لوسي بارسخيان
قفزت عرسال إلى الواجهة مجدداً. لكن، هذه المرة من زاوية الضغط الذي يتسبب به ملف اللاجئين السوريين، والذين كانت البلدة أول من فتحت أبوابها لاستقبالهم، وأوتهم بعشرات الآلاف لفترة طويلة. وعانت معهم تداعيات النيران السورية المتمددة إلى الأراضي اللبنانية.
تفاصيل الحادثة
هي “القلة التي تولد النقار” في عرسال، والتي استغلتها مجموعة شبان، أجمعت المصادر في البلدة على اتهامهم بالـ”مشاغبين”، الذين يفتعلون المشاكل بكل مناسبة، والذين يعتقد أنهم مدفوعون من جهات معروفة تستغل أحوالاً سيئة في البلدة، بعد أن لاحظت حالة تململ، أعرب عنها تجار البلدة وأصحاب المؤسسات فيها، الذين تقدموا قبل أيام بعريضة لبلدية عرسال، وقعها نحو سبعين شخصاً من أبناء البلدة، وتطالب بتنظيم موضوع العمالة السورية، والحد من المؤسسات التي أنشاها السوريون، وباتوا يضاربون في جزء منها على العراسلة أنفسهم.
عمد هؤلاء الشبان، وعددهم حسب المعلومات نحو 16 شخصا، إلى تحطيم بعض المحلات التي يشغلها سوريون، واعتدوا على ممتلكاتهم، وهددوهم حتى بعائلاتهم، ما جعل الصورة تخرج من البلدة، بأن الاعتداء هو تعد عرسالي جامع لهم. الأمر الذي سارع أبناء عرسال إلى نفيه، عبر صفحات وسائل التواصل الإجتماعي، التي غصت بالتعليقات المستنكرة للحادث، وصولاً إلى وضعها في إطار محاولة إبتزاز اللاجئين وفرض الخوات عليهم، من قبل عصابة، تريد أن تقاسمهم حتى المساعدات التي تصلهم من الجهات المانحة.
التنافس على لقمة العيش
وفيما تحدثت المعلومات عن توقيف ثلاثة من هؤلاء الشبان، الذين اعترفوا بفعلتهم ووشوا بأسماء زملاء لهم، حاولت بلدية عرسال في المقابل تدارك المشكلة، منعا لاستغلاله في محاولات تصفية حسابات فردية. وأكدت مصادر البلدية أن عرسال لا يمكن أن تتحمل تداعيات العبء الاجتماعي والأمني الذي يمكن أن يترتب عن مثل هذه الأعمال المخلة بالأمن، والتي قد تشكل ذريعة لتقليص مساعدات الجهات المانحة، والتي لا تزال تشكل سندا لتماسك الواقع المعيشي في البلدة.
فعلى رغم موجة العودة الواسعة للاجئين السوريين، لا تزال عرسال وفقا لنائب رئيس البلدية ريما الفليطي تغص بنحو 65 الف نازح، مقابل 37 الف من عرسالي، يجتمعون في بقعة ضيقة، يتنافسون فيها على لقمة العيش.
إثر أحداث سوريا التي تمددت إلى البلدة، ضاقت سبل العيش على العراسلة، فعمد عدد كبير من هؤلاء إلى تأجير المساحات للاجئين السوريين، بحيث شكلت هذه الأجرة الشهرية مصدر الدخل الوحيد للعديد من العراسلة.
لم يتنبه العراسلة إلى التغيير الكبير الذي بدأ يطرأ على صورة بلدتهم ودورتها الاقتصادية، إلى أن تم إحصاء نحو 700 متجر يشغله سوريون، هؤلاء باتوا ينافسون العراسلة بكل منتج يتداولون به، بدءا من محطات البنزين إلى محلات السمانة والفاكهة، ومحال الذهب وصالونات التجميل والحلاقة، والتي نشأت من دون أي إذن او استشارة مسبقة، حتى صارت “تتناتش” السوق مع التجار العراسلة، الذين لا يتجاوز عدد متاجرهم الـ300، وبأسعار تنافسية، سمح بها تهريب البضائع من سوريا.
لم تعد خدمة هذه المتاجر مقتصرة على أعداد اللاجئين السوريين المتفوقة على العراسلة، وباتت تستقطب بأسعارها التنافسية حتى الزبائن اللبنانيين، وهو ما تسبب بتراجع في مداخيل أصحاب المؤسسات السابقة، وصار مادة لتململ واسع. وخصوصا بعد أن انضمت سيارات النقل المشترك السورية بشكل غير شرعي إلى هذه المنافسة.
العشوائية
اللافت في الامر أن اي من الجهات الرسمية لم تتحرك للحد من هذه الظاهرة، كما أن العراسلة أنفسهم لم يسجلوا اعتراضاتهم سابقا، بل تعاطوا مع المسألة بعشوائية، لا تسمح بتدارك تداعيات الواقع المستجد، دافعهم لذلك المكاسب الفردية التي حققها بعض أهالي البلدة. وهو ما جعل التعاطي مع وجود مؤسسات اللاجئين في البلدة وفقا “للقوانين المرعية”، سيفا ذو حدين. إذ انه مع تراجع مداخيل العراسلة من مقالع الحجارة والزراعة، والحصار الذي ضرب عرسال وجعلها بحاجة لخدمة نفسها بنفسها، صار تطبيق القانون يعني حرمان المؤجر من أجرة، قد تكون مصدر الدخل الوحيد لعدد من أهالي البلدة.
ولكن ثمة أسباباً أخرى تركت انطباعا لدى العراسلة بأن اللاجئ السوري بات متفوقا عليهم في مصدر معيشته، ومنها المساعدات الأممية التي شكلت دعما ماديا، يفتقده العراسلة بظل الظروف المعيشية المتردية.
ومع ذلك لم يصل العراسلة إلى حد الاصطدام بضيوفهم السوريين. ولم يكن الجو العام في البلدة يبشر بإمكانية التصادم، وهم ليسوا في وارد ذلك حتى الآن، كما تؤكد الفليطي، التي تشير إلى أن الموقعين على العريضة كانوا يطالبون بتنظيم مسألة المتاجر القائمة سواء تلك التابعة للسوريين أو اللبنانيين، وهم ليسوا في موقع تحد مع اللاجئين، والواضح ان من افتعلوا المشكل استغلوا عنوان المطالبة ولكن أهدافهم مغايرة كليا.
بعيداً عن المبالغة والمزايدة
أما موقف البلدية الرسمي كما تقول الفليطي فهو إدانة هذا الاعتداء على اللاجئين واستنكاره، لأنه يسيء أولا إلى صورة عرسال، التي احتضنت السوريين في قمة الأزمة، وإلى كل ما راكمته من عمل إنساني في هذا الملف.
ولكن إذا كان العراسلة هم أكثر من دفع ثمن هذا الإحتضان الإنساني للاجئين، فإن ذلك لا يعني وفقا للمصادر بأن عبء النزوح السوري لا يشكل ورقة ضغط إجتماعية كبيرة في البلدة، وهو ما أبدت البلدية تفهما له في وقت سابق، ولكن مع دعوتها لوضع الأمور في إطارها الحقيقي، بعيدا عن المزايدات.
استمرار غياب دور الدولة كراعية لعملية تأمين الحماية الإنسانية للاجئين، من دون إغفال حق اللبنانيين بحمايتهم إقتصاديا، بات مرشحا لأن يتطور في عرسال إلى تنافر، يقلق القيمون على البلدة من أن يستغل في كل مرة، لتكرار الاعتداءات التي لا بد أن تصل إلى انفجار مؤذ للجميع. وإذا كانت البلدية، كما الجهات الأمنية، قد نجحت في تطويق الحادث الأخير عبر إصرارها على وضعه في إطاره الفعلي، فإن لا ضمانات بضبط أعصاب المعتدى عليهم في كل مرة.
وعليه ترى أوساط العراسلة أن الحل يبدأ أولا بأن تتعاطى الجهات المعنية بجدية ومسؤولية مع موضوع الشكوى، التي تضمنتها العريضة، الموجهة من أصحاب المؤسسات في عرسال إلى السلطات المعنية. علماً أن بلدية عرسال لم ترفع هذه العريضة، وفقا للمعلومات، إلى الوزارات المعنية، ولا سيما وزارتي الداخلية والإقتصاد. ويرى وزير الدولة لشؤون اللاجئين معين المرعبي أن الوزارتين هما الجهتان المعنيتان باتخاذ الإجراءات، التي من شأنها أن تخفف من هذا التوتر الناتج عن مسألة ضغط النزوح السوري إلى لبنان، متحدثاً أيضا عن دور للبلدية، كما للمجتمع المحلي، في تدارك مثل هذه التوترات.
المصدر: المدن