علي محمد فخرو
لن يستطيع المحللون والإعلاميون والمثقفون العرب بناء ثقافة سياسية ديناميكية تتعامل مع الجذور بدلا من القشور، وعلى الأخص فيما بين شابات وشبان العرب، إذا تعاملوا مع جزئيات الأحداث السياسية الكبرى وتأثيراتها الجانبية الفرعية. فالمطلوب هو النظر إلى الأحداث بصورة شمولية تتعلم من الماضى، وتحلل الحاضر، وتستشرف المستقبل.
من هنا تخبط البعض فى النظر إلى الهزيمة المدوية الأمريكية فى أفغانستان. فكل ما اهتم به البعض هو تأثير الفكر السياسى الإسلامى الطالبانى على هذه المجموعة السكانية أو ذلك النشاط الثقافى فى أفغان المستقبل.
واكتفى البعض بالتركيز على مستقبل التوازنات الجيوسياسية فى تلك المنطقة. ولم ير البعض فى الهزيمة الأمريكية سوى انتصار الإسلام على الصليبية كتكملة للحروب الصليبية القديمة.
هذا بينما يكمن لب الموضوع، بالنسبة لنا كعرب، فى معرفة متجذرة لطبيعة التعامل الاستعمارى الأمريكى مع كل ضحاياه وكل المخدوعين بظواهره وألاعبيه. ذلك أنه لا توجد أمة على وجه الأرض مبتلاة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، بالتدخل الأمريكى فى كل جانب من حياتها مثل أمة العرب.
لنسلط الضوء على الجوانب المهمة من الموضوع:
1ــ ألم يعترف بعض السياسيين والعسكريين والاستخباراتيين الأمريكيين، مرارا وتكرارا، بالدور الأمريكى فى بناء تنظيم القاعدة الجهادى فى أفغانستان، فى الثمانينيات من القرن الماضى، وذلك من أجل محاربة الوجود العسكرى السوفييتى فى ذلك البلد؟ ألم تسهل الاستخبارات الأمريكية تجييش ألوف من الشباب المغرر بهم، وتدربهم وتسلحهم للقيام بذلك الدور، باسم الإسلام المفترى عليه زورا وبهتانا؟
ألا يعنى ذلك أن أصل المشكلة هو الأسلوب الأمريكى فى إعطاء دولته الحق بأن تتدخل فى شئون الغير، متى شاءت ومهما كانت النتائج ودون تفكير فيما ستئول إليه الأمور، طالما أنها تخدم المصالح الأمريكية؟
2ــ وعندما انقلب السحر على الساحر، وأصبحت القاعدة عدوة للمصالح الأمريكية، هل كان منطقيا وشرعيا أن تغزو أمريكا أفغانستان فى سنة 2001؟ وبعدما هزمت القاعدة وأخرجت أفرادها إلى خارج أفغانستان وطردت طالبان من العاصمة كابول، هل كان من حقها أن تتربع على عرش أفغانستان عشرين سنة، بالتعاون مع من تشترى من خدم وأزلام وجواسيس، وذلك بالرغم من مشاعر أكثرية شعب أفغانستان؟
3ــ ثم ألم تفعل أمريكا الأمر نفسه من قبل فى حروبها وتدخلاتها فى فيتنام وكمبوديا ولاووس وغيرها، وسارت على نفس الدرب فى تدخلاتها الكاذبة الاستعمارية فى العراق وسوريا وليبيا والسودان وفلسطين المبتلاة المحتلة من قبل الاستعمار الصهيونى؟
4ــ وإذن فنحن أمام دولة لا تتعلم أى درس من دروس التاريخ، وأن الشعوب وحركات التحرر لا يمكن إلا أن تلحق الهزيمة بجنودها وآلتها العسكرية وعملائها الفاسدين الذين تغدق عليهم المال والجاه.
5ــ السؤال الأساسي بالنسبة لنا: هل سيعى المتعاملون العرب، على المستويات الرسمية والأحزاب والجماعات المنبهرة «بالعظمة» الأمريكية، تلك المشاهد، ويتعاملوا مع أمريكا بحذر وندية، ويتجنبوا السقوط فى قبول وعودها وتأكيداتها، ويفهموا من كل ذلك التاريخ بأن أمريكا لا تعرف إلا مصلحة واحدة:٠ مصلحتها؟ هل سيعون بأن أمريكا ليست قدرا لا راد له فى أرض العرب، وأنها قابلة لأقسى الهزائم أمام الشعوب المعتزة بكرامتها؟
هذا ما يجب أن نراه فى الانسحاب الأمريكى المذل فى أفغانستان، ولا ننشغل بالثرثرات السياسية حول مستقبل أفغانستان، إذ لديها شعب بكبرياء مذهل سيعرف كيف يحل مشاكله.
المصدر: القدس العربي