كيم سنغوبتا /مراسل الدفاع والأمن
حذر رئيس أركان القوات البحرية الملكية البريطانية من أن ذوبان الغطاء الجليدي يفتح مسرباً جديداً نحو الأطلسي أمام البحرية الصينية المتوسعة، ما قد يتحول مشكلة بالنسبة إلى المملكة المتحدة والغرب.
إذ رجح لورد البحر الأول First Sea Lord توني راداكين أن تفرض روسيا وجودها أيضاً وربما بشكل أكبر في تلك البقعة من الأطلسي، التي تشكل موقعاً استراتيجياً بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وشرح أن “تغير المناخ مصدر قلق بالنسبة إلينا جميعاً، لكنه يفتح طرقاً بحرية للتجارة تمر عبر أعلى مناطق العالم، ويقلص مدة التنقل بين أوروبا وآسيا إلى النصف. ونحن موجودون على مدخل هذه الطرق”.
وفي حديث أدلى به من على متن حاملة الطائرات الجديدة “إتش إم إس برينس أوف ويلز” HMS Prince of Wales في بورتسموث، ذكر أنه “عندما تبحر البحرية الصينية الآخذة في التوسع باتجاه الأطلسي، فأي الطرق ستسلك؟ هل تأخذ الطريق الطويل أم القصير؟ إذ تمر هذه الطرق بمحاذاة ساحل روسيا الناهضة. ثمة تزايد في نشاط روسيا عبر المحيط الأطلسي الذي يشكل فناءنا الخلفي، (ويحدث ذلك) أكثر من أي وقت مضى منذ أكثر من ثلاثين عاماً”.
وتابع الأدميرال راداكين “فيما يصبح “أعلى الشمال” مفتوحاً وقابلاً للنفاذ بصور متزايدة، سوف يصبح كذلك موضع تنازع وتنافس أكبر. وكذلك ننهض نحن بنشاطات أكثر في “أعلى الشمال” بالفعل، ونعمل مع أصدقائنا النرويجيين والأميركيين. وينطبق ذلك على “بحر بارنتس” Barents Sea أيضاً”.
وأضاف، “يشكل ذلك جزءاً من سلسلة من العمليات. سوف ننظر في الانضمام إلى شركائنا والعمل معهم في “أعلى الشمال” High North. ويشمل بحثنا دراسة الإمكانات، والبحث في ما يمكن أن يقدمه لنا النرويجيون والأميركيون والكنديون ودول أخرى لديها هذا الاهتمام الخاص في “أعلى الشمال” ومناطقه”.
وفي إطار الصورة الأوسع، بات ممكناً الإبحار من طريق البحر الشمالي في الوقت الحالي بين شهري أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكن من المتوقع أن تتوسع تلك النافذة الزمنية بانتظام. ووفق رأي “مكتب تحليل السياسة الاقتصادية” في هولندا، قد تخلو هذه المنطقة من الجليد مع حلول العام 2030. وكذلك توقعت “كلية كوبنهاغن للتجارة” أن عمليات النقل البحري ستصبح ممكنة على نطاق واسع (عبر “أعلى الشمال”) في 2040. وقدمت الصين طلباً للانضمام إلى “مجلس القطب الشمالي” الذي يمثل منظمة أسستها الدول المتجاورة في تلك المنطقة، لكن الصين اعتبرت نفسها مؤخراً دولة “قريبة من القطب الشمالي”. وقد تمكنت الصين، بعد سعي حثيث من الانضمام إلى المجلس، والحصول على مقعد عضو بصفة مراقب.
وبشكل عام، تمثل موقف السياسة الرسمية للصين في أن نشاطاتها في القطب الشمالي تتركز على الاكتشاف العلمي والتجارة والتنمية. في المقابل، باتت محطات البحث التي أنشأتها في المنطقة تتضمن أنظمة أقمار صناعية، قادرة على تعقب الصواريخ واعتراض الاتصالات العسكرية.
وفي تطور متصل، أشار “جهاز الاستخبارات الدفاعية الدنماركي” العام الماضي إلى أن الجيش الصيني الذي يزيد استخدامه للأبحاث العلمية بهدف فرض وجوده، قد أقر بأن بعض النشاطات تخدم “أهدافاً مزدوجة”. وفي وقت سابق من العام الجاري، زعم تقرير أرسلته وزارة الدفاع الأميركية إلى الكونغرس أن “الصين قد تستخدم وجودها في القطب الشمالي الهادف في الأصل إلى إجراء أبحاث مدنية من أجل تعزيز وجودها العسكري الذي يشمل نشر الغواصات في المنطقة، كرادع ضد الهجمات”.
وعلى نحو مماثل، لفت الأدميرال جيمس ستافريديس القائد السابق للقوات العسكرية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أن “الصينيين يبنون كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، وذلك أمر لم تفكر فيه حتى الولايات المتحدة. ويفوق حجم هذه السفن الصينية 30 ألف طن، وسوف تتفوق على قدرة أي دولة أخرى باستثناء روسيا، وستُضاف إلى أسطول من ست سفن تعمل بالطرق التقليدية”.
وفي الوقت الذي حذر فيه الأدميرال راداكين من تغلغل القوات العسكرية الصينية في “أعلى الشمال”، ازدادت التوترات على الجانب الآخر من العالم، في المحيطين الهندي والهادئ. إذ زعمت الصين أنها تمتلك 90 في المئة من بحر الصين الجنوبي، وذلك زعم رفضته بشدة الدول المجاورة والغرب.
واستطراداً، أجرت مجموعتان أميركيتان من حاملات طائرات، تقودهما “يو إس إس رونالد ريغان” USS Ronald Reagan و”يو إس إس نيميتز” USS Nimitz، تدريبات في بحر الصين الجنوبي خلال يوليو (تموز) الماضي، ما دعا بكين إلى اتهام واشنطن بـ”الاستفزاز”.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، التقت “المجموعة الرباعية” المُكونة من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، في طوكيو، وشددت على ضرورة احترام حرية الملاحة في المياه المتنازع عليها. وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وقع الأدميرال راداكين اتفاقاً ثلاثي الأطراف مع أدميرال البحرية الأميركية مايك غيلداي والأدميرال هيروشي يامامورا من “قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية”، بشأن التعاون على سلسلة من القضايا في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك النفاذ إلى الطرق المائية بموجب القانون الدولي.
وقد عُقد الاجتماع على متن حاملة الطائرات البريطانية الجديدة الثانية “إتش إم إس كوين إليزابيث” HMS Queen Elizabeth التي من المزمع أن تبحر في مهمتها الأولى في مايو (أيار) المقبل. وقد أورد الأدميرال راداكين، في كلمة ألقاها على متن (حاملة الطائرات البريطانية الثانية) “برينس أوف ويلز” HMS Prince of Wales، أن “حاملة الطائرات” “إتش إم إس كوين إليزابيث” سوف تبحر من حوض بناء السفن هذا، في مركز مجموعة عمل ضاربة متعددة الأطراف تحمل 40 طائرة. إنها التجسيد العائم (للقوة) البريطانية العالمية”.
وفي مسار متصل بتلك التطورات، رفضت الحكومة البوح بالوجهة التي تقصدها سفينة “كوين إليزابيث”، فيما يسود اعتقاد بأنها تتجه نحو المحيطين الهندي والهادئ. وقد حذر مسؤولون صينيون رفيعو المستوى من أن إرسال السفن الحربية البريطانية والأميركية إلى مياه متنازع عليها، سوف يُعد “عملاً عدائياً” تترتب عليه تبعات خطيرة. وكذلك ناشدوا لندن ألا تتورط في تنفيذ “أعمال قذرة” لصالح واشنطن.
وكخلاصة، تشير الدلائل كلها إلى أن العلاقات المتوترة أساساً بين الصين وبريطانيا والغرب سوف تزداد توتراً بعد إضافة البُعد العسكري الممتد من مناطق “أعلى الشمال” إلى بحر الصين الجنوبي.
المصدر: اندبندنت عربية