أحمد مظهر سعدو
ماتزال قضية المعتقلين السوريين من أهم القضايا الإنسانية التي تقلق الشعب السوري برمته، بل ويساهم التخلي عنها وإهمالها المتعمد أحيانًا، وغير المتعمد أحيانًا أخرى، في استفحالها، وزيادة عديد المعتقلين، وأيضًا زيادة أعداد الشهداء تحت التعذيب، الذين تصدر القوائم بهم من أجهزة النظام السوري بين الفينة والأخرى. وإذا كان المجتمع الدولي قد تخلى أو أهمل هذه القضية الفوق تفاوضية، إلا أن قوى المعارضة السورية بكل ألوان الطيف الساسي والعسكري، قد ساهمت هي الأخرى بقصد أو بدونه، في ذلك ، عبر عدم الاتيان بأي فعل عملي أوجدي يحرك هذه القضية، وبقيت أدراج المعارضة، وبين إمكانيات التوثيق واللاتوثيق، حيث تتذرع المعارضة بحجة أن الهيئات الدولية تريد توثيقًا علميًا وقانونيًا، من الصعب جدًا القيام به في ظل العسف والتغول الأسدي على كل شيء، وقد تكون محقة في ذلك، إلا أنها مقصرة جدًا، بحيث لم تستطع حتى الآن وعبر أصدقاء سورية المفترضين، تفعيل أية آلية، أو العمل التوثيقي المطلوب، حتى تكون قضية المعتقلين هي القضية الأهم في أية عملية تفاوض قادمة، في مسار جنيف أو مسار أستانا، أو أية مسارات أخرى.
وتُتهم المعارضة بكل تلاوينها بالتقصير أو العجز عن تحريك قضية المعتقلين؟ فمن المسؤول عن ذلك وما الحل يا ترى بينما أبناء سورية في غياهب السجون، ومن ثم يتم نعي الكثير منهم، بدعوى الموت بالجلطات الدماغية أو القلبية؟ وهل تمتلك هيئة التفاوض أو الائتلاف الوطني أو هيئة التنسيق احصائية مدققة عن عدد المعتقلين؟ وماهي الأعداد التي بحوزتها حتى الآن؟
وما دور المعارضة في قضية المعتقلين؟ ولماذا لم يولوا هذه القضية الإنسانية والوطنية الاهتمام اللازم؟ وماذا يفعلون سوى ذلك إن لم تكن هذه المسألة أولوية بالنسبة لهم؟
وتشير وثائق الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة إلى وجود أمانات من أربعة قوائم موثقة ومدققة تضم الأولى 4100 معتقل، والثانية 12700 معتقل، والثالثة 2500 معتقل، مع قائمة خامسة من 53000 معتقل تحتاج إلى تدقيق وتحديث. وبالطبع هذه الأرقام غير نهائية، ومنها كما رأينا غير الموثق. ومازال أمام هيئة التفاوض الكثير من الجهد والعمل حتى تعرف وتدرك كيف توثق، وتبدي قدرتها على الخوض الجدي بهذه القضية المهمة جدًا للشعب السوري.
المحامي حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق قال لنا : ” الاعتقالات تجري لكل من يعارض النظام رجلاً كان أو امرأة، طاعنًا في السن أو فتى دون سن البلوغ، وكل من يرد اسمه في تقرير مخبر مدسوس، أو حاقد على شخص يريد التخلص منه، أو مارًا على الحواجز، ولقضاء حاجة أو في طريقه إلى عمله، على الظن والشبهة وتعرضه للتعذيب يجعله مضطر للاعتراف بالتهمة الملفقة وانكاره فيما بعد، أمام محاكم الإرهاب الاستثنائية لا ينقذه من المساءلة والعقاب” ثم رأى أنه ” لا تتحمل قوى المعارضة بكل أشكالها المسؤولية بل يتحملها النظام”.
أما العميد إبراهيم الجباوي عضو هيئة التفاوض فقد أكد لنا في هذا السياق بقوله ” المعارضة تبذل قصارى الجهود من أجل المعتقلين، وهناك لجنة خاصة في هيئة التفاوض تعنى بشؤون المعتقلين، وكان لها الجهود المميزة في تقديم الوثائق اللازمة والبيانات للمبعوث الدولي وللمؤسسات الدولية الأخرى، وآخرها كان الأسبوع قبل الماضي، إضافة إلى أن موضوع المعتقلين وضرورة الافراج عنهم كان ويكون وسيكون دائمًا على رأس قائمة مطالبات هيئة التفاوض من المجتمع الدولي والمبعوث الخاص، وفي مقدمة جداول أعمال لقاءات وفود الهيئة مع الجهات والأشخاص الدوليين المعنيين بالشأن السوري”.
من جهته فقد أكد المهندس أحمد العسراوي عضو هيئة التفاوض أن تقصير المعارضة في قضية المعتقلين ” ليست تهمة بل هو واقع، لكن هناك فرق شاسع بين التقصير والعجز، فقضية المعتقلين والمخطوفين والمفقودين ليست بهذه البساطة، وخاصة منهم من اعتقل أو اختطف أو فقد أو اغتيل، لأنه اختار الحل السياسي في مواجهة اختيار النظام للحل الأمني العسكري، ودخول البعض إلى ملعبه أو ساحته وبنفس طريقته”. ثم تابع مؤكدًا ” التقصير، لا، أعتقد أن يتوافق مع الواقع لأن الكثير من أطياف المعارضة السورية عملوا على هذا الملف وفق معلوماتي، وكانت هذه إحدى البنود التي دفعت البعض للذهاب إلى أستانة وتلك المؤتمرات المتتابعة، وأنا بدوري لم أكن مقتنعًا بهذا المسار، ولم يتم الحصول على أية نتيجة منطقية أو عملية.” وقال متابعًا ” العجز، نعم، لكن ليس المعارضة بكل تلاوينها كما توجه إلينا التهمة، بل كل المجتمع الدولي بما فيه الذين ينظرون للمسألة السورية من بعيد. فما يجري في الساحة السورية ليس له مثيل بكل أصقاع الأرض. والمسؤول هو مجلس الأمن الدولي الذي أصدر القرار 2254 لعام 2015 م، ولم يعمل على تنفيذ الفقرات الإنسانية فيه، باعتبارها بنود فوق تفاوضية. وهذه القضية إحداها بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وقد يعتقد من يريد التشكيك أن هذا الكلام يبتعد عن تحميل النظام المسؤولية، وهذا من رؤيتي لا يتوافق مع الواقع، فالنظام قد بذل كل جهده لتكون هذه نقطة تفاوضية لكن لصالحه، فالإفراج عن المعتقلين مقابل التنازل عن المطالب الشعبية المحقة.” وعن احصائيات هيئة التفاوض للمعتقلين تحدث بقوله ” أما حول امتلاك هيئة التفاوض السورية لقوائم إحصائية دقيقة عن أسماء وعدد المعتقلين، فهذا من سابع سابع المستحيلات. خاصة وأن القوائم التي تصل لأمانات السجل المدني بين فترة وأخرى عن الوفيات داخل المعتقلات كافية لتغيير القوائم يوميًا”.
من ناحية أخرى فإن للباحث المعارض السوري محمد خليفة رأي مختلف إذ يجد أن المعتقلين المعذبين في سورية وملف المعتقلين والمخطوفين والمغيبين قسرًا الذين يناهز عددهم نصف مليون شخص، يمثل قضية إنسانية من الدرجة الأولى، لا تعذب الضحايا أنفسهم فقط، بل تعذب وتؤرق ملايين السوريين المعنيين بهم، وتعقد أو تعطل حيواتهم الأسرية والاجتماعية، وتجعلهم عرضة للخوف والضعف والابتزاز الدائم، من النظام وأجهزته المتوحشة. ولذلك فهي تحتل في وعي السوريين الأولوية المطلقة، وتتفوق على ما عداها من قضايا وملفات معقدة بما فيها ملفات الشهداء والقتلى والجرحى. ولقد حاولت كل قوى الثورة والمعارضة تحقيق اختراق على هذا الصعيد، فبحثتها باستمرار مع مبعوثي الأمم المتحدة ، وطرحتها في مباحثات جنيف ، ثم طرحتها في اجتماعات آستانا ، وعرضتها في معظم اللقاءات مع ممثلي الدول الصديقة والمعادية ، بما فيها روسيا ، ولكن بلا جدوى، لأن النظام يبتز بها الشعب السوري كله، وكل الأطراف الدولية، ويزعم أنه لا يحتجز سوى إرهابيين ومحكومين بجرائم جنائية ، مع أن المنظمات الحقوقية الدولية وثقت اعتقال مئات الألوف الذين اعتقلوا ، وقتلوا تحت التعذيب، وأصبحت قضية دولية معروفة ومؤكدة، وشملتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة “.وأضاف خليفة قائلًا ” المرات النادرة التي اضطر النظام فيها للإفراج عن معتقلين كانت نتيجة صفقات تبادل أسرى، أي معتقلين لديه مقابل ضباط وقعوا في أسر الثوار المقاتلين. وجرت أكبر الصفقات بينه وبين تنظيم (هيئة تحرير الشام) قبل ثلاث سنوات، حين أفرج عن مئات المعتقلات البريئات مقابل إفراج الهيئة عن جنود من الجيش اللبناني! والأمل الوحيد الباقي للمعتقلين وذويهم يتمثل في تحرك أممي عبر مجلس الأمن الدولي، وبدعم أو ضغط جدي من روسيا، أو بتنظيم محكمة دولية خاصة للنظام وأجهزته وضباط مخابراته، وملاحقة كل واحد منهم بشكل شخصي عن جرائمه، لأن من شأن ذلك أن يخيفهم، ويجعلهم يحسنون معاملة المعتقلين. ولا بد من الإشارة إلى تطور ايجابي محدود يشق طريقه ببطء حاليًا، يتوقع أن يؤسس مسارًا دوليًا مهمًا وفعالًا، إذ بدأت في الشهور القليلة الماضية بعض الدول الغربية (ألمانيا والسويد والنرويج والنمسا وفرنسا) تطبيق مبدأ “الولاية القضائية الشاملة” على مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية، ومحاكمتهم غيابيًا فيها، أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم، والعمل على تنفيذها بواسطة الانتربول الدولي.” ثم نبه السيد خليفة إلى أن ” قانون سيزر الذي أقره الكونغرس الأميركي بداية العام الجاري، لمحاسبة النظام وكل المتورطين في جرائمه بحق المعتقلين، أي أن الملاحقة والعقاب سيطالان روسيا وإيران ومنظماتهما، وهو أول قانون من نوعه في التاريخ، ولكن الثغرة الوحيدة فيه أن تطبيقه لن يجري في المحاكم الأميركية، وإنما بموجب قرار سياسي يصدره البيت الأبيض على المكونات المتورطة من دول ومنظمات. والمغزى الرئيسي منه ومن المسار الدولي الآخر يعني أن بعض جهود الناشطين السوريين الحقوقيين لن تضيع سدى، وأنها بدأت تحقق بعض الأمل أو العزاء للمعتقلين والضحايا والمعذبين ولذويهم”.
ويبدو أن حراك النشطاء المعارضين السوريين هو من سيعول عليه مستقبلًا في قضية المعتقلين السوريين، حيث عجزت أو قصرت قوى المعارضة عن أي فعل جدي في هذا السياق الأهم بالنسبة للشعب السوري بكل ألوانه وأثنياته وطوائفه.
المصدر: موقع (مع العدالة)