيام الأخيرة، عرف منهم 11 شخصًا، 4 من هؤلاء أعضاء في قيادة فرعي حزب البعث بدمشق وريفها، وقائد ميليشيا “كتائب البعث” بجامعة دمشق، وآخر عضو بمجلس الذهب العالمي، إضافة لرئيسي تحرير صحف سياسية خاصة.
حول هذه القضية سألنا بعض المهتمين وأصحاب الاختصاص، وعن صحة هذه المعلومات، ولماذا الآن يحاول النظام السوري القيام بمثل هذه التحقيقات؟ وهل وصل الأمر من الفضائح في تزوير العلم إلى درجة لم يعد بالإمكان السكوت عنها؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
د وسام الدين العكلة أستاذ جامعي قال لجيرون ” لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة تزوير الوثائق السورية تعتبر من أخطر الظواهر التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو في المناطق المحررة وحتى في الخارج، حيث تنتشر العشرات من عصابات التزوير، ولا تقتصر عمليات التزوير على الشهادات الدراسية بل تطال الوثائق القانونية بكل أنواعها من جوازات السفر وصكوك ملكية العقارات مرورًا بوثائق الأحوال الشخصية والأختام الرسمية المزورة، وانتهاء بالشهادات العلمية خاصة الجامعية والدراسات العليا.أما فيما يتعلق بقيام النظام بتحقيقات واسعة وفصل بعض المسؤولين عن العمل بدعوى تزوير شهاداتهم فهذه مسرحية هزلية، لا يمكن تصديقها لأن إجراءات تعيين أي مسؤول كبير تمر بعدة مراحل من الدراسات الأمنية يمكن التعرف من خلالها على أدق المعلومات التفصيلية عن المرشح للمنصب، لكن النظام يستخدم ذريعة تزوير الشهادات لعدة أهداف منها التخلص من بعض المسؤولين أو الموظفين المحسوبين على شخصيات متنفذة، وتصفية الحسابات مع آخرين بعد انتهاء دورهم في خدمته. وقد سبق للنظام أن غض النظر عن قيام بعض الموظفين والمسؤولين بتزوير شهادات جامعية عليا لتغطية النقص في بعض المجالات، خاصة مع هجرة الكفاءات الحقيقية من ذوي الشهادات العليا إلى خارج البلاد، بسبب الوضع الأمني المتردي في المناطق التي يسيطر عليها.” وتابع العكلة يقول “حسب المعلومات المتداولة خلال السنوات الماضية فهناك الكثير من العصابات كانت تعمل بدمشق بمرأى من النظام وأعضاؤها مرتبطون بشخصيات متنفذة داخله سواء في الجامعات أو وزارة التعليم العالي أو دوائر النفوس والهجرة، ويقومون بجمع أموال طائلة من عمليات التزوير، معتمدين بذلك على الكذب واستغلال الوضع الأمني لمن يريد الحصول على وثائق أو شهادات.” لكنه بين أنه بشأن دوافع التزوير” فهناك العديد من العوامل التي تدفع بعض الأشخاص للحصول على شهادات مزورة منها عدم قدرتهم على الحصول على وثائقهم الأصلية، خاصة إذا كان مطلوبًا للأجهزة الأمنية التابعة للنظام والتي منعت الجامعات من إعطاء وثائق المطلوبين لها دون الحصول على موافقة مسبقة، وهناك من يرغب بالحصول على فرصة عمل، أو للمظهر الاجتماعي، وهؤلاء يلجؤون إلى تزوير شهادات الدكتوراه ، ومع ذلك بات تزوير الوثائق جريمة دولية منظمة أصبح الحد منها والقضاء عليها ضرورة ملحة لأنها تؤثر على أصحاب الشهادات الأصلية ، كما تؤثر على المكانة العلمية للجامعات والشهادات السورية في العالم. بكل الأحوال لا يوجد أي سبب يبرر لجوء الشخص إلى التزوير مهما كانت دوافعه، وحسب القانون يعتبر التزوير من الجرائم الجزائية ويختلف الوصف الجرمي والعقاب في هذه الجريمة بحسب طبيعة الصك المزور وصفة الشخص القائم بالتزوير فتكون جناية إذا كان المحرر المزور سندًا أو ورقة رسمية، وجنحة إذا كان من الأوراق الشخصية. كما فرض القانون على الشخص الذي يستخدم أوراقًا أو سندات مزورة كعقوبة من قام بعملية التزوير.”
محمد صالح احمدو مدير سابق في وزارة التربية والتعليم بالحكومة السورية المؤقتة قال لجيرون
” استفاد العديد من ضعاف النفوس من الثورة التقنية الهائلة ووسائل التواصل الاجتماعي عبر صفحات الفيس بوك وبرنامج الواتساب وغيرها، وذلك باستغلال ما يدور في سورية من حرب أكلت الأخضر واليابس، تهجّر فيها الملايين من الناس كان من بينهم خريجي الجامعات بكافة الاختصاصات ومنهم طلاب الأفرع الجامعية في سنواتهم الأخيرة وغيرهم، وأغلبهم تركوا منازلهم بما حوت من وثائق جامعية ودراسية مختلفة، ليجدوا أنفسهم لاحقًا في أماكن لجوئهم مضطرين لهذه الوثائق التي أخذت من عمرهم الكثير للحصول عليها، والتي ذهبت أدراج الرياح بعدما دمر الأسد وشركاؤه المنازل والمدارس والمعاهد والجامعات فأحرق تلك الوثائق، وأصدر بعد ذلك قرارات تعجيزية لمن يرغب بالحصول على بديل لتلك الوثيقة، والتي هي حق مشروع لكل من فقدها وذلك بضرورة الاستلام باليد لصاحب العلاقة، أو أحد فروع الدرجة الأولى حصرًا من الأقارب، لذا بحث أصحاب الشهادات عن طريقة بديلة للحصول على تلك الوثائق وذلك عبر دفع الرشوة للموظفين في تلك الدوائر الحكومية، إلى أن وصل الأمر للحصول عليها عبر أفرع الأمن مقابل مبالغ مالية طائلة، وهذا سهل بطريقة ما ومع وجود الثورة التقنية بعالم الطابعات وبرامج التعديل كالفوتوشوب والكورال درو وغيرها، لاستغلال من فقد وثائقه بفتح مكتب لاصدار وثائق طبق الأصل عن الوثيقة الرسمية، وخاصة الجامعية كون وثائقنا المعتمدة من وزارة التعليم العالي وكذلك وزارة التربية في سورية لا تحوي على الباركود وعنصر الأمان الالكتروني فيها ضعيف، مما روج لتكاثر تلك المكاتب التي عملت بالخفاء على الأرض ولكنها عملت علنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ( وكما يقال الغريق يتعلق بالقشة ) لذا وجد ضعاف النفوس من أولئك المضطرون لتلك الوثائق صيدًا ثمينًا يجب استثماره.” وأكد أحمدو أن “هذه الشبكة تضم موظفين حاليين وسابقين وطلابًا جامعيين وأصحاب مكاتب عقارية وغيرها، ولهم علاقة وطيدة مع موظفين من الدرجة الأولى في وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وكذلك مع الأفرع الأمنية، والجدير بالذكر أن العديد من الوثائق صدرت من داخل أروقة المكاتب الوزارية وبالأختام الرسمية تمامًا، كما تتم عملية استخراج جوازات السفر للسوريين في خارج سورية من مكاتب الهجرة والجوازات، ولكن بأرقام مضروبة، مما أدى للعديد من المشاكل مع الأجهزة الأمنية في العديد من الدول”. ونوه أحمدو إلى أن الحكومة التركية ومع انتشار مكاتب التزوير ” أخذت قرارًا بضرورة عرض وثائق الثانوية العامة على مكتب تصديق الوثائق التابع للحكومة السورية المؤقتة في غازي عينتاب، والتأكد من صحتها وتوقيتها من قبل الموظف المسؤول وإرسالها بالظرف المختوم لمديريات التربية التركية، وأما بالنسبة للتأكد من صحة الشهادات الجامعية فقد قامت مؤخرًا بالتأكد من عدد لابأس به ممن يود تعديل شهادته الجامعية بالتواصل مع اليونيسيف والتي بدورها تأكدت من صحة الوثائق من عدمها بطرقها الخاصة، وبهذا أنهت مهزلة التزوير التي استطاع عبرها العديد من المزورين الحصول على الأموال الطائلة، وكذلك القضاء على حالة الفوضى في مجال التعليم بدخول العديد ممن لا يملكون المؤهلات التعليمية في مجال التعليم سواء بالمخيمات أو في المدارس السورية المنتشرة في مدنها”.
الناشطة الدمشقية ثروة شام أكدت لجيرون ” إن موضوع تزوير الشهادات ليس بالجديد إنما هو موضوع قديم، وقد تم الكشف عن حالات ضمن الحرم الجامعي وأغلبهم أحيل للقضاء، وحاليًا بسبب ما يجري في الوطن فقد انتشرت هذه الظاهرة أكثر وبمساعدة أساتذة جامعيين في الحرم الجامعي بمقابل مبالغ مالية عالية جدًا، والكثير قد حصل على شهادته عبر الشراء مقابل المال، وأغلب من يقوم بذلك هم شخصيات في النظام السوري عالية المستوى، أما عن فضح الأمر ومحاسبة الفاعلين فإنه تلميع الصورة من جديد ليس الا ، ليقال أن هناك محاسبة من قبل الدولة للفساد المستشري”.
المصدر : جيرون